خطاب الرئيس Take-100

تابعنا على:   10:18 2018-09-23

فاتنة الدجاني

سيقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليلقي خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. سيبدو كأنه يمارس تمريناً. وسيبدو المشهد كأنه تكرار للقطة سينمائية يعاد تصويرها مرة بعد أخرى.

ليس هناك من خطأ يستدعي الإعادة أو التكرار، لا في الأداء ولا في النص، بل تبدو فلسطين كأنها القضية التي تلقى توافقاً بالمطلق وبالإجماع، وكأن صدى التصفيق الذي لقيه الرئيس الراحل ياسر عرفات في خطابه أمام الأمم المتحدة عام 1974 حين قال «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي»، لا يزال يتردد في أروقتها، يتبعه صدى التصفيق على متوالية الخطابات التي ألقاها عباس.

تفكيك هذا التوافق هو بحد ذاته مظهر قوة، ومصدر ضعف: مظهر قوة حين يحظى بتعاطف دول العالم المتحرر وهي ترى في فلسطين صورة من صورها في مواجهة عسف الدول الكبرى، ومؤشرٌ إلى صمود القضية كقضية عالمية أولى منذ تأسيس الأمم المتحدة.

هو أيضاً مصدر ضعف حين لا مردود لأنين الضحية سوى الحزن عليها، وكأنما انتظار احتضارها وموتها... وحين «تتعاطف» معها القوى العظمى، ليس من باب تأييد الحق بل من باب الندم ربما، أو الشعور بالذنب والاعتراف الباطني بالمشاركة المباشرة في الجريمة التاريخية في حق الشعب الفلسطيني. الدليل الواضح على ذلك أن هذه القوى تصدَّت للقرارات العامة وتمتنع عن التصويت للقرارات الانتدابية العملية، مثل البند السابع، أو تلك التي «يمكن» أن تُلزم إسرائيل أدنى المسؤوليات. وكل قراءة للقرارات الصادرة في المسألة الفلسطينية في الأمم المتحدة بمجلسيها، الأمن والجمعية العامة، يُعزز هذا الاستنتاج. مثال أحدث هو البيان الذي أصدره الإليزيه أمس، غداة زيارة عباس، واعتبر أن القرارات الأخيرة ضد الفلسطينيين تشكل ضربة لحل الدولتين، من دون أن يأخذ موقفاً كأن يعترف مثلاً بدولة فلسطين.

على سطح هذه البركة الراكدة منذ 70 سنة، سيُلقي الرئيس عباس حجره، أو صخرته، وسيهُز ارتدادها حلقات من التصفيق ستثير غيظ السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي في كل مرة. وهذه المرة، فإن هذا التصفيق لا بد أن يثير حنق الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وسواء حضر ترامب أم غاب، فإن نص الخطاب الفلسطيني هذه المرة، مهما كانت رهافته وديبلوماسيته، هو استكمال للمواجهة الحاصلة بين الإدارة الأميركية والإرادة الفلسطينية التي رفضت «صفقة القرن»، وكشفت التحيُّز الأميركي الكامل لإسرائيل وسياساتها الاحتلالية، ونزعت صفة «الوسيط» عن واشنطن، بل وضعتها في خانة الشراكة مع الاحتلال، سواء في ضوء قرارات الكونغرس ضد الفلسطينيين حيث هو منافس للكنيست الإسرائيلي في دعمه وعقوباته وتهديده ووعيده. هذه المواجهة حتمية وكانت واضحة في إصرار عباس، بعد لقائه الرئيس إيمانويل ماكرون، على رعاية دولية لعملية السلام تكون بديلاً من الرعاية الأميركية.

لكن استمرار المراهنة على عملية السلام بحاجة الى إعادة نظر جدية. المطلوب بعد كل هذه السنين من المفاوضات والهزائم، برنامج نضالي أو استراتيجيا أو هجمة سلام تحيل تضامن العالم إلى فعل.

ليس لدى الفلسطيني ما يخسره، فالمواجهة حاصلة، والمعروض أقل من قليل، والتماهي الأميركي مع النيات الإسرائيلية أكبر من القدرة على هضمه، ولا عملية سلام ولا «صفقة قرن» من دون الفلسطيني. وليس عليه حرج لو رفع صوت التحدي عالياً على مرأى من العالم ومسمعه، وفي هذا المحفل الدولي، مذكّراً بأنه أصدر أكثر من 170 قراراً لصالح فلسطين في الجمعية العامة، وأكثر من 60 قراراً من مجلس الأمن بقيت حبراً على ورق، وأولها كان الاعتراف بدولة للفلسطينيين وفق قرار التقسيم عام 1947.

الشعب الفلسطيني صامد. والحق الفلسطيني قديم قدم هذا المنبر الدولي. 70 سنة في الأمم المتحدة. وهذا مصدر ضعف لا قوة للإدارة الأميركية والقوى العظمى المشاركة في دعم إسرائيل وحرمان الفلسطينيين من حقهم.

ليكن أن الصورة تتكرر، وأن المشهد معاد، وليكن أنه Take-100.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار