خطاب "الإنقلاب السياسي لحماس"!

تابعنا على:   11:53 2018-09-19

كتب حسن عصفور/ أقدمت حركة حماس على "خطوة" كان الإعتقاد أنها تعتبر تطويرا في مسارها ضمن الإرتباط بـ"الوطنية الفلسطينية"، بعقد مؤتمر أسمته تسمية مثيرة "المؤتمر العلمي الأول"، بعد 30 عاما من إنطلاقتها، واكبته بأفعال "إستعراضية" أرادت أن تقول أنها اليوم هي "القوة المنظمة الأولى" في فلسطين، مستخدمة وسائل إعلام ترتبط بها بعلاقات لا تتفق وبعض ما تعلنه، خاصة القناة القطرية، التي تمثل "جسر العبور الصهيوني - التهويدي" في المنطقة العربية..ما يكشف أن "الإنتهازية السياسية تمثل أحد روافع المسار الحمساوي..

ودون الإهتمام كثيرا بالمسمى، فكونه الأول يكشف أن حماس لم تقدم على أي عمل تقييم لمسيرتها أو تقديم كشف حساب للجمهور، وأن مؤتمراتها الحزبية لا زالت ضمن الإطار السري، ولذا أثار هذا المؤتمر "حساسية" الفلسطيني لمتابعة ما سيكون من جديد حماس، بعد حملة إعلامية مكثفة قدمت له وكأنه فاتحة لـ"عهد جديد"..

ويبدو أنها صدقت فيما أشاعات، بأنها بدأت تسير في نحو ترسيخ "عهد جديد" لها يقوم على أقصاء التاريخ الوطني الفلسطيني، ومسح كل فعل كفاحي وثوري قبل أن تعلن الجماعة الإخوانية قرارها، ضمن حسابات داخلية وإقليمية، ارتبطت بصناعة "مواز" او بديل لمنظمة التحرير، وجدت لها تسهيلات من كل الأطراف ذات المصلحة لكسر شوكة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني..

وبعيدا عن فتح باب محاكمة المنطلق والمسار للحركة الحمساوية، كان الأجدر بها أن تتقدم في "مؤتمرها العلمي الأول"، غير واضح لماذا أرتبط تعبير العلمي بهذا، بمراجعة سياسية - فكرية شاملة لتجربتها طوال الثلاثين عاما، أين أصابت وأين أخطات، ما لها وما عليها، وعلاقتها بالوطنية الفلسطينية، رؤية وأهدافا وبرنامج عمل، بعيدا عما أصابها من "شعارات" خلت كثيرا من جواب عملي..

وبدلا من تقديم مراجعة شاملة لها، وعرض مشروعها الخاص، أقدم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، (سنتجاهل خطاب خالد مشعل كونه قدم نصائح لم تعد ذات اثر على الحركة)، على عرض موقف جسد الرؤية "الإقصائية الشاملة" للحركة الوطنية الفلسطينة، تاريخا ومسيرة، فعلا وأثرا، بخطاب إستعراضي أصيب بحجم من "الغطرسة" غير المسبوقة، وكأن الشعب الفلسطيني لم يعرف العمل الثوري والكفاحي سوى بعد قرار الإخوان المسلمين بإعلان حماس، ضمن إتفاق إقليمي بتأسيسها..

ما أقدم عليه هنية يوم 18 سبتمبر 2018، سيمثل "يوما أسودا" في التاريخ الفلسطيني، إذ ألغى بجرة خطاب كل ما كان من تاريخ الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وما حققته من مكاسب تاريخية للشعب ا وقضيته، في وقت طمست حماس، ولا تزال بإسمها وعلمها، اي تعبير عن الهوية الفلسطينية، فإسمها خال من الهوية الوطنية (حركة مقاومة إسلامية)، وعلمها لا زال علم الجماعة الإخوانية، لكن رئيسها قرر أن يكتب التاريخ كما يرتأي، معتقدا أن "البهرجة الإعلامية" وسند بعض دول وأطراف تبحث تدمير الكيانية الفلسطينية التي جسدتها منظمة التحرير، سيصبح حقيقة سياسية وواقعا يفرض ذاته..

خطاب هنية، كشف تماما أبعاد الحرب المسعورة التي شنتها وسائل إعلام الإخوان المسلمين وحماس ضد إتفاق أوسلو، ليس بحثا عن تطوير ومراجعة لما كان، بل لتشويه قيادة المنظمة وخاصة رمزها الخالد ياسر عرفات وفرض رؤيتها الخاصة على ما سيكون، ولم يأت تخوين الشهيد الخالد والقيادة الفلسطينية سوى جزء من حركة التشوية التي قررتها الجناعة الإخوانية، لفرض قيادة جديدة للشعب ضمن رؤية تقود الى إستكمال الإنقلاب العسكري في قطاع غزة 14 يونيو 2007، ما أنتج الهدية الكبرى لدولة الكيان، بإنقسام سياسي بدأ ينفذ عمليا مخطط شارون التقسميي الجغرافي، بخطف قطاع غزة لبناء "كيان خاص" ضمن اي مسميات ممكنة..

