صفقة ترامب.. املاءات في غياب موقف عربي ودولي

تابعنا على:   15:03 2018-03-15

محمد جبر الريفي

 ظل الموقف الامريكي منحازا دائما الى جانب الكيان الصهيوني حيث لا نكاد نرى في كل جولات المفاوضات التي جرت في اطار ما يسمى بعملية السلام ما يوحي باعتراف واشنطن الواضح والصريح بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة كاملة كما هو حال الدول في الشرق الأوسط ومنها دولة الكيان الصهيوني ..والحق يقال ان كل الأطراف الدولية المؤثرة في العالم قد زحزحت مواقفها ولو بشكل تدريجي بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة كاملة باستثناء الطرف الأمريكي الذي ينفرد باحتكار مساعي التسوية ولذلك كله تمخضت هذه المساعي الأمريكية بوصول دونالد ترامب الأصولي المسيحي عن الحزب الجمهوري إلى سدة الحكم في البيت الأبيض بواشنطن بصياغة ما أصبح يطلق عليها بصفقة القرن لتسوية الصراع العربي الصهيوني والتي تحمل في بنودها بشكل كامل الرؤية الإسرائيلية...
الفارق بين الخارطة الفلسطينية للحل النهائي التي تشمل جميع المناطق الفلسطينية المحتلة عام 67 ( مشروع حل الدولتين ) وبين صفقة القرن التي سيطرحها الرئيس الأمريكي ترامب قريبا هو ليس فارقا كميا يتعلق بالمساحات فقط وإنما هو فارق نوعي بحكم نوعية الأراضي التي يريد الكيان الصهيوني الاحتفاظ بها وهي التي تقدر ب 10_15% من مساحة الضفة الغربية وتحويل قضية الاجئين التي هي المظهر الإنساني والوطني البارز في القضية الفلسطينية إلى قضية أموال وتعويضات وابقائهم كما هم في دول اللجوء والشتات أو التعاطي مع فكرة إعطاء اراض للفلسطينيين من سيناء تضم إلى قطاع غزة والاستمرار في فرض السيطرة والسيادة على القدس باعتبارها العاصمة الأبدية للدولة اليهودية والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى وعزل الدولة الفلسطينية التي ستكون منزوعة السلاح وبسيادة أمنية محدودة عن محيطها العربي بإبقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الغور على طول الحدود مع الأردن ....هذا هو السلام الأمريكي الإسرائيلي للحل المقبل وهذه هي طبيعة الوساطة الأمريكية التي راهنت عليها العقلية السياسية العربية منذ توقف حرب أكتوبر عام 73 وبدء المفاوضات المباشرة بين مصر وإسرائيل في الخيمة كم 101والتي تواصلت هذه المفاوضات على مراحل بالرعاية الأمريكية في عهد الرئيس نيكسون حتى انتهت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد التي افسحت المجال بدورها في ظل المراهنة العقلية تلك على استمرار فاعلية الوساطة الأمريكية (99% من الحل بيد امريكا ) حتى تم التوصل إلى اتفاقيتي اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم وادي عربة مع الأردن ولكن دون أن تنهي هذه الاتفاقيات الثلاث الصراع العربي الصهيوني بسبب أولا : التعنت الإسرائيلي الذي يقوم على أساس العقيدة الدينية اليهودية وثانيا : بسبب عدم استخدام الإدارات الأمريكية المتعاقبة أي ضغوطات مؤثرة تلزم الجانب الإسرائيلي على دفع مستحقات عملية السلام . . كان من المفترض عربيا وفلسطينيا أن لا تستمر المراهنة على الوساطة الأمريكية بعد اتضاح طبيعة الموقف الأمريكي المنحاز الذي انتزع من الأطراف العربية الثلاثة (مصر، منظمة التحرير ،الأردن ) من خلال هذه الوساطة مكسباً سياسيا استراتيجيا هاما للمشروع الصهيوني التوراتي لم يكن يحلم به الكيان الصهيوني منذ إقامته عام 48 وهو مبدأ الاعتراف السياسي بشرعية وجود الدولة العبرية التي قامت على أساس الاغتصاب فلم تكن أبدا الرعاية الأمريكية لعملية التسوية في أي مرحلة من مراحل الصراع تتجه لصالح الحل العادل للقضية الفلسطينية لأن الدبلوماسية الأمريكية تقوم على أساس التحالف الاستراتيجي بين الدولتين ثم ايضا على ممارسة الضغوط والإغراءات على الطرف العربي لتحقيق ما تراه مناسبا لمستقبل أمن الكيان الصهيوني ولهذا جاءت صفقة القرن هذه في كل بنودها تحمل الرؤية الإسرائيلية بشكل كامل وبتفهم ايضا لبعض بنودها من بعض الأطراف العربية خاصة دول الخليج العربي المنشغلة بهواجس الدور الإيراني وتمدده في المنطقة وهذا التفهم العربي الذي تم التعبير عنه بموقف رسمي متخاذل هزيل في مواجهة قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني يأتي في الحقيقة اما بسبب هذه الضغوطات التي مورست أو ببعض إلاغراءات التي قدمت بدليل أن الإعلان عن الصفقة سوف لن يكون في تل أبيب أو في القدس بل في احدى العواصم العربية كما اشيع في بعض وسائل الإعلام مما يؤشر على قبول عربي رسمي بشكل عام على اسدال الستار عن القضية الفلسطينية التي لم تعد في حالة الفوضى السياسية والأمنية التي تجتاح المنطقة العربية قضية أولى مركزية كما كانت من قبل ...لقد باتت الحاجة بعد قرار الإدارة الأمريكية بتصفية القضية الفلسطينية التي أصبحت الشغل الشاغل لترامب الذي يعمل بشكل دؤوب مع مستشاريه المعروفين بانحيازهم الشديد للرؤية اليهودية السياسية ..باتت الحاجة ضرورية لصياغة موقف دولي مساند لمشروع حل الدولتين الذي يحظى بإجماع دولي لقطع الطريق على تسويق صفقة القرن التصفوية قبل أن يتم فرضها على الطرف الفلسطيني والعربي بشكل املاءات لتصبح أمرا واقعا يستلزم القبول به مسايرة لنهج الواقعية السياسية التي يضم في إطاره نخب سياسية وثقافية عربية كثيرة في المنطقة وايضا لأنه لا أحد من الأطراف العربية اوالدولية على استعداد لمعارضة الولايات المتحدة الأمريكية .. غير أن الموقف الدولي المطلوب محتاج هو الآخر إلى موقف عربي فاعل وهو ما لم يبرز حتى الآن الأمر الذي جعل الاتحاد الأوربي وهو القطب الذي تفضله القيادة الفلسطينية ليقود مساعي التسوية مع أطراف دولية أخري كروسيا والصين بدلا من الولايات المتحدة وذلك باعتباره أكثر الاقطاب الدولية الذي لديه الرغبة السياسية لممارسة دور هام في مساعي التسوية وبما يخدم المصالح الأوروبية بالاساس لكن هذا الاتحاد الأوروبي الذي يقابل دوره عادة بعدم الرضى من الجانب الأمريكي بسبب التعارض في المصالح بين الاقطاب الراسمالية يعزف حتى الآن عن إعلان قراره بتحمل المسؤولية بدون واشنطن بل ويتخذ موقف الإصرار على أن تكون الولايات المتحدة طرفا أساسيا فاعلا في أي مساعي للتسوية ..؛؛ ومن الطبيعي أن يثير غياب الموقف العربي الرسمي الفاعل وعدم فاعلية الموقف الدولي اعمق المخاوف والقلق لدى القيادة الفلسطينية على ما سوف يطرح من ترتيبات إقليمية لتصفية القضية الفلسطينية خاصة ما يدبر لقطاع غزة من حلول سياسية منفردة عن الضفة الغربية تحت غطاء إنساني بسبب ما يعانيه القطاع من أوضاع مأساوية وقد كان مؤتمر واشنطن الذي عقد في البيت الأبيض مؤخرا و الذي حضرته دول عربية إضافة إلى دولة الكيان الصهيوني يصب في هذا الاتجاه الأمر الذي يستدعي تحقيق أعلى توافق وطني فلسطيني لمواجهة إخطار ما هو قادم من مشاريع و مخططات .. .

اخر الأخبار