هذا الحال لن يدوم

تابعنا على:   09:06 2018-03-09

عماد شقور

تقول الرواية المحكية، ان الملك قرر ذات يوم اختبار مدى حكمة وزيره ومعرفته بامور الحياة، فاستدعاه وامره ان يعود اليه في اليوم التالي ومعه خاتم نقش عليه ما لو قرأه يعكس حالته، فإن كان محبطا جعله سعيدا، وان كان سعيدا جعله محبطا.
عاد الوزير في اليوم التالي، وقدّم لملكه خاتما نقشت عليه اربع كلمات فقط: «هذا الحال لن يدوم».
نقول لرئيس الحكومة الاسرائيلية: هذا الحال لن يدوم. فحكم فاسد قد يعمِّر، بل قد يعمِّر طويلا ايضا، لكن حكما ظالما لا يعمِّر، كما تقول الحكمة العربية المعروفة. فكيف يكون عليه الامر، وحكم اسرائيل فاسد وظالم؟.
مرّت على الشعب الفلسطيني حقب وعقود وقرون من المعاناة، وجميعها، بدون اي استثناء، انتهت وزالت، وبقي الشعب الفلسطيني، بجذوره المغرقة في التاريخ، واستعاد حريته كاملة. هكذا حصل مع العهود الاغريقية اليونانية، والفارسية الإيرانية، والاوروبية الصليبية، وغيرها. وهكذا سيحصل مع هذا العهد الممتد على ستة قرون: من الاستعمار العثماني، الذي اوصلنا إلى الاستعمار البريطاني، والذي سلّمنا بدوره إلى الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي الحالي، الذي نعاني منه ونقاومه حتى الآن.
لكن ما يُميِّز «الحقبة» الاسرائيلية القائمة الآن، هو مدى الظلم فيها. فهي استعمار كأي استعمار آخر عرفته شعوب ودول كثيرة؛ وهو، اضافة إلى ذلك، استيطان، كما فعلت فرنسا في ارض الجزائر؛ وهو ايضا إحلال لمواطني المستعمِر في ارض الشعوب المستعمَرة، كما حصل في الأمريكيتين واستراليا؛ وهو نظام تمييز عنصري وابارتهايد كما حصل، وكما زال واندثر، من جنوب افريقيا.
اضافة إلى كل ذلك، نتابع هذه الايام، قضايا وفضائح الفساد والرشاوى وسوء الأئتمان، على كل صعيد، وخاصة العليا من تلك الاصعدة، في اسرائيل ككل، وفي حكومة اسرائيل الحالية بكل مكوناتها الحزبية، وفي حزب الليكود الحاكم، وفي تصرفات وخطوات وقرارات نتنياهو شخصيا، وزوجته، سارة، وبكره (منها) يائير، (حيث ان بكره الحقيقي هو ابنته من زواجه الاول، التي يتنكر لها، ولا يلتقيها الا نادرا، وخارج بيته وبيتها).
تلتقي عند نتنياهو وحكومته واحزابها، بل وغالبية معارضيه في الاحزاب الاخرى، كِلا الآفتين: آفة الفساد وآفة الظلم. آفة الفساد التي يعاني منها جميع الاسرائيليين والفلسطينيين، وآفة الظلم التي يعاني منها جميع الفلسطينيين (في مناطق الـ48 وقطاع غزة، والضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية، والفلسطينيون في دول اللجوء والشتات)، اضافة إلى نسبة عالية من اليهود الاسرائيليين انفسهم.
اذا كانت واحدة من الآفتين كافية، فكيف عندما تلتقي الآفتان: عهد فاسد، (قيد التحقيق والاتهام والإدانة)، وعهد ظالم ملموس؟
هل يعني ذلك انه ليس على الفلسطينيين الا الانتظار لسقوط حكم فاسد وظالم، وانقشاع غمامة احتلال واستعمار اسرائيلي؟. العكس تماما هو الصحيح.
لا بد من عمل وطني فلسطيني متواصل. لا بديل عن التقصّد والمبادرة الفلسطينية لاشتباك فلسطيني اسرائيلي متواصل: فتح ملفات وقضايا جوهرية وفرعية شهريا واسبوعيا ويوميا. وارباك اسرائيل، داخل اسرائيل، بالتعاون وفتح قنوات اتصال وتواصل مع كل جماعة وحزب وطائفة وحزب وحتى فرد اسرائيلي يقر بحقوق شعبنا الفلسطيني، او حتى بعضها، وما اقرته وتقره الشرعية الدولية؛ وفي المجتمع الدولي على كل صعيد: حكومات ودول وشعوب واحزاب واتحادات وافراد.
