الذكرى السنوية الثامنة لرحيل القائد اللواء/ أمين فوزي محمود الهندي

تابعنا على:   12:11 2018-08-18

لواء ركن/ عرابي كلوب

أمد / غزة: يصادف هذا اليوم الذكرى السنوية الثامنة لرحيل القائد اللواء / أمين فوزي الهندي ,أول ‏رئيس لجهاز المخابرات الفلسطينية في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية والذي توفاه الله بتاريخ ‏‏17/8/2010م. ‏
‏ وُلد أمين فوزي محمود الهندي في مدينة غزة عام 1940م ,حيث درس في مدارسها ‏الابتدائية والإعدادية والثانوية ,مما جعله يعيش كل مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي بداية ‏من النكبة وقيام دولة إسرائيل عام 1948م على أرض فلسطين ,وطرد سكانها الأصليين من ‏ديارهم والعدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956م وهزيمة حزيران عام 1967م. ‏
‏ وفي عهد الإدارة المصرية لقطاع غزة كانت العسكرية المصرية حاضرة بقوة , حيث كان ‏الطالب/ أمين الهندي منبهراً بما يسمعه من أساطير ينفذها الفدائيون الفلسطينيون الذين دربهم ‏الشهيد المقدم/ مصطفى حافظ , ضابط المخابرات المصرية في قطاع غزة في ذلك الوقت. كان ‏الضابط مصطفى حافظ مثاراً للوطنية والفروسية والقوة , وكان أبناؤه من الفدائيين الفلسطينيين ‏بمثابة المثل الأعلى لكل الشباب الفلسطينيين الوطنيين في قطاع غزة على نحو خاص.‏
‏ بدأت علاقة الطالب/ أمين الهندي بالبندقية والسلاح ,حيث كانت التربية العسكرية جزءاً لا ‏يتجزأ من التعليم الثانوي في المدارس ,وتُعد إحدى المواد الأساسية ,ومن هناك كانت بداية ‏علاقته بالسلاح والبندقية ,وبينما كانت يده تمسك بالبندقية للتدريب ,كانت تترسخ في داخله أن ‏السلاح والمقاومة هو سبيل تحرير فلسطين ومع مرور الوقت بدأ الإدراك يتكون لديه أن تحرير ‏فلسطين لن يكون من الخارج بل بأيدي أبناءها.‏
‏ كان التعلم هو سلاح كل فلسطيني ورأسماله الوحيد وكانت تجربة السفر بالنسبة لأمين ‏الهندي أول اصطدام مع حقيقة أن الفلسطينيين أمامهم شوط طويل مع الصراع الذي عليهم أن ‏يخوضوه لنيل حقوقهم.‏
‏ بعد حصول أمين على الثانوية العامة ,سافر إلى ألمانيا الغربية أواخر عام 1961م ,حيث ‏اكتشف أن الصراع ليس مجرد صراع مقاومة ضد الاحتلال في الداخل ,بل هناك صراع آخر لا ‏يقل شراسة في الخارج يتعلق بتحقيق ضرورة إثبات الهوية والحقوق الفلسطينية. بعد الوصول ‏إلى ألمانيا ,درس أمين اللغة الألمانية ,حيث انتظم بعدها بالتعليم الجامعي عام 1962م ,وفي ‏هذا العام التحق به صديقه عبدالله الإفرنجي الذي قدم من غزة إلى ألمانيا ,وكان يوجد في ‏المدينة نادي للأجانب وهو وسيلة للترويح عن النفس واللقاء بين الطلبة الأجانب. كان ‏الانفصال الذي حصل بين مصر وسوريا عام 1961م بعد ثلاث سنوات من الوحدة بين ‏الدولتين مثار الخلاف بين الطلبة العرب والشغل الشاغل لهم ومن هنا كان طرح الأخوين / ‏هايل عبد الحميد وهاني الحسن ,باعتبارهما من الطلبة الفلسطينيين الذين سبقوا في الدراسة ‏والحضور إلى ألمانيا ومن بعدهم الأخ/ عبدالله الإفرنجي. كان طرحهم أن يتم تحييد الخلافات ‏بين الطلبة العرب وذلك بالاتفاق على دعم ومساندة فلسطين والفلسطينيين ,وهكذا استطاعوا ‏تحييد الفلسطينيين سواء كانوا طلاباً أم عمالاً بعيداً عن الخلافات.‏
‏ يقول أمين الهندي في العام 1962م "جلس معي الأخ/ عبدالله الإفرنجي على انفراد وكان ‏لقاءً مهماً ,حيث أخبرني أنه وصلت رسالة من الأخ/ خليل الوزير لإنشاء فرع لحركة فتح في ‏ألمانيا وشرح لي مبادىء وأفكار حركة فتح والمطلوب هو ضم عناصر وطنية جديدة للتنظيم". ‏يقول أمين الهندي "أحسست بالفرحة العارمة لأفكار ومبادىء فتح التي كان يؤمن بها من ‏أعماقه وكان ذلك سبب فرحته ,فأفكاره باتت يمكن أن تتحقق من خلال تنظيم حركة فتح وقد ‏حدث ما كان يتمناه وقد بدأ العمل من خلال جمع الطلبة الفلسطيين المقيمين بألمانيا وربطهم ‏برابطة الاتحاد العام لطلبة فلسطين ,حيث كان العمل من أجل التوسع في حركة فتح ونشر ‏مبادىء وأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد من العناصر الوطنية المخلصة لها وذلك جنباً إلى ‏جنب مع تغلغل الاتحاد في منظمات الطلبة العالمية ,لكي يكتسب بعداً دولياً يساعد على شرح ‏القضية الفلسطينية.‏
‏ تم تشكيل فرع اتحاد الطلبة في ألمانيا وأفرع أخرى في مدنها وكذلك فرع في النمسا وأفرع ‏أخرى في مدنها ,وجرى بعد ذلك دمج فرعي ألمانيا والنمسا في كونفدرالية واحدة وأصبح الأخ/ ‏حمدان عاشور على قمتها , وذلك جنباً إلى جنب مع اتحاد العمال في ألمانيا والنمسا ,وقبل ‏عام 1964م كان الأخ/ هايل عبد الحميد هو الذي يمثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين في ‏ألمانيا , إلا أن قيادة الحركة طلبت منه أن يترك ساحة ألمانيا ويقيم في القاهرة وذلك لانتخابه ‏عضواً بالهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين.‏
‏ العمل التنظيمي كان له أكثر من مهمة ,حيث كان كل من الأخوة/ صلاح خلف وفاروق ‏القدومي يقومان بزيارة التنظيم في ألمانيا قادمين كموفدين من قبل القيادة من أجل هدفين ‏‏,الأول : التفتيش على أوضاع التنظيم والثاني : هو إلقاء ندوات وخطب ومحاضرات على ‏أعضاء التنظيم في ألمانيا ,كما كان كذلك الأخ/ خالد الحسن من المواظبين سنوياً على حضور ‏مؤتمر كونفدرالية اتحاد الطلبة (ألمانيا والنمسا) ,كذلك كان الأخ/ خليل الوزير يقوم بزيارة إلى ‏ألمانيا بين فترة وأخرى.‏
‏ في عام 1967م كُلف أمين الهندي بقيادة تنظيم الحركة في كل من ألمانيا والنمسا ,حيث ‏طلب من بقية الأخوة العودة إلى الدول العربية وفي نفس الوقت تولى رئاسة كونفدرالية ألمانيا ‏والنمسا ,كما كان مسؤولاً مالياً بحركة فتح. توجه إلى سوريا عام 1968م حيث كان مكلفاً ‏بمهمة معينة لتسليم مبلغ من المال للقيادة هناك. ‏
‏ في المؤتمر الثاني الذي عقد في الزبداني عام 1968م كان أمين الهندي عضواً في المؤتمر
‏,حيث مثل كونفدرالية (ألمانيا والنمسا).‏
‏ عام 1969م انتُخب أمين الهندي رئيساً للهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين حتى ‏عام 1971م ,حيث تفرغ للعمل في الاتحاد في القاهرة بعد تركه للساحة الألمانية ,وكانت ‏تربطه علاقة جيدة مع الأخ/ أبو إياد.‏
‏ وفي عام 1972م كان أمين الهندي أحد أبرز المخططين لعملية ميونخ الفدائية التي نفذت ‏في ألمانيا الغربية أثناء دورة الألعاب الأولمبية ,حيث نفذت مجموعة من الفدائيين التابعة ‏لمنظمة أيلول الأسود والتي تشكلت بعد الخروج من الأردن ,حيث أدت هذه العملية إلى مقتل ‏‏18 شخصاً بينهم 11 إسرائيلياً وذلك في الخامس من سبتمبر عام 1972م ,وقد حاولت ‏إسرائيل مراراً وبكل ما تملك من قوة لتصفية أمين الهندي في الخارج ولكنها فشلت في ذلك.‏
‏ ورداً على عملية ميونخ قامت إسرائيل بتاريخ 8/9/م1972 بقصف كافة المواقع العسكرية ‏لحركة فتح في سوريا ولبنان وكذلك قامت في العاشر من إبريل عام 1973م بتنفيذ جريمة ‏كبرى باغتيال القادة الثلاثة أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر في بيروت.‏
‏ عام 1974م تولى أمين الهندي مهام نائب رئيس جهاز الأمن الموحد الفلسطيني الذي كان ‏يقوده القائد التاريخي الشهيد/ صلاح خلف. كان أمين الهندي رجل المهام الصعبة ,حيث ‏كانت له أدوار مهمة في العديد من محطات الثورة الفلسطينية ,وكانت علاقته مع الأخ/ أبو ‏إياد جيدة ,حيث كان يعتبره يده اليمنى لتميز دوره في جهاز الأمن الموحد ,حيث لعب هذا ‏الجهاز دوراً كبيراً في حماية الثورة الفلسطينية من محاولات الاختراق الإسرائيلي ,كما تصدى ‏لعمليات الموساد الخارجية على مختلف الساحات وحقق للثورة الفلسطينية إنجازات بحيث يمكن ‏القول أن هذا الجهاز كان بمثابة ترس ورمح الثورة الفلسطينية.‏
