سرايا وصفقة القرن

تابعنا على:   10:45 2018-07-12

عمر حلمي الغول

نبض الحياة 
اتيح لي بالأمس الإطلاع على مقالة للكاتب المصري أسامة سرايا، بعنوان " ما يخيفنا من صفقة القرن"؟ لاحظت ان الكاتب جانب الصواب في أكثر من نقطة في مقالته، التي نشرها في صحيفة الأهرام أول امس. ودون تحميل مواقف الرجل خلفيات سلبية، وحرصا على إعتماد الخلفيات الإيجابية، التي دفعته للكتابة في هذا الموضوع، إرتأيت نقاشه بمسؤولية وبهدوء لعلنا نصل إلى القوسم المشتركة. 
أول الملاحظات غير الإيجابية، والتي تثير التحفظ والإستغراب، قوله " أول أعداء الحق الفلسطيني، هم الفلسطينيون أنفسهم، الذين / بعد سنوات كبيرة تحت الإحتلال / أصبحوا لا يتصورون أنفسهم قادرين على هزيمة عدوهم؟؟!! وانا أسأل السيد اسامة، من قال له ذلك؟ وكيف إستنتج هذا الموقف؟ وما هي معاييره لطرح هكذا رأي؟ وانا اؤكد له ولكل من يتوافق معه، الشعب والقيادة الفلسطينية لو لم يكنوا واثقين من هزيمة العدو الإسرائيلي، لما أعلنوا بالصوت العالي ومرات عدة رفضهم لصفقة القرن الترامبية. ولما إستمروا في مواقع وخنادق الدفاع عن أهداف وثوابت المشروع الوطني، ولكان قبلوا بما يدعو إليه سرايا نفسه. وبالتالي التمسك بالحقوق والمصالح الوطنية العليا دليل قاطع على الإيمان الراسخ بهزيمة الإستعمار الإسرائيلي وشريكته الولايات المتحدة. 
كما أن القيادة والشعب العربي الفلسطيني يعلمان، أن معركة المفاوضات، هي معركة صعبة ولا تقل إحتداما عن المعارك العسكرية، ولهذا القيادة الفلسطينية عندما شعرت ان حكومة نتنياهو تريد المفاوضات من أجل المفاوضات، رفضت الجلوس حول الطاولة، ولكنها لم ترفض المفاوضات الهادفة لبلوغ التسوية السياسية، ونادت القيادة، ومازالت تنادي للمرة الألف بالعودة لطاولة المفاوضات وفق رزنامة وأجندة وزمن محدد. لكن إسرائيل الإستعمارية ترفض ذلك جملة وتفصيلا، وبناءا على ذلك لم يعد مجديا الجلوس منفردا على طاولة المفاوضات، لإنه لا يوجد شريك إسرائيلي. إلآ  إذا شئت ان تبقى القيادة الفلسطينية تضحك على نفسها وعلى جماهير شعبها، وتخضع ذاتها لمشيئة القيادة الإستعمارية الإسرائيلية: التي تريد المفاوضات من اجل المفاوضات!
ويتابع سرايا في فقرة لاحقة القول "الفلسطينيون يعرفون أن كل ارضهم تحت الإحتلال منذ أكثر من نصف قرن، ولن يخسروا شيئا في التفاوض، بل سيحرجون العالم وإسرائيل والمجتمع الدولي، ويضعونهم أمام أنفسهم." وكأن الأخ اسامة يدعو القيادة الفلسطينية للبقاء في غرفة المفاوضات إلى ما لانهاية. وكأن الهدف الفلسطيني، هو الجلوس في غرفة المفاوضات دون وجود شريك إسرائيلي، وليس تحقيق الأهداف الوطنية إستنادا إلى مرجعيات التسوية السياسية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة؟ لماذا ؟ وعلى أي أساس على الفلسطيني البقاء جالسا منتظرا رحمة الإسرائيلي للعودة إلى داخل غرفة المفاوضات، ودون إستعداد لمناقشة أي قضية من قضايا الحل السياسي؟ وهل العالم بلغ مستوى من التقرير في العملية السياسية، حتى تراهن عليه القيادة الفلسطينية؟ هل بات العالم يملك القدرة على تجاوز الإدارة الأميركية وخياراتها؟ ومن قال ان بقاء الفلسطيني داخل غرفة المفاوضات سيكون لصالحه، ويعود عليه بالنفع؟ ما هي المعايير السياسية، التي تتقارب مع ذلك؟ وما هي الحكمة من الإرتهان لمنطق الإستعمار الإسرائيلي؟ 
