مُواجهات غزّة ثبّتت مُعادلات قديمة - جديدة

تابعنا على:   14:01 2018-07-16

ناجي س. البستاني

من الإنتفاضة الفلسطينيّة الأولى إعتبارًا من العام 1987 مُرورًا بالإنتفاضة الثانية بين العامين 2000 و2005، وبثلاث مُواجهات كبرى بين الجيش الإسرائيلي وحركات المُقاومة الفلسطينيّة المُسلّحة في أعوام 2008 و2012 و2014، وُصولاً إلى مُواجهات الساعات والأيّام القليلة الماضية، سلسلة من القصف المُتبادل الذي لم ينته فُصولاً بعد. وفي الأيّام الماضية كادت الأمور تنزلق إلى جولة جديدة من القتال الدموي هي الأولى من نوعها منذ ما تُطلق عليه إسرائيل إسم "الجرف الصامد" التي وقعت في العام 2014، لولا مُسارعة أكثر من طرف إقليمي ودَولي إلى التدخّل للجم التصعيد. فما هي المُعادلات القديمة–الجديدة التي جرى تثبيتها في آخر مُواجهة؟.
أوّلاً: عادت مصر لتلعب دورًا مُهمًّا وأساسيًا في مُفاوضات وقف النار بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، حيث رحّبت كل من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بالتدخّل المصري الذي ساهم بوقف الهجوم الإسرائيلي الجديد، بينما تعاملت الحُكومة الإسرائيلية مع الوساطة المصريّة بجدّية كبيرة، علمًا أنّ جهاز الإستخبارات العامة المصري هو الذي تولّى التنسيق بين الطرفين، في الوقت الذي كان فيه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ميلادنوف، يُجري إتصالات كثيفة مع الإسرائيليّين والفلسطينيّين لوقف القصف المُتبادل.
ثانيًا: إنّ كل الجُهود الإسرائيليّة لتطوير شبكة دفاعها الأرضي ضُدّ الصواريخ التي تستهدفها لم تنجح في إزالة هذا الخطر، حيث أنّ منظومة "القبة الحديديّة" لم تنجح في إعتراض أكثر من 20 صاروخًا من أصل نحو مئة صاروخ إستهدفها، أي ما نسبته 20 % فقط، ما يعني عدم قُدرة إسرائيل على تجنّب خطر هذه الصواريخ، لكن مع الإشارة إلى أنّ هذا النظام الدفاعي المتطوّر هو أكثر فعاليّة مع الصواريخ الكبيرة الحجم منه مع الصواريخ الصغيرة الحجم.

ثالثًا: التصعيد المُتبادل بين إسرائيل التي نفّذت عشرات الغارات الجويّة على غزّة وحركات المُقاومة الفلسطينيّة التي أطلقت بدورها عشرات الصواريخ على مناطق سيطرة إسرائيل، أثبت مرّة جديدة تفوّق القُوّة النارية الإسرائيليّة، وإرتفاع حجم الأضرار المادية والإصابات البشريّة التي تُوقعها، لكن من دون أن يُسقط ذلك قُدرة الفلسطينيّين على إحداث الأضرار والإصابات، وخُصوصًا على ترك تأثير معنوي سلبي كبير في صُفوف الإسرائيليّين.وبالتالي، وعلى الرغم من تفاوت القُوّة التدميريّة للطرفين، فإنّ مُعادلة إلحاق الضرر المُتبادل لا تزال كفيلة بوقف التصعيد، حتى لوّ أنّ إسرائيل قادرة على التسبّب بأضرار مُضاعفة.

رابعًا: على الرغم من التهديدات الإسرائيليّة المُتكرّرة بشنّ عمليّة عسكريّة بريّة واسعة لوقف ما تصفه بالإعتداءات الفلسطينيّة، من الطائرات الورقيّة والبالونات الحارقة وُصولاً إلى الصواريخ، فإنّ القيادة العسكريّة الإسرائيليّة باتت تعيد حساباتها مرارًا وتكرارًا قبل المُغامرة بأي عمل عسكري ميداني، بسبب فشلها في كل مرّة في تغيير الوقائع الثابتة على الأرض، وتكبّدها خسائر بشريّة يُمكن أن تتجنّبها في ما لوّ إكتفت باستخدام سلاح الجوّ في ردّها العسكري. وبالتالي، على الرغم من المُناورات التي تُحاكي إحتلال غزّة، لا يزال هذا الهدف الإسرائيلي مجرّد خطّة للتهويل من دون أي تنفيذ ميداني.

خامسًا: إنّ الإنقسام الفلسطيني على المُستوى السياسي، وتحديدًا بين السُلطة الفلسطينيّة من جهة وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من جهة أخرى، لا يزال يُلقي بظلاله على الوضع الفلسطيني، وهو يظهر بشكل أكثر بروزًا خلال الجولات القتالية، حيث يغيب التنسيق الميداني الفعلي، وتظهر الإنقسامات في أسلوب التعامل مع المخاطر التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. وهذه المرّة بلغ الأمر حُضور الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس المُباراة النهائية من بطولة كأس العالم في كرة القدم في روسيا، في الوقت الذي كانت فيه غزة تُلملم خسائرها الجسيمة!.
في الخلاصة، لا شك أنّ سياسة القُوّة التي تُمارسها إسرائيل ضُدّ الفلسطينيّين منذ مُنتصف القرن الماضي حتى اليوم، من دون أي رادع عسكري قوي من جانب الفلسطينيّين، ومن دون أي ردّات فعل أو ضُغوط رادعة على الصعيدين الإقليمي والدَولي، ستبقى قائمة في المُستقبل القريب نتيجة غياب التوازن السياسي والعسكري بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين بالدرجة الأولى، وبفعل تحوّل الإهتمام العربي والدَولي من القضيّة الفلسطينيّة إلى العديد من القضايا المصيريّة الأخرى لدول المنطقة. والأخطر أن تعتبر إسرائيل، ومن خلفها الإدارة الأميركيّة، أنّ الظروف الحالية مُناسبة لتمرير ما يُسمّى "صفقة القرن"، وهي عبارة عن إتفاق غير مُتوازن لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي وفق شروط تصبّ في صالح هذه الأخيرة.
عن النشرة اللبنانية

اخر الأخبار