مصر والجغرافيا السياسية.. أي دور استراتيجي؟

تابعنا على:   20:21 2018-01-19

صالح عوض

لم يكن المؤتمر الاخير الذي عقد بالازهر بخصوص القدس نشازا عن ما تكتنزه مصر من دور تجاه قضايا العرب والمسلمين رغم ان ما يبدو في تداخلات السياسة والحسابات الاقليمية وكأن هناك اضمحلال للدور اتجاه الاقليم وقضاياه.. أو ان هناك محاولات لاخراج مصر عن سكتها العربية والحضارية!!
يمكن ان نكون مخيرين في تعديل ادوارنا او صبغها بلون ايديولوجي معين ولكن لسنا مخيرين في انتخاب ادوارنا الاستراتيجية ولسنا قادرين ان نقوم وحدنا بتحولات جذرية تغير وظيفة الجغرافيا السياسية.. وكل الذين حاولوا عكس ذلك بفرض وقائع قهرية انتهى بهم الامر الى خارج سياق الواقع وحركية التاريخ ولعل هذه الملاحظة التاريخية هي الاكثر تجليا في نتائج الحملات الاستعمارية على بلداننا.
مصر والجغرافيا السياسية هذا ما يجب تدبره عندما يصار الى الحديث عن المطلوب من مصر في هذه المرحلة التاريخية قاسية الوطء وهذا ما يجب ان يدركه الجميع مصريون وعرب ومسلمون واصدقاء.. من هنا يجب الربط بين الوقفات التاريخية الفاصلة وما هو منتظر على المدى القريب والوسيط والبعيد؟ وتأمل في كيفية تدوير الواقع لكي ينسجم مع الصيرورة..؟
فمصر من أقدم بلدان العالم وأكثرها تدوينا لتاريخها ولم تنقطع الحياة المدنية منذ الاف السنين فيها، قد تخبو قوتها وفعاليتها حينا لاسباب عديدة لكنها ما تنفك تعود لتصحيح المسيرة والاخذ بزمام المبادرة لتعديل الموازين..
ولقد كتب عنها وشرح دورها مفكرون وعلماء وساسة تاريخيون ولقد نالها من الاهتمام العالمي مالم ينل بلدا من بلاد العرب والمسلمين فهي قلب العرب الجغرافي والواصل بين المشرق والمغرب وهي القريب بثقلها السكاني وموقعها الاستراتيجي من مقدسات الاسلام في الحجاز وفلسطين.. من هنا كله تعرضت مصر الى حملات متتالية ورغم فشلها في تكسير مصر الا انها نجحت الى حد ما في زرع الفتنة في ثقافتها وتشويه في دورها لفترات من الزمن.. واستمر الضغط عليها من جوانبها واستفزازها لاخراجها عن طبيعة دورها..واصبحت حولها مشكلات بعضها حقيقي وبعضها مفتعل.
في العصر الاسلامي لاسيما جزأه الاخير كانت هي المصد الكبير للحملات العسكرية الاستعمارية التتار والصليبيين والحملة الفرنسية والاستعمار البريطاني.. وكما كانت هي المصد الثقافي الحضاري في مواجهة ثقافات التفسيخ والتغريب ولعب الازهر الشريف دورا رياديا في هذه المعركة مكرسا في الوجدان الشعبي قيمته المرجعية التي تحلت بالاتساع والسماحة فحاز بلا تردد اهليته لكي يكون مرجعية اسلامية عامة لكل المسلمين بكل مذاهبهم واجتهاداتهم.. ومن الشرف الذي سجله الازهر انه لم يكتف بالعلم النافع والمتفتح بل تقدم الصفوف في مقاومة المستعمرين فكان له الدور الرئيس في اسقاط الحملات الاستعمارية المتتالية.
كان لابد من الاشارة السريعة للتاريخ المركب على جغرافيا تنتخب لأهلها المهمات التاريخية انها عبقرية المكان كما شرح ذلك المفكر الكبير جمال حمدان.. وسريعا نتجه الى ما هو مطلوب من مصر ولمصر؟ فليس اكثر من الوقوف القوي على ساقين تملاهما الفتوة على ارض لا كمائن تتخللها فتعيد التوازن للعرب المشتتين والواقعين تحت طائلة العدوان الاجنبي الذي فعل فعلته الشنيعة بها .. 
