كنفانيات

إلى الغائب الحاضر.. غسان

تابعنا على:   23:12 2018-07-07

هديل أبو مريم

هذا العالم لم يعد لنا و منذ زمن , حينما تقاسمونا و أشادوا بدور الإله في ذلك , و نعونا على صفحاتهم المسمومة و نسبوا عدم أحقيتنا بالحياة إلى الغيب. لقد متنا سريريا و لعدد متناه من المرات و تحديدا في السرير الثاني عشر و ما سبقه وما لحقه من أرقام السرر . لم يحاول إنقاذنا أحد , تباكوا علينا وصلوا على أرواحنا صلاة الغائب. زعموا أن أرض البرتقال الحزين , ستجعله سعيدا يوما ما , لوفرة الدماء التي رويت بها.

إلى الرجل الحقيقي و الغائب في حياتي ومنها , الرجال يا رجلي الأول , صاروا خلف الشمس , و أُسكِنوا الكواكب المعتمة , ذلك أن أشباههم صادروا حقوقهم في الحياة و حولوا سماء الله الزرقاء إلى أي لون يتماشى مع من يدفع أكثر.

عزيزي غسان , أم سعد أصبحت أما للتعاسة والكآبة و الحزن , والفقر والجهل , والغربة والفرقة والانقسام . أصبحت أما للدموع و اللامنطق و إلى حدّ ما , أما للاممكن ! أم سعد لم تعد إلى المخيم لأن كل ما فيه أنكرها قبل أن تنكره !

من ترك حيفا قسرا و كرها , أو بمحض إرادته , كيف سيعود إليها وقد فقد ذاته و أضاع بوصلته , أما الشيء الآخر يا عزيزي , فقد أصبح شيئا آخر عمّ ذكرت , شيئا يختلف تماما عن بوليسيتك في البحث عن القاتل ! المثير للسخرية هنا هو , أن القاتل أو المجرم فقد هيبته , لفرط انتشار الجريمة و المجرمين بيننا , كما فقدت الضحية , روح الشفقة منا عليها و قيدت أغلب الجرائم ضد مجهول و بُرّرَت !

آهٍ يا غساني المثقف الوسيم الذي أعشق , أنا متيمةٌ بحبّ حبك لفلسطين , عاشقة لإصرارك اللامتناهي لعشقها , اسمح لي بتبادل الأدوار هنا فلست هنا العاشق , بل أنا .... ولأن النهايات لا تُكتب فدعها تُروى كما يُراد لها..

علمتني يا سيدي , ألا داعي لباقي الحواس إذا كانت القلوب معا, فمأساة الأعمى والأطرش لم تكن شيئا يذكر لأن قلبيهما اجتمعا و تعانقا . فما بالك بأناس يبصرون ويسمعون و قلوبهم شتى , وعاداتهم القبيحة سيطرت عليهم فأصبحوا يُنظّرون بها على بعضهم البعض ويعايرون بها بعضهم البعض, والنتيجة الحتمية لذلك , بأنه لا خلاص!

و يا لنيسان وبرقوقه , أزهاره التي كانت تطرز الأرض كل ربيع أُحرقت. طُرّزت الأرض بجثث شهداء تستخدم دماؤهم مدادا للكلمات على الجدران , إشادة بإنجازات الجرذان !

ذلك النبي سرق قميصه , وأُلبِس عوضا عنه , قبعة , و نظرا لإيمانهم بالخرافات والخزعبلات , اعتقدوها طاقية إخفاء , تخفي الحقائق , والوثائق و التشريعات والشرائع , التي تعريهم !

أصبح القنديل الصغير حلما لأهل غزة . حلما بعيد المنال, يشبه حلم امرأة عاقر في السبعين, تزوجت وتبغي طفلا يحبو تحت قدميها و ترضعه ثدييها المترهلين شيخوخة ! تريده أن يصبح فتيّاً فيسترد صباها المسروق, عنوةً, من أزواجها الكثُر, ظنا منها أنها بذلك ستمد جسرا إلى الأبد و نحو الأبد . ذلك الحلم تبعثر و تبدد, لأن الخيانة كانت تولد بفكرة و كانت سيدة الموقف !

جدي كان دائم الاحتفاظ بأوراق تثبت أحقيتنا و ملكيتنا لبيتنا و أرضنا في القرية التي هجر وأهلها منها في النكبة, كان دائم التمتمة والهمهمة بكلمات في أواخر أيامه , بأن هذا ما تبقى لكم ! بعد وفاته لم يتبقّ لنا سوى أسماء كثيرة بلا معانٍ. و تبقى لنا مفتاح صدئ لباب لا نعرف لأي بيت هو ! و لا نعرف أي البيوت هو , فبتنا نجهل قيمة الأبواب.

لو كان عصر الإغريق , وكان بيدي أن أختار إلها للمعاني والمسميات والصفات , لاخترتك يا مثقفي المناضل إلها للثقافة و أهلها !

اخر الأخبار