دوافع المبادرات الإسرائيلية

تابعنا على:   12:23 2018-07-11

عمر حلمي الغول

نبض الحياة 

قرأت قبل يومين مبادرتين لشخصيتين إسرائيليتين، هما يعقوب يونش وعميرام ليفين، وكل منهما يوحي للمتلقي ب"رغبته" بصناعة السلام، وأنه "مؤمن" بخيار حل الدولتين، و"حريص" على التعايش مع الشعب الفلسطيني، وأن على الفلسطينيين "التعامل" بإيجابية مع مبادرته، و"إستيعاب" هواجس الإسرائيليين الأمنية والتاريخية والدينية! 
لكن عندما تلقي نظر سريعة على السلسلة المتعاقبة من المبادرات والأفكار الإسرائيلية تجد، أن جميع الإسرائيليين بمختلف تلاوينهم ومشاربهم وخلفياتهم ينهلون من وعاء واحد، وعاء أجهزة الأمن الإسرائيلية، ووعاء التاريخ المزور والكاذب، وكلا الوعائين لهما خلفية واحدة، هي رفض الآتي: أولا رفض الآخر الفلسطيني، حتى وهو "يعرض" مبادرة عن السلام، ويشير إلى ضرورة منح الفلسطينيين بعض حقوقهم، لإن ما يقدمه لا "يسمن ولا يغني من جوع!"، ولا يمت بصلة لإبسط حدود الحقوق الفلسطينية، وبالتالي هدف المبادرات الأساس تصفية وتبديد الآخر الفلسطيني بقفازات حريرية ناعمة بإسم "السلام"؛ ثانيا محاولة ترويض العقل السياسي الفلسطيني، وإجراء عملية غسل دماغ منهجية وتدريجية عبر تعويده خطوة وراء خطوة على قبول وهضم الرؤية الإستعمارية الإسرائيلية، والإستعداد للتعامل مع مفرداتها العدائية دون نفور أو رفض؛ ثالثا إيهام الرأي العام العالمي وخاصة المتابعون، بأن هناك إتجاها إسرائيليا "مستعدا" للحوار والسلام مع الفلسطينيين، و"الإيحاء" بأن الشارع الإسرائيلي فيه الغث والسمين، وليس لونا واحدا؛ رابعا خلط الأوراق، وإلقاء ظلال وغيوم كثيفة على وحول معالم التسوية السياسيةعبر الزج بكم هائل من المفردات والمفاهيم والخرائط والمحددات الإسرائيلية، حيث يجد اي متتبع حول أي ملف من الملفات الأساسية عددا لا بأس به من المقاربات المتقاربة والمتضاربة بهدف نسف ركائز مرجعيات عملية السلام، وإسدال الستار على القرارات والقوانين الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإبعادها عن طاولة الحوار، أو بحد أدنى تشويهها. 
كل مسؤول أو مختص بالعملية السياسية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي تقع بين يديه أي مبادرة من شاكلة مبادرات يونش وليفين يصطدم مباشرة بالآتي: لا عودة للقدس الشرقية للدولة الفلسطينية إلآ بالمعايير الرمزية، بتعبير آخر، إن تم الإقرار بوجود عاصمة للفلسطينيين في القدس، تجد أنها مقسمة إلى مستويين: تحت الأرض وفوق الأرض، او تكون عاصمة في القدس، اي وضعها في ابو ديس والمناطق المحيطة بها، أو يمكن طرح اشكال وهمية جديدة؛ الاغوار لا إنسحاب منها نهائيا، وإعتبارها مصلحة أمنية إسرائيلية، ولذر الرماد في العيون، يمكن ان يقبل بعضهم بإشراك الفلسطينيين في التواجد في المنطقة وتحت الإشراف الإسرائيلي والدولي؛ لا عودة للاجئين الفلسطينيين تحت اي مسمى؛ الأمن باليد الإسرائيلية فوق وتحت الأرض وفي الجو والبحر؛ المستعمرات وتغيير الحدود أمر ثابت وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بذلك.... إلخ
النتيجة المنطقية والعلمية، التي يخلص لها أي قائد أو متابع، هي: أولا لا وجود لشريك إسرائيلي من أي حزب أو مجموعة صهيونية حتى الآن، جميعهم غارقون في متاهة التنكر للآخر الفلسطيني؛ ثانيا رفض واضح وصريح لركائز عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية بما في ذلك مبادرة السلام العربية؛ ثالثا السعي الدؤوب للتعتيم على محددات ومرجعيات التسوية السياسية، والإبتعاد عنها الآلاف الأميال؛ رابعا مواصلة خيار الإستيطان الإستعماري لتحقيق الأهداف والنبوءات التوارتية المزيفة؛ خامسا السعي الحثيث والتدريجي لبلوغ خيار الترانسفير للفلسطينيين من أرض وطنهم الأم فلسطين؛ سادسا شعورهم بالحرية المطلقة في التقرير على اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة دون رقيب أو حسيب، ليس هذا فحسب، بل بمشاركة قوى دولية مقررة في السياسة الأممية، كما الولايات المتحدة، مما سمح لها بإستباحة الأرض والإنسان الفلسطيني والسلام؛ سابعا غياب اي ضغط دولي من أي مستوى على حكومات إسرائيل المتعاقبة، مما أطلق يدها في تنفيذ مخططها ومشروعها الإستعماري.             

اخر الأخبار