"غزة أولا".. بنكهة جديدة!

تابعنا على:   11:36 2018-05-19

كتب حسن عصفور/ فجأة أصبح قطاع غزة، متصدرا لكل عناوين الخبر السياسي الإقليمي والدولي، غزة هي الحدث، وهي المحرك لـ"الضمير" الإنساني، الأمم المتحدة تحركت كما لم تتحرك منذ سنوات طوال، القمة الإسلامية الطارئة في تركيا، الجامعة العربية، أحضرت مجلسها الوزراي فورا..حتى الوفد "الصهيوني الأمريكي" زار عدد من الدولة العربية لبحث "الواقع الإنساني" في غزة..حراك سياسي أصدر كميات من الإدانة تكتفي ليس لمحاكمة المجرمين فقط بل لإطاحة كيانهم..

نعم، غزة أعادت وميض الحركة الكفاحية الفلسطينية، دون البحث في نوايا لما وكيف والى أين، ادوات التكشيك المعتادة، رغم أن ما بها ما يجب أن يبقى حاضرا، وتمكنت غزة من خطف الضوء مما حولها، بما هو شكل ثوري جديد ضد المحتل، رغم انها خارج الاحتلال المباشر، لكنها تحته بأسوء مما كان، حصارا وخنقا ومطاردة قل نظيرها..

"مسيرات الغضب الغزي"، هذا إسمها الحقيقي ولا إسم لها غيره، فهي ليست مسيرات غضب فلسطيني، فلا يوجد اي تلاحم حقيقي بينها وأي من أجزاء الوطن التاريخي لفلسطين، لا ضفة ولا قدس ولا 48، وما يحدث تظاهر من مئات بين حين وآخر، ليس سوى تظاهر تضامني، كما في أي بلد غير فلسطين..

"مسيرات" أعادت رسم مسار حركة غضب سياسي عالمي، تشعرك بما كان يوما في زمن الثورة، وقبل مرحلة الخنوع السياسي التي بدأت مع إغتيال الخالد وتنصيب من كان أداة هدم وطني..

وعل مجلس حقوق الإنسان في جنيف، المؤسسة الوحيدة التي ربطت الإدانة بالعمل، رغم كل بلطجة أمريكا ودولة الكيان، وتصويت تحت التهديد، كان القرار بتشكيل لجنة تحقيق وتقصي، بأمل أن تعيد ما كان يوما "تقرير غولدستون" لمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذي تنازل عنه رئيس حركة فتح والمقاطعة محمود رضا عباس، في صفقة هي الأكثر رداءة وطنية في السنوات الأخيرة، تنازل من لا يملك حقا لآلاف الشهداء والجرحى سقطوا في حرب عدوانية غازية نفذتها حكومة الاحتلال 2008، ولا زال شبح الإسقاط حاضرا، لذا لا تتأثر حكومات تل أبيب كثيرا بلغة عباس بين حين وآخر المعارضة لهم..

ومع قيمة القرار الأممي، والمصاحب لما أعلنه أمين عام الأمم المتحدة بأنه جاهز لتشكيل لجنة تحقيق في "جرائم غزة" لو قررت الجمعية العامة ذلك، وهو ما سيكون لو ذهبت المجموعة العربية بطلبه ما بعد يوم الإثنين، حيث سيناقش مجلس الأمن مشروع قرار بذلك قدمته الشقيقة الكويت، سيكون مصيره فيتو الحقد الأمريكي، ما  يفتح الطريق فورا للتصويت على "نداء غوتيريش"..

المجزرة - الجريمة في قطاع غزة، ليست من سقط شهيدا وجريحا فحسب، لكنه الحصار أيضا، الشامل على ما يفوق الـ2 مليون فلسطيني في بقعة هي الأكثر كثافة سكانية في العالم..حصار بلا أي مبرر سياسي، والأكثر عارا أن تكون ما تسمى سلطة فلسطينية، شريك رسمي في ذلك، بل أشد ضراوة من موقف العدو القومي، عندما اقدم عباس على إرتكاب جريمة إنسانية بقطع رواتب عشرات آلاف من الموظفين ليصبح أداة الفعل السام مقدمة لخطوات سياسية لاحقة..