ويتابع سرايا الإستنتاج الخاطىء، قائلا: ان عدم بقاء الفلسطينيين في غرف المفاوضات، سيجعل العالم يتهمهم برفض "الحل والتسليم بالحقوق، وتأخير ذلك ضار بالفلسطينيين وقضيتهم، ويعطي عدوهم فرصة لتصفية القضية، وتحويل قضية اللاجئين المؤقتين إلى مواطنين دائيمين، أينما كانوا." وسابدأ من النهاية، مضى سبعون عاما، ولم تتقادم قضية اللاجئين، ومازالت حية، ولن يصبح اللاجىء مواطنا دائما، لإنه يحمل حقوقه في رأسه وعلى أكتافه ولن يتخلى عنها. وأعود لأؤكد للأخ اسامة ما قالناه لقادة إسرائيل: نعم سيموت الكبار، ولكن الصغار لن ينسوا ابدا حقوق ابائهم وجدودهم، ولن يتخلوا عن ثابت من الثوابت الوطنية. 
اما تحميل المسؤولية، فأعتقد انك تتابع المشهد جيدا، لا يوجد احد في العالم،ورغم العجز الفاقع لدور الأقطاب الدولية في تحمل مسؤولياتهم تجاه قضية العصر، يحمل الفلسطينيين المسؤولية عن الفشل، وانما يتم تحميل الفشل لإسرائيل ومن يقف معها وخلفها، وخاصة الولايات المتحدة، والشاهد على ذلك قرارات الشرعية الدولية. 
ويضيف الكاتب المصري، الذي دفع بصفقة القرن دفعا بشكل غير منهجي في مقالته، عندما قال فورا:" وهذا أخطر عدو لصفقة القرن، ونحن نريدها قبل المحتل، لإنها في مصلحتنا، وتأخيرها يؤثر على مستقبل القضية، (والنتيجة المطلوبة حسب سرايا، هي) علينا الآن أن نذهب للمفاوضات متسلحين بالحق واثقين من الإنتصار بلا إنقسام ولا مزايدات."  ينطبق على الكاتب العربي المقولة الصينية، التي تحذر الإنسان من حف قدمه على قد الحذاء. لإنه (سرايا) يطالب الشعب والقيادة الفلسطينية حف قدميها واهدافها على مقاس صفقة القرن والمشروع الإستعماري الصهيوني. ولا يعرف المرء لماذا؟ وعلى ماذا يجب على الفلسطينيين إغتنام الفرصة؟ وأي فرصة هذة؟ وما هي حدود تناسبها مع مرجعيات عملية السلام؟ وألم يبدأ بها الرئيس ترامب بالإعتراف بالقدس، وثم نقل السفارة إلى القدس؟ وألم يقلص المساعدات لوكاة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كخطوة على طريق تصفية قضية اللاجئين؟ وأليست هذة ملفات أساسية او الأساسية في صفقة القرن والحل النهائي؟ ومن الذي يزاود؟ وهل الزمن زمن مزاودات أم زمن الدفاع عما تبقى لنا؟ وهل المطلوب من القيادة الفلسطينية ان تستجيب لمنطق اهل النظام العربي حتى يرضوا وترضى سيدتهم اميركا؟ 
هناك الكثير مما يمكن كتابته ردا على ما جاء في مقالة الأخ أسامة سرايا. ولكن ساكتفي بما ورد، لإن مادعى له، يتنافى مع ابسط الحقوق الوطنية الفلسطينية. ولا يستجيب لإبسط الثوابت، ولا يستجيب لخيار السلام الحقيقي والممكن، وفيه دعوة واضحة وصريحة للإستسلام لمشيئة العدو الإسرائيلي الأميركي ومن لف لفهم من العرب والعجم. لذا اتمنى من موقع الحرص على مكانة ودور الأخ أسامة كقامة إعلامية مهمة، إعادة النظر فيما كتب، وأن يراجع نفسه جيدا، وان يكف عن هكذا نصائح لا تخدم بالمحصلة سوى أعداء الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية. 
[email protected]
[email protected]          

اخر الأخبار