‏ أمين الهندي تفتح وعيه الوطني مبكراً وترعرع تحت شمس الثورة الفلسطينية ,حيث شغل ‏مواقع عديدة , تنظيمية , ونقابية , وسياسية , وعسكرية , وأمنية.‏
‏ عُين أمين الهندي عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الرابع الذي عُقد في ‏مدينة أبناء الشهداء بدمشق بتاريخ 22/5/1980 م. كان أمين الهندي برغم هدوئه الشديد ‏وأدبه الجم الذي يبدوا ظاهراً وبوضوح حين تجلس معه يحتفظ بعقلية فائقة للتنظيم ,كان عفيف ‏اللسان حتى برغم تعرضه لمواقف صعبة.‏
‏ بعد الخروج من بيروت على إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م , انتقلت قيادة الثورة ‏الفلسطينية إلى تونس وهناك عمل أمين الهندي بجانب القائد الشهيد/ أبو إياد بكل جد لإعادة ‏الجهاز كما كان سابقاً.‏
‏ في العام 1991م بعد استشهاد القائد/ أبو إياد ,إثر تعرضه لعملية اغتيال جبانة في تونس ‏‏,تولى أمين الهندي مسؤولية جهاز الأمن الموحد حتى العودة إلى أرض الوطن وذلك بعد أن تم ‏توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م.‏
‏ في عام 1994م ومع عودة قوات منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية إلى قطاع ‏غزة وأريحا ,قام بتشكيل جهاز المخابرات العامة في الأراضي الفلسطينية ,حيث لم تكن مسيرة ‏الجهاز أسهل من مسيرة جهاز أمن الثورة في الخارج , فمسؤولية أمين الهندي كانت كبيرة في ‏كلتا المرحلتين , حيث قام بإنشاء جهاز المخابرات الفلسطيني على أسس مهنية مع بقية كادر ‏جهاز الأمن السابق وذلك ليتمكن من تزويد رجال المخابرات الفلسطينية بالقدرات التي تكفل ‏لهم تحقيق مهامهم بنجاح.‏
‏ أمين الهندي كان أول رئيس مخابرات في السلطة الوطنية الفلسطينية. حيث لعب دوراً في ‏بناء مؤسسة أمنية قائمة على أساس مبدأ حماية المواطن والوطن ,وتكون صورة مختلفة عن ‏أجهزة المخابرات في المنطقة , فعمل من خلال هذا الجهاز بروح المناضل الوطني , والمثقف ‏الواعي , وابن الشعب المخلص لشعبه ووطنه وقضيته العادلة.‏
‏ أمين الهندي نأى بنفسه وبرجاله عن السجال والصراع الذي شهدته الأجهزة الأمنية في ‏السلطة الوطنية الفلسطينية الوليدة ,فكان خلف الستار دائماً وبعيد عن الصراعات الداخلية ‏ولهذا اكتسب أبو فوزي ثقة الزعيم الراحل/ ياسر عرفات.
‏ كان أبو فوزي مناضل وقائد وطني وفي طليعة المكافحين من أجل تحرير فلسطين ونيل ‏استقلاله وانتصار المشروع الوطني.‏
‏ أُحيل اللواء/ أمين الهندي إلى التقاعد عام 2005م , بعد أن أدى واجبه الوطني وأعطى ‏نموذجاً في العطاء والانتماء والتفاني.‏
‏ كُرم من قبل الرئيس محمود عباس بوسام نجمة القدس تقديراً لخدماته الطويلة في مسيرة ‏الثورة الفلسطينية.‏
‏ في المؤتمر السادس للحركة الذي عُقد في مدينة بيت لحم عام 2009م , لم يرشح نفسه ‏لعضوية اللجنة المركزية ولا لأي موقع قيادي, ولذلك آثر أن يترك الساحة بهدوء. كان اللواء/ ‏أمين الهندي من دعاة إصلاح الوضع الداخلي للحركة الذي ترهل و ضعُف , وبرغم ذلك آثر ‏ألا يتحدث محتفظاً برأيه عاملاً على الإصلاح بهدوء.‏
‏ في الفترة الأخيرة من حياته داهمه المرض اللعين ,حيث تحول للعلاج في أحد المستشفيات ‏الأردنية. انتقل اللواء/ أمين الهندي إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 17/8/2010م بعد معاناة ‏طويلة مع مرض عضال ألم به , هذا ونُقل جثمانه إلى رام الله (المقاطعة) , حيث أقيمت له ‏جنازة عسكرية تليق به قبل نقل جثمان الفقيد إلى غزة مسقط رأسه ليدفن فيها , حيث أقيم بيت ‏عزاء للفقيد أمام منزله.‏
‏ هذا وأصدرت حركة فتح بياناً قالت فيه " فقدت حركة فتح قائداً وطنياً من قادتها المؤسسين ‏الأوائل على درب الحرية والاستقلال من جيل المؤسسين للحركة منذ انطلاقتها.‏
‏ رحمك الله يا أبا فوزي وأسكنك فسيح جناته مع النبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. ‏

اخر الأخبار