لا بد من انشاء واقامة وتشكيل جهاز فلسطيني متخصص، يجمع ويتبنى مطالبات بحقوق فلسطينية فردية وجماعية ووطنية، تضع اسرائيل بشكل متواصل، ويوميا، امام مطالبات، وتضع اسرائيل في دائرة الاتهام لارتكابها مخالفات وجرائم ضد الفلسطينيين افرادا وشعبا.
لا يتمتع الفلسطينيون بزمن يصح فيه الركون إلى متعة الانتظار. فاسرائيل، التي نحن ضحيتها، تنافسنا، وكثيرا ما تنتصر، في اشغال خانة الضحية. واسرائيل، المحرِّض الدائم ضد كل ما هو فلسطيني وما هو عربي وما هو مسلم وما هو مسيحي، تتهم الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين في العالم بالتحريض. وفي الوقت الذي لا تجد فيه اتهاما وقضية تدينها، فانها تجد آذانا صاغية لاتهاماتها. لا يضيرنا الاعتراف بهذه الحقيقة. ما يضيرنا ويضرنا هو اللافعل الفلسطيني والعربي.
آن للفلسطينيين ان يكشفوا الزيف والتزييف الاسرائيلي. وذلك ممكن ومتيسر في كل مجال يمكن ان يخطر على أي بال، ووصولا إلى ما تتضمنه كتب التعليم الاسرائيلية في كافة المواضيع: من التاريخ ورواياته، وحتى كتب الرياضيات، وكتابات حاخامات ظلاميين عن قضايا التسامح والتحريض على قتل كل من ليس يهوديا، او الـ»غوييم»، بلغتهم.
مع انعدام وجود روافع عربية للعمل الوطني الفلسطيني، جرّاء حروب واقتتالات عربية عربية، واستعانات عربية باجانب ومنافسين واعداء للعرب على عرب آخرين، يصبح على الفلسطينيين واجب وضرورة الاعتماد على انفسهم.
صحيح ان رأس الحربة لا يحسم حربا. لكنه يمكن لرأس الحربة ان يصمد في معركة، بل ويمكن له ان يحسمها، وبرغم ان الانتصار في معركة لا يعني، بالضرورة، انتصارا في الحرب، فإن للتراكم تأثيرا غاية في الاهمية، عندما يكون الحساب والعراك متواصلا.
دعونا نرى ونستوعب ونهضم ونفهم، ان حربنا على الانعتاق والتحرر والانطلاق، كفلسطينيين اولا، وكعرب ثانيا، لاستعادة حريتنا في الحياة الآمنة المستقرة، بهدف استعادة دورنا المثْبَت في بناء الحضارة البشرية، الذي انقطع على مدى ستة قرون حتى الآن، بفعل الظلم والظلام العثماني ووريثه البريطاني ووريثه الصهيوني، هي حرب واحدة مستمرة، وان كل ما تخلل تلك الحرب، ما هي الا سلسلة من عشرات معارك متواصلة، لم ننتصر في أي منها، باستثناءين ونصف: استثناءي الكرامة في آذار/مارس 1968، وتشرين/اكتوبر 1973، ونصف معركة الاستنزاف، بين 1967 و1973، دون ان ننسى هزيمة اسرائيل في لبنان بعد الصمود في مواجهة الاجتياح وحصار بيروت سنة 1982، وهزيمة اسرائيل وانسحابها من جنوب لبنان سنة 2000، ومنع انتصارها في حرب لبنان الثانية سنة 2006.
هذه حرب واحدة تتخللها عشرات المعارك، تسعى اسرائيل إلى تحويل كل معركة تنتصر فيها إلى حرب حاسمة. كانت الاكبر بينها معركة، او قل معارك حزيران/يونيو 1967 المشينة. لكن ما تلاها، وخاصة معارك تشرين/اكتوبر على الجبهتين المصرية والسورية وجنوب لبنان، ابطلت مفعولها المحبط إلى حد بعيد.
نعود من جديد إلى حيث بدأنا، بتأكيد ان «هذا الحال لن يدوم».
عن القدس العربي

اخر الأخبار