الخرفان في إجازة فضائية لتجارة الأعضاء

تابعنا على:   14:21 2018-08-16

لينا أبو بكر

هل تصدق ابن حرام حين أسرّ يوما لوليمته: «لحم الموتى ألذ ما حُرِمَتْ منه البشرية» وأنت ترى أن قرابين هذا الزمن من ذبائح بني آدم تفوق تصور الخليقة واحتمالها؟ بل إنك لو حسبت عدد الأضحيات في أعياد المسلمين مع عدد ضحايا الغزو البشري للشرق وحده، لخجلت من التفاوت المهين للإنسانية بينهما؟!
لن يصيبنا ما أصاب أبا جهل لحظة تطليع روحه، حين تحسر على حظه التعس، لأنه اشتهى قاتلا غير قاتله، بدل أن يتحسف على موته! ولكننا حتما سنحرم من مشاهدة اللقطة الأخيرة لرحيل طاغية، وصفت ابنته لحظاته الأخيرة بالبشعة، وقد رفع سبابته اليسرى خلال صحوة موته في وجه عزرائيل مهددا، ومتوعدا، ونحن لم نزل نرفع صوره فوق أكتافنا وأعلامنا وصوامعنا وصلباننا، على اعتباره أبو زيد الشيوعي، نُخِرّ سُجّدًا لنجماته العسكرية، وندلدل رؤوسنا من ذيل معطفه، في محاولة منا لاتخاذه أبا مهجّنا لأفكارنا، فكيف تتخلص من عقدة نفي الشتيمة عن السؤال، حين تحتار بين إبليسين: المعلم والتلميذ في هذا المحفل الإعلامي المشبوه!

محاصصة الرحمة في التسالي الفضائية

بيني وبينك، أيها المشاهد – والحكي للخروف – للافتداء حس غوائي، يحرره من منطقه الديني، خصوصا ضمن التصور التاريخي والحكائي، أو ضمن الطابع التراثي والفلسفي للأسطورة… ولكن حتى هذا يخضع للتشويه، والبلبلة، فكل عام، وتحديدا قبيل عيد الأضحى، تتعالى الأصوات لوقف حفلة الذبائح، تعاطفا مع قبيلة الخرفان، يقال إن وراء هذه النشاطات منظمات تعنى بحقوق الحيوان، ومالو؟ من قال إن الرحمة يمكن تجزئتها، أو محاصصتها؟ ولهذا لن تسأل كيف يتم الإشفاق على الحيوان أكثر من الإنسان؟ ولكنك حتما ستندهش لما ترى التناقض في المعايير والأحكام، بين ثقافة وأخرى، فمن يتهمون الإسلام بالوحشية والعنف، لا يجرؤون على اتهام الهندوس في النيبال بالوصوف ذاته، حيث تصل قرابينهم كل خمسة أعوام إلى ما يفوق النصف مليون ذبيحة، في مهرجان الإله «غادهيماي»، الذي يحشد أكثر من مليوني متعبد، في طقس جماعي دموي، ولا تجد من يتجرأ على وصف الديانة الهندوسية، بما يجرح مشاعر أتباعها، مع العلم أنه حتى من يناشدون حكومة النيبال لوقف هذه الطقوس، يكتفون بمطالبتها بالحد من المبالغات، لا أكثر، لأن السعي لإلغائها يعتبر تعديا على الفرائض الدينية، ولن أخبرك طبعا، عن منهجة الوحشية في الفضائيات، من خلال نشر ثقافة الافتراس وعوالم الغاب في برامج «عالم الحيوان»، التي تجد رواجا منقطع النظير، عداك عن الألعاب الالكترونية التي تحرض على العنف، وأفلام الكرتون التي تربي أجيالا بلا أخلاق، تتعطش للدم والرذيلة، وتحث على بناء علاقات محرمة مع الهياكل العظمية والجماجم، ومصاصي الدماء، أو توفر إغراءات حسية وعاطفية للانجذاب الجنسي نحو الموتى «النيكروفيلية» والكائنات الشيطانية، ولن أحدثك أيضا عن الترفيه بالذبح البطيء، أو ما يسمى بسياحة الموت، وغرور الماتادور وتعاليه الباذخ على الثور، في حلبات السيدة العجوز، ولكنني سأحدثك عن التجارة بالأعضاء، فهل حقا تريد أن ترى الوجه الحقيقي للإنسانية المعاصرة؟! أم تفضل الاكتفاء بالتسالي الفضائية، لكي تطمئن إلى الوجود، ولو إلى حين، درءا للرعب، غير مدرك أن الوقاية من جرثومة الغربة الوجودية، أخطر بكثير من الإصابة بها!

مدينة الخطيئة في التقارير الإعلامية!

