"الحل الإنساني" المزعوم في غزة

تابعنا على:   14:54 2018-07-19

عوني صادق

منذ أشهر ازداد الحديث عن «كارثة إنسانية» تواجهها غزة. كل الأطراف صاحبة المصالح المتضاربة والمتناقضة التقت عند هذه المقولة، وهي مقولة تغصّ بالمفارقات! والمفارقة الأولى فيها هي أن هذه الأطراف صاحبة المقولة هي نفسها المسؤولة عن «الكارثة»! ولعل هذا الاتفاق على اقتراب أو حلول «الكارثة الإنسانية» يأتي وصولاً ومبرراً للقول إن الحل المطلوب هو بالضرورة «حل إنساني»! لكن قليلاً من التدقيق يظهر بجلاء أن «الكارثة» ليست في جوهرها «إنسانية»، وإن تمظهرت أو حاولت الأطراف إظهارها كذلك، وإن مقاربة حقيقية وصادقة تظهرها قضية سياسية بامتياز، وحلها سياسي بامتياز!
فمن جهة، تعود أسباب «الكارثة» المنظورة أولاً وقبل أي سبب آخر، إلى الحصار المفروض على غزة منذ (12) عاما، وهو حصار تشارك فيه سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، والسلطة الفلسطينية، وانضمت إليهما الولايات المتحدة بفعالية نشطة بعد وصول دونالد ترامب و«خطته» ل«إحلال السلام في الشرق الأوسط وحل الصراع «الإسرائيلي»- الفلسطيني»! وتشابك المصالح وتضاربها في الوقت نفسه بين الأطراف المسؤولة عن الحصار المفروض، وصراع إراداتها يلغي الحلول سواء كانت «إنسانية» أو «سياسية»!
تلك الخلفية الضرورية لفهم الوضع تطرح سؤالاً على الأطراف جميعا: أولاً، ماذا تريد حركة (حماس) على وجه الحقيقة، وماذا تريد حركة (فتح) على وجه الحقيقة أيضا؟ وهنا لا يبدو أن أحداً يسأل ماذا يريد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وأيضا في الشتات. أكثر من ذلك، هذا الشعب مغيب تماماً ولا يعرف شيئاً مما يجري، ولا أحد يتكرم ويوضح ماذا يجري في الاتصالات والزيارات والمباحثات التي لا تنقطع! ثم، ماذا تريد حكومة الاحتلال «الإسرائيلي»، واستطراداً ماذا تريد إدارة ترامب؟! الاعتداءات الأخيرة التي شنتها الطائرات «الإسرائيلية» على غزة في اليومين الأخيرين من الأسبوع الماضي، حيث سجلت بوصفها الأعنف منذ عدوان 2014 (الجرف الصامد)، أظهرت أن الأطراف المعنية كلها لا تريد «حرباً رابعة»، وبالتالي لم تكن سوى محاولة للضغط من جانب الحكومة «الإسرائيلية» على حركة (حماس) لإخضاعها لشروطها حول ما تفهمه من «الهدوء»، واسترداداً لما اهتز من «سياسة الردع» التي تقول إنها فرضتها بعد عدوان (الجرف الصامد). من ناحيتها، رد فعل (حماس)، كان محاولة لتأكيد «استراتيجية القصف بالقصف» وبدون مساس ب«قواعد الاشتباك» التي تقول بها منذ انتهاء الحرب الثالثة. بمعنى آخر، كانت الجولة العسكرية الأخيرة محاولة لتغيير «قواعد الاشتباك» من ناحية الحكومة «الإسرائيلية»، ولم يكن لها علاقة بتوفير ظروف مواتية أكثر ل«الحل الإنساني» المزعوم! .
هذه النتيجة تعيد الأمور إلى نصابها، وتسقط الادعاءات العالقة بها والتي لا تهدف إلا للتضليل والخداع، وتمرير المطلوب تمريره «إسرائيلياً» بالحيلة، عندما لا تنفع أساليب الضغط والقوة. وهي تؤكد أن أي جهد يبذل لتكريس الانقسام الفلسطيني والبناء عليه يبقى جهداً لا طائل من ورائه. كذلك، فإن الجهود المبذولة للاستفراد بغزة، أو لتسويق «مبادرات» أو «حلول منفردة»، اقتصادية أو «إنسانية»، أو حتى سياسية، وبمعزل عن وحدة الشعب والأرض الفلسطينية، هي جهود عقيمة وفاشلة وستظل تراوح ولن توصل إلى مكان، وبلا فائدة. وإذا كان البعض يراهن على «حرب رابعة» تسقط (حماس) وتعيد غزة إلى رام الله، فإن رهاناً آخر على نجاح المساومة لإبقاء غزة في حكم (حماس) بأي ثمن، كلاهما لا يأخذ في اعتباره ما يريده الشعب الفلسطيني من السلطة السياسية أو المقاومة العسكرية للاحتلال! وإذا كانت سلطة رام الله ترفض «صفقة القرن» كما تقول، كما ترفضها سلطة غزة، فعلى الطرفين أن يعيا أن كل ما يسعى إليه نتنياهو وترامب، وكل ما يفعلانه يصب في تنفيذ «الصفقة» وفقاً للشروط والمطالب «الإسرائيلية» وخطة «السلام الاقتصادي» كما يراها نتنياهو. وحتى لو صدقت نوايا الطرفين الفلسطينيين المتصارعين على السلطة، فإن الحوادث لا تقع بحسب النوايا بل بحسب المواقف العملية والممارسات.
لا يوجد «حل إنساني» لغزة بمعزل عن الحل السياسي للقضية الفلسطينية والاحتلال، والمساومات الجارية باسم المناورة، هي تسويق لحلول خارج الحل السياسي (الذي يجب أن يقوم على إنهاء الاحتلال) ويبقى استرداد الحقوق بالمواجهة والمقاومة، وإلا فهو استجابة للضغوط واستسلام للمؤامرة التصفوية التي تقودها الولايات المتحدة ويشارك فيها بعض الحكام والأنظمة العربية.
عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار