المتسبب

تابعنا على:   13:48 2018-06-19

د.أحمد جميل عزم

لو أُخِذَت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، الأخير (30 نيسان/ إبريل- 3 أيار/ مايو 2018)، بجدية، سواء بالصيغة التي أقرها أعضاء المجلس، أو التي صدرت في البيان الذي وزع للإعلام، لما وصل المشهد لمظاهرات رام الله ونابلس عشية عيد الفطر الأخير، والحديث هنا عن أخذ القرارات بجدية، وليس بالضرورة تنفيذها.
أقر المجلس الوطني الفلسطيني، بتأييد الغالبية الساحقة من أعضائه، وعدم رفض اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيسها، "إلغاء الإجراءات التي اتخذت في غزة". وتغير النص الذي وزع وبات جزءا من وثائق المجلس، إلى "وقد أعلن الرئيس محمود عباس بعد انتخابه رئيساً لدولة فلسطين، أن الرواتب للموظفين والمستحقات في قطاع غزة سوف يعاد صرفها، مؤكداً أن تأخر صرفها قد حدث لأسباب فنية". وخرجت بدءا من 10 حزيران (يونيو)، مظاهرات للمطالبة بما سُمي "رفع العقوبات"؛ أي بعد 37 يوما من تلك القرارات، وبعد أشهر طويلة، من "الأسباب الفنية"، أو من "الخلل الفني" الذي سبب التأخر الذي أشير إليه في بيان المجلس الوطني وبيانات حكومية، وهو ما صار يوصف من قطاعات شعبية باسم "العقوبات".
إنّ أي سلطة تنفيذية (الرئيس الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحكومة السلطة الفلسطينية)، لا تتمكن من الالتزام بقرارات السلطة التشريعية (المجلس الوطني)، بهذا الشكل، مُطالبةٌ بأمرين؛ أولا، توضيح أسباب عدم الالتزام، وثانيا، توضيح السند القانوني لعدم الالتزام (إن وجد)، وحتى بعد أن توضح ذلك، فهي عرضة للمساءلة، والمحاسبة، ولا يوجد مسوغ سياسي، أو قانوني، أو وطني، يمنع أي فئة شعبية من المطالبة برحيل، أو إقالة، أو استقالة، أي من مكونات السلطة التنفيذية، تماماً كما يحق لأي فئة أخرى تبني وجهة نظر مخالفة. تماماً، وأي سلطة تنفيذية لا تتمكن من تجاوز "خطأ" أو "سبب" فني طوال كل هذه الشهور، يجب أن تحاسب وتُساءل. وهذه أمور ضمن أبجديات العمل السياسي والدستوري.
كانت الغالبية العظمى من المشاركين في مظاهرات رام الله، يوم 10 حزيران، من المستقلين أو من أنصار وأعضاء فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا بالتأكيد يُسعد فصيلا مثل حركة "حماس" أن يجد من يعارض السياسات الرسمية لخصومهم السياسيين، بدون مشاركتها هي، حتى لو لم يكن هذا من ضمن نوايا أو مخطط المتظاهرين، ولكن هذا يعني أيضاً أن فرص "السلطة" وقنوات فتح حوارات، معهم، والتوصل معهم إلى خطاب مشترك ورؤية وطنية جامعة كبيرة جداً. ولكن بدل فتح حوار، ومأسسته، وبدل تقديم خطاب يجيب عن طروحات المسيرة، تم اتخاذ قرار، يمنع المسيرات في أيام العيد، صدر باسم "مستشار الرئيس لشؤون المحافظات". وقد كُسر القرار من جهتين؛ أولاها "المحافظات" ذاتها، ممثلة بنابلس التي خرج محافظها أكرم الرجوب، على رأس مسيرة تأييد لحركة "فتح"، تتوعد من "يكفرنا" و"يخوننا"، و"الساقط" و"الساقطة" الذين اتهمهم بالعلاقة مع القيادي السابق، في حركة "فتح" محمد دحلان. والجهة الثانية، مظاهرة رام الله، يوم الأربعاء 13 حزيران، والفتوى القانونية التي تعتمدها هي أنّ المسيرات والتظاهر لا يحتاجان لإذن. وعملياً كانت مظاهرة كالتي جرت في نابلس، جزءا من رد على المظاهرة الأخرى، في رام الله، وجاء باقي الرد على شكل المشاهد التي جرت من ضرب وعنف مادي ولفظي ضد المتظاهرين.
من المفهوم والمنطقي بروز رأي يرفض شعار "رفع العقوبات" الذي رفعته مظاهرات رام الله، وأن يطالبوا بشعار آخر يتعلق بإنهاء الانقسام، أو رفع الحصار، أو حتى "إنهاء الانقلاب" الحمساوي، ولكن أصحاب هذا الرأي عليهم توضيح لماذا هي ليست عقوبات، والأهم أن يوضحوا لماذا لم تنفذ التعهدات الرئاسية وقرارات المجلس الوطني؟. أو أن يقدموا تصوراً متكاملا لماذا هذه الإجراءات مقبولة ومطلوبة، ومفيدة وطنياً. أما ما حصل، فهو كمن يطلق الرصاص على قدميه هو، فغالبية من استُهدفوا، ماديا ومعنويا، هم الشركاء التقليديون في المشروع الوطني، تحت مظلة منظمة التحرير، وتحت مظلة التعددية والوحدة.
هناك نذر لتحول شعار "رفع العقوبات" إلى شعار المرحلة، بدلا من "رفع الحصار"، وهذا خطر على العمل الفلسطيني، وتجاوز ذلك يقتضي حواراً وطنياً عاجلاً، وعلاجاً حكيما لهذه الأزمة.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار