أبـوالغيـط ضـد التمدد الإقليمى لمصر

تابعنا على:   11:47 2018-03-15

محمد أبو الفضل

ليس هناك خطأ فى العنوان، فهو يلخص رأى السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، عقب حوار خاص دار بيننا ردا على مقال الأسبوع الماضى «حان وقت التمدد الإقليمى لمصر».

لم أكن أتوقع أن يحظى المقال بصدى لدى كثير من المهتمين والأصدقاء، ومع أن غالبيتهم اتفقوا معى فى الأمنية، لكن السيد أبوالغيط كان له رأى مختلف، أقدره وأحترمه، وبناه على رؤية وثقها فى كتابه الثرى «شهادتي»، تحذر من الاندفاع المصرى الخارجي.

عندما هاتفنى صباح الخميس الماضى وتحدث معى بشأن المقال، انتابنى شعور عكس القناعة التى أؤمن بها منذ فترة، وهى على أن أكتب ما أراه مناسبا للقارىء ولا أهتم بحصد النتائج أو الانشغال بسر الصمت وعدم الاكتراث الذى ينتاب كثيرا من المسئولين. وهو شعور جاءنى من وحى نصيحة قرأتها منذ فترة للكاتب الأمريكى من أصل هندى فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك السابق، وجهها للعاملين فى الإعلام والفن والثقافة، قال فيها «عليكم أن تجتهدوا ولا تنظروا خلفكم وقد يأتى وقت لاكتشافكم».

السيد أحمد أبوالغيط، أراد من حيث لم يقصد، أن يدحض هذه القناعة، ولم يكتف بالمناقشة الهاتفية ومتابعته مقالاتي، بل دعانى لجلسة شخصية فى مكتبه صباح الثلاثاء لاستكمال الحديث حول مضمون المقال. سعدت بالدعوة الكريمة ولبيتها لمعرفة وجهة نظره وفلسفته باستفاضة، لأنه شغل منصب وزير خارجية مصر لنحو سبع سنوات، من 2004- 2011، وهى فترة شهدت انكفاء مصريا كبيرا. بالطبع لا يتحمله أبوالغيط، لكنها كانت سمة مرحلة اتعظ فيها الرئيس حسنى مبارك من حكمة «رأس الذئب الطائر».

كنت أتوقع أن يكون معالى الأمين العام أكثر حرصا على التمدد الإقليمى لمصر، لكن يبدو أن خبرته العملية وثقافته العلمية وفرتا له قناعة بعدم التفكير فى هذا الدور حاليا، ومع ذلك قلت لن أستعجل الأمر، فاللقاء معه مباشرة قد يكشف أبعاد المسألة, عقب دعوته، دار فى ذهنى حوار داخلى حول الاستفادة من الجلوس مع أمين عام الجامعة العربية للحصول على حوار صحفي، فى وقت هناك الكثير من الأسئلة الملحة والمثيرة التى يمكن طرحها عليه وتستحق الإجابة ممن فى مثل موقعه.

فى الطريق إلى مقر الجامعة العربية بميدان التحرير، منيت نفسى بالحديث وبدأت أعيد ترتيب الأسئلة عن القمة العربية المقبلة فى الرياض، والتعامل مع قطر، وحدود التعاون العربى فى مكافحة الإرهاب، وصفقة القرن، والأزمة السورية، والموقف من النفوذ الإيراني، والتمدد التركي، ومصير طلب جنوب السودان فى الانضمام للجامعة العربية، وتحت كل نقطة من هذه القضايا يمكن وضع أسئلة عديدة وتفاصيل كثيرة.

استقبلنى الرجل بمفردى وترحاب وكرم كعادته، وهو انطباع يشعر به كل من يلتقيه، وكنت سعدت بلقاء طويل معه منذ نحو 12 عاما فى مكتبه بوزارة الخارجية، وعندما عرضت عليه فكرة الحوار الموسع، بدا متحفظا وفضل أن يكون اللقاء وديا ومقتصرا على فكرة المقال ومنحها حظها من المناقشة، فاحترمت وامتثلت لرغبته.

الاستماع إلى السيد أبوالغيط حول رؤيته للدور الإقليمى لمصر، قضية تستوعب أكثر من مقال وتحتاج إلى تحليل موسع. وفى نقاط ست ألخص للقاريء رؤيته التى طرجها على وأحتفظ لنفسى بحق الرد فى مقال لاحق، لأنها قضية محورية، يختلط فيها العقل بالعاطفة، والخيال مع المنطق، والطموح بالجموح، والتفكير الإستراتيجى الوطنى بالعقل التآمرى الخارجي.

أولا: أكد معالى الأمين العام، أنه ضد الاندفاع والتسرع جريا وراء فكرة البحث عن دور، والتجربة أثبتت أن التمدد الإقليمى على مدى التاريخ كان وبالا على مصر، واستشهد بتجارب على بك الكبير ومحمد على وجمال عبدالناصر، والتى أشار إليها فى كتابه «شهادتي» الذى أهدانى نسخة منه وأخرى من كتابه الثانى «شاهد على الحرب والسلام». فى تقديره أن محاولات هؤلاء القادة انتهت بفشل كبير لمشروعاتهم الطموحة فى الظهور المصرى الخارجي. وقال نعم فكرة المقال براقة، لكن تقف خلفها محاذير يجب الانتباه لها جيدا، كى لا يتم إجهاض المشروع الوطنى الراهن الذى بحاجة إلى وقت طويل لاستكماله.

ثانيا: ضرورة الاستمرار فى البناء الداخلى بصورة صحيحة ووفقا لرؤية إستراتيجية، تراعى الاستثمار الإيجابى فى المواطن والثقافة والتعليم والاقتصاد، وهذا ما يفعله حاليا الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو شخصية تاريخية ويمتلك مشروعا وطنيا طموحا يجب أن يعطى الفرصة كاملة لتنفيذه وتسليط الأضواء عليه بصورة موضوعية.

ثالثا: الرئيس السيسى حريص على بناء الإنسان المصري، وهذه خطوة جوهرية للتقدم، والتركيز على التعليم وتجديد الخطاب الدينى عملية مهمة، حتى لا يتحول رجل المسجد إلى خومينى (آية الله خومينى فى إيران) أو سيستانى (على السيستانى المرجع الشيعى العراقي)، فقد تضخم دور رجل المسجد فى مصر خلال فترتى حكم الرئيس أنور السادات ومبارك، وما يحدث الآن من بناء متكامل يرمى إلى قطع الطريق على المتطرفين مستقبلا.

رابعا: هناك تربص بالمؤسسة العسكرية المصرية، التى تملك جيشا وطنيا قويا ومتماسكا ومسلحا بأحدث المعدات والتكنولوجيا، ما يثير قلق دوائر كثيرة ومحل استهداف من قوى عديدة، وجرت محاولات لتوريطه خارجيا، ولأن قيادته واعية وتعرف حجم التربص تم تفويت الفرصة، فالجيش مهمته الأساسية حماية الأمن القومى المصرى بكل جوانبه.

خامسا: الدول العربية من الصعوبة أن تصد عن نفسها طموحات قوى إقليمية وعالمية، وهى لا تستطيع أن تنتج طائرة قتال أو دبابة أو فرقاطة، لكن القدرات المصرية بالتعاون مع السعودية والإمارات مثلا، يمكن أن تحقق هذا الهدف.

المشكلة، فى تقديره، أن الرؤية العربية للدفاع عن الهوية والإقليم، لا تزال محل خلاف، وهذا أحد أوجه الخلل فى التعاون المشترك، فهناك من يرى وجوب أن تحتل إيران أولوية قصوي، ومن يعتقد أن إسرائيل هى الخطر الرئيسي، ومن يريد أن تكون الحرب على الإرهاب ذات أهمية متقدمة، ودخل الآن الدور التركى ضمن هذه الدوائر بعد اتساع رغبة أنقرة فى الانتشار.

سادسا: أى دور مصرى فعال يأتى بعد استكمال البناء والتحديث والجاهزية المتكاملة ووفقا لفلسفة واضحة (وهنا نوه لتجربة الصين) ويأخذ فى اعتباره طبيعة التوازنات المحيطة به، ويكون مدعوما من الإقليم وليس فى تناقض معه، لتجنب تحالف القوى العظمى لضربه، إذا تيقنت أنه يمثل خطرا عليها ويحد من نفوذها ويهدد مصالحها، وهنا تكون الطامة الكبري.. وللحديث بقية.

عن الاهرام

اخر الأخبار