هل تتخيل أن تجارة الأعضاء هي أحدى الاستثمارات الأهم في عصرنا الحديث، والتي تدر على أصحابها مليارات الدولارات سنويا، فلها زبائنها وسماسرتها وطاقمها الطبي وضحاياها وبضاعتها وسوقها السوداء أيضا لا بل وبورصتها، ليس هذا فقط، بل إن لهذه التجارة الخطيرة، امبراطوريتها، حسب تقرير نشره موقع الخليج أونلاين، حيث أن مدينة الخطيئة «دولة الصهاينة ومقابر الأرقام السرية» اغتالت عام 2002 ثلاثة أطفال فلسطينيين، وعرض أبو عمار – وقتها – صورهم أمام الرأي العالمي قائلا: قتلوا أطفالنا واستخدموا أعضاءهم! وفي عام 2015 استعاد الفلسطينيون بعض جثامين شهدائهم المحتجزة في دولة الاحتلال، حين كتب رئيس الوفد الفلسطيني رسالة لمجلس الأمن الدولي، تحدث فيها عن جريمة سرقة الأعضاء واختطاف جنود الاحتلال قرنيات الشهداء وأعضاء أخرى، وتعمد إضاعة أو فقدان الجثمان بعد جريمة الاستصال غير الشرعي، فهل فعلا تحتاج دولة الجريمة هذه، إلى تهم أو أدلة، لكي يدينها المجتمع الدولي؟ أم أن جرائمها لا تكفي لمحاكمتها!
الغريب أن المشهد المفقود دائما في هذه الحفلات الإعلامية، هو مشهد العربي الحزين على الخروف، فهل تصدق إذن أن من يطالبون بوقف شعائر الأضحيات، هم عرب مثلنا، ومسلمون؟ كيف والخرفان نفسها لا تصدق شفقة العربي على ضحاياه فما بالك بأضحياته؟!
يشير التقرير لما كشفه موقع «والا» العبري، أن اللاجئين السوريين، والأسرى الفلسطينيين، وفقراء إفريقيا، هم الأكثر طلبا في اسرائيل، أما هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» فتؤكد أن اسرائيل هي المشتري الأكثر استهلاكا للأعضاء البشرية، وخاصة في ملودوفا، حيث يعيش معظم سكان البلاد بكلية واحدة، في الوقت ذاته الذي تصنف فيه دولة الجريمة الأقل عالميا بعدد المتبرعين، استنادا إلى عقيدة دينية ترى أن التبرع بالأعضاء من أبناء الطائفة اليهودية، يدنس الجسد، ولو عدت إلى مقالة سابقة عام 2015، تعثر على عقيدة القرابين البشرية، التي يقدمها الصهاينة كل عام لآلهتهم، حيث كتبنا وقتها عن إلقاء القبض على جماعات دينية في بريطانيا خلال قرون سابقة تقوم بعمليات اغتيال منظمة لأطفال وفتيات، خصيصا لإحياء الطقوس والأعياد… ولم يزل يتورط بهذه الجرائم حاخامات – حسب ما كشف مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي – وضباط متقاعدون أو فاعلون في جيش الاحتلال، وفقا للتحقيقات الاستقصائية للقناة الاسرائيلية الثانية، فماذا بعد؟!

عدنان إبراهيم بين العيوب والذنوب

ما أن يفرقع داعية فتوى ما، حتى تجد مدعين كثرا يتبنونها بحذافيرها، وسياقاتها وأمثلتها، دون أي تأمل أو محاججة، وخير مثال على ذلك ما أفتاه الشيخ عدنان إبراهيم، بعدم لزوم الحجاب كفريضة أو ركن من أركان الإسلام، مدللا على فتواه بالنقاط التالية:
أولا: الخمار لباس اجتماعي نابع من متطلبات البيئة التي فرضت ظروفها على الرجال، كما النساء أن يغطوا شعورهم ورؤوسهم للوقاية من الشمس وأتربة الصحراء!
ثانيا: الحشمة موجودة في ثقافة الشعوب القديمة، ولكنها لم تستلزم تغطية الرأس، لأن البيئة الصينية على سبيل المثال – لم تضطر نساءها لما اضطرتهن إليه بيئة العربيات!
ثالثا: الحجاب ليس ركنا كالصلاة والحج ولا هو فرض إنما متروك للزمن والظرف، لأنه أقرب إلى ثقافة العيوب منه إلى كبائر الذنوب.
طيب، لو سلمنا جدلا بما افترضه الشيخ إبراهيم، فكيف نفسر إذن ارتداء المرأة في الصلاة ملابس تختلف عن الرجل، حيث لا يبين منها سوى كفيها ووجهها، هذا إذا ما اعتبرنا أن غطاء الرأس كان ضرورة اجتماعية وبيئية للعربي والعربية على السواء؟! فلماذا لا يفرض على الذكور ارتداء غطاء للرأس في الصلاة، كما هو الحال بالنسبة للإناث؟! ألا يدل هذا على أن الحشمة وحدها لا تكفي؟ وأن ما تؤمر المرأة بارتدائه في أهم فرائض الدين «الحج والصلاة» يعني أنه ركن اختص به الله المرأة دون سواها؟! ثم إن كانت ثقافة الحشمة عامة تساوت بها شعوب الأرض القديمة كافة، فلماذا إذن يختار الله «الخمار» أو غطاء الرأس، الذي اختصت به البدوية، ليأمر نساء الدنيا بضربه على الجيوب «الصدور»!
مذيع «روتانا» خليجية رأى في الكعب العالي فتنة أكثر من الشعر، بينما اعتبر نشطاء حول العالم أن ظهور طفلة محجبة في بوستر دعائي لأحد الماركات العالمية، أمرا مهينا للطفولة، فهل كان العالم سيهرع منتفضا ضد ما يمكن اعتباره اضطهادا دينيا أو اجتماعيا لفتاة ترتدي الساري أو صبي يضع الكيباه؟
هناك ثورات يتم تصنيعها وتأجيجها أو حروب مشوهة يتم إذكاؤها، ليس من أجل حرية الشعوب والأمم، بل لتدمير اللحمة الثقافية لها، وتفسيح الروابط التراثية والدينية بينها، وتقويض منظومتها الفكرية والروحية، ولهذا تجد الخروف مستمتعا بإجازة فضائية في منامات إبراهيم، بينما يأكل البشر بعضهم بعضا في جحيم إعلامي يلتقط الأعضاء البشرية من المزابل وقارعة الطرقات وحقائب اللاجئين المهترئة أو خيامهم العارية على الحدود، فقل لي أين تخبئ خروفك، أقل لك من تكون… ويلاه!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

عن االقدس العربي

اخر الأخبار