نعم، الحصار ليس لحماس ولا سلطتها الواقعية في القطاع، بل هو حصار سياسي صريح ومكشوف الأهداف، وتعاظم بشكل "غير مسبوق"، كما قالها عباس في البحرين عام 2017، بالتزامن مع بداية التحرك الأمريكي لفرض "تسوية إقليمية جديدة"، كان من الصعب جدا أن يتم قبولها في ظرف طبيعي، خطة تعيد تقاسم الواقع الكياني الفلسطيني، لتمنح قطاع غزة "كينوته" الخاصة، شبه المستقلة الخالص من الحصار..

خطة تنشأ "مربعات" سياسية فلسطينية في الضفة المحتلة، لتصبح وكأنها مستوطنات ضمن كيان عبري..فيما القدس يعاد فرض تقاسمها او تقسيمها، بما يعيد غالبية الأحياء الفلسطينية الى المربعات الجديدة، ولتسمى عاصة أو ما يرغبون، فيما البلدة القديمة أو منطقة الحرم الشريف يتم رسم مستقبلها لتقاسم ديني وسياسي، مهدت له تصريحات الرجل الثالث في تنظيم عباس، عندما أعلن عبر قناة عبرية، وبلغة عبرية أن البراق هو حائط المبكى ولليهود حق به، ثم تطور الأمر الى تصريحات عباس المتلاحقة، بأن القدس للأديان الثلاثة..تصريحات مهدت سياسيا لـ"خطة ترامب" ونقل السفارة الأمريكية رغم كل "هرقطة" صدرت من رأس المقاطعة وتنظميه..

"النخوة الإنسانية" لنصرة قطاع غزة، هي في جوهرها بداية عالمية لتطبيق خطة ترامب الإقليمية، وكل دعوات الرفض التي تصدر من هنا أو هناك ليس سوى لغة إنشائية بلا أثر، فحماس قبل أي فصيل تدرك ذلك جيدا، ومهدت من قبل بعض كتابها ومريديها لذلك تحت عنوان "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، وناقشت أوساطها خطط كيفية إدارة القطاع..

بالتأكيد، من الصعب أن تقنع مواطنا يعيش أسوأ درجات القهر الإنساني - الحصار الشامل والتجويع الرسمي من قبل من يدعي ليلا ونهارا أنه "الرئيس الشرعي" للشعب، ليكون الجلاد الأول لقهر الشعب برفض أي خطة تزيح عنه ذلك القهر..لذا ساهمت مسيرات العودة، رغم ما بها من روح تحدي وكفاح، في تحريك خطة "غزة أولا"، التي سبق لدولة الكيان أن عرضتها في ثمانينات القرن الماضي..

البعد السياسي للمشروع واضحة جدا، فصل الضفة والقدس عن القطاع..ولذا عندما حاول الوفد الإسرائيلي في أوسلو نقاش الفكرة كبداية، جاء الرفض الفلسطيني فورا، وطرح الشهيد الخالد يومها "غزة وأريحا" اولا..مشروع بمشروع مضاد لتجسيد الوحدة الجغرافية بين جناحي "بقايا الوطن"..وهو ما كا نصا صريحا في اتفاق أوسلو "الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة والولاية فلسطينية عليها"..

الحراك الإنساني وفي ظل الإنقسام الوطني هو مقدمة تنفيذية لتطبيق "غزة أولا"..وجهنم مبلطة بأصحاب النوايا الطيبة..

ولنا وقفة أخرى لو كان للعمر بقية!

ملاحظة: من إستمع لوزير عباس الأول الفتى رامي عن حصار غزة ومطالبته بمحاسبة إسرائيل عن أبشع جريمة يعتقد ان المتحدث هو "رامي للتصدير"..يا راجل بس بلاش إنت تحديدا وخلي الطابق مسكر!

تنويه خاص: فجأة تذكرت الدعاية الإسرائيلية تصريح البردويل عن أن خمسين من شهداء يوم 14 مايو من حماس لتنال من طابع المسيرة..التصريح لم يكن ذكيا ولا وحدويا لكنه ليس جريمة..التماشي مع الداعية العدوانية من البعض ضار وطنيا!

اخر الأخبار