هنية في خطابه، تجاهل بقصد غريب كل منجزات الثورة والمنظمة، بل أنه لم ير أي مكسب سياسي، حتى الانتصارات على الساحة الدولية قام بمسحها وهو في غاية السرور، وقرر بأن "البعد العالمي" للقضية الفلسطينية بدأ عام 1992 بعد قرار مجلس الأمن حول مبعد مرج الزهور..

تقزيم لا يمكن أن يكون كما هذا التقزيم، قرار سعت له منظمة التحرير، وقبله عشرات القرارات لصالح فلسطين، بدأت بالإعتراف بمنظمة التحرير ممثلا للشعب لفلسطيني في الأمم المتحدة، وما تلاها من إنتصارات وضع إسم فلسطين على الخريطة السياسية الدولية، حتى أصبحت دولة عضو في الأمم المتحدة بصفة مراقب، دون أن يعرض ماذا قدمت حركته من منجزات دولية للقضية وليس لحركته وجماعته..

ما حققته الثورة والمنظمة من بعد دولي وعربي أصابته حركة حماس بسواد سياسي، نتيجة بعض أفعالها وارتباطها بجماعة عليها الكثير عربيا ودوليا..

ليت هنية تذكر ما كانت عليه المنظمة والثورة، قبل أن تتذكر جماعة الإخوان أن هناك احتلال في فلسطين، ليته يسأل عن حضور مكاتب المنظمة وسفارات فلسطين..هل يعلم هنية كم شهيد قدمت الثورة قبل أن تظهر حماس على الخريطة، هل يعلم عدد قادة الثورة والمنظمة وكوادرها الذين سقطوا على طريق الكفاح..

هل سمع هنية بحرب شارون على لبنان لمدة ثمانين يوما للخلاص من الثورة والمنظمة، وأن بعض من تحالفوا معهم كانوا جزءا من ذلك العدوان..

ما هي الجرأة التي إمتلكها هنية ليتحدث كما يتحدث وكأن العقل الفلسطيني قد تم مسح ذاكرته كليا، وتم إستبدال الذاكرة التاريخية بذاكرة مؤقتة، تعمل عل صناعة تاريخ له وعليه الكثير من الحساب لو أريد حقا الحساب السياسي..

خطاب هنية لو لم تعتبره حماس كأنه لم يكن، وتعتذر للشعب الفلسطيني عما كان منه، فنحن أمام أول إنقلاب سياسي يكمل الإنقلاب العسكري لتأسيس حالة إنفصالية كيانية وتمثيلية قاعدتها قطاع غزة، إنقلاب على التاريخ الوطني لصناعة تاريخ إخواني بغطاء ومسميات لم تعد تثير أحدا، وأهل القطاع قبل غيرهم يعلمون تماما حقيقة "الشعارات" بل وغايتها..

حماس أمام مفترق طرق، إما التراجع والإعتذار عما فعلت وقالت، أو أنها تذهب بعيدا في مسار تنفيذ المخطط الشاروني اليهودي بإنهاء تاريخ الثورة والمنظمة وبناء تمثيل جديد، تمنحه ما تريد من ألقاب لن تغير من الحقيقة السياسية شيئا..

المسؤولية التاريخية لم تعد على عاتق فتح وعباس، فهما أدوات الدعم الحقيقي لمشروع حماس الإنقلابي، بل على القوى والتيارات التي حملت مشروع الثورة والوطن..حماس تتحدى التاريخ والمستقبل بمشروعها الإنقلابي..

بعد خطاب رئيس حماس يوم 19 سبتمبر 2018، ما لم تتراجع عنه يصبح التعاون معها ليس سوى مشاركة في الإنقلاب السياسي الذي أعلنه هنية، وتجسيد عملي له!

ملاحظة وتنويه خاص: رحل خيري منصور الإسم الذي كان "خليطا غريبا" من الأدب والصحافة..كاتب بمذاق خاص صوته أقل كثيرا من قلمه.. رحل دون ضجيج كما حياته الشخصية، لكنه ترك موروثا كله ضجيج في حب الوطن، كتب كما يرى وليس لمن يريد أن يرى..سلاما يا خيري!

اخر الأخبار