وقوف مصر على قدميها يعني الغاء دور النزوات القاتلة لقبائل عربية لم يكن لها دور في التاريخ وليس لها عمق في الحضارة وهي تسكن على ضفاف تاريخ الامة وهامشها رغم ان ابار النفط افاضت بأموال وفيرة كانت نقمة عليها اكثر من نعمة ولم تكن في صلب الامة ولذلك كانت دوما تدعو الى التطرف والضيق والتشدد.. وكما ان وقوف مصر على قدميها يعني اعادة التوازن لعقول الاخوة المسلمين الذين يتاخمون العرب في الجغرافيا والذين مدوا ارجلهم بعيدا في العمق العربي فأساءوا لأنفسهم واثاروا لاضطراب في المنطقة التاريخية التي لا يمكن ان تسلم مقادها لاحد من سواها وذلك كله نتيجة تلقائية غياب مصر عن دورها.. كما ان وقوفها على قدميها الثابتتين يعني بوضوح انهاء مشكلات الاقليم لاسيما ليبيا وايجاد صيغات اكثر اتساعا وارتقاء مع السودان وتصفير المشكلات العربية جميعا.
ما هو مطلوب من مصر يجب ان يكون بحجم مصر بلد ال 100 مليون عربي وبلد الاشراف على البحر الاحمر والبحر المتوسط والحدود مع فلسطين والربط بين البحر الاحمر والابيض.. المطلوب من مصر بجيشها ومؤسساتها وبأزهرها واحزابها ونخبها الثقافية وروح التجانس وقبول التنوع شيء كثير وضروري جدا لا يملأه احد سواها.. 
بين التاريخ والمطلوب اي بين الماضي واستشراف المستقبل هناك عقبات كأداء تمنع مصر من التواصل وتحرم العرب من نعمة مصر وتفرض علينا التنافر والتشاجر بين اقاليمنا وفي داخل كل اقليم ونصبح في دوامة الاسئلة والاجابات المحدودة.. بين التاريح والمطلوب هناك واقع مر تعيشه مصر الان في وضع اقتصادي وامني وسياسي لايمكن اعتباره نموذجيا او انه حالة وصل بين الماضي والمراد مستقبلا.
ان اكثر العقبات هي حالة الانشطار المجتمعي والسياسي الناتج عن التصارع السياسي بين الدولة وجماعة الاخوان المسلمين وهنا تصبح الكلمات موزونة بميزان الدهب لكي لا يفهم من اي لفظة دلالات غير التي نريد..
حصلت المشكلة بين جماعة الاخوان المسلمين والدولة المصرية وتيار اجتماعي ثقافي سياسي كبير ونحن جميعا نعيش المأزق المصري الذي لم يجد من العرب والمسلمين فيما نعلم اية محاولة للاصلاح بين الاخوة والاهل في بلد قوته قوة للعرب وضعفه ضعف لهم.. بل بالعكس تماما تدخلت اطراف عربية واخرى اسلامية وبتوجيهات غربية امريكية لتعقيد الازمة ووضع العصى في الدواليب.. فاصبحت الازمة بين الاخوان والدولة المصرية اليوم ليست فقط في عناوين الخلاف الظاهر بينهما انما بفعل تدخلات اطراف خارجة لا تريد لمصر خيرا او لا يريد مشغلوها من الاجانب ان تنجو مصر من التنازع.. واصبح الاخوان والنظام في مصر يمشون على احبال وهما خاسران بشكل مباشر فلا الاخوان في احسن احوالهم بعد ما جرى الذي جرى من تشريد عشرات الالاف منهم وايداع عشرات الالاف في السجون وانسحاب ثروات مالية ضخمة من مصر.. فهم بالتأكيد في اسوا احوالهم وهم القوة الرئيسية بالبلد ويكفي الاطلاع على اوضاع أسر المعتقلين او الفارين لنرى حجم المأساة الانسانية التي يمكن ان تولد احقادا تجد سبيلها الى عنف لا يحمد عقباه.. وكذلك فان الدولة ليست على مايرام في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والامني الذي اوصل الاوضاع الى درجة ان يختبيء الموقف المصري بعض الاحيان خلف ظهر اي من اصحاب المال الخليجي.. فضلا عن اضمحلال الدور وضعف الاداء السياسي خارجيا..
الاخوان والنظام ليسوا في احسن احوالهم وان المصالحة بينهما تعني التنازلات من قبلهما للوصول الى نقطة التلاقي وهي حتمية سيسيرون اليها طال الزمن ام قصر فلا احد يستطيع ان يشطب الاخر من المعادلة فلا ينبغي الشطط في العداوة لان الخاسر هو كل مصري وكل بلد عربي.
اليس في الامة نخبة سياسية او ثقافية او اعلامية تنتفض من اجل نزع الاحتقان في مصر؟ لكي تعود بكلها الى كلنا فتقوي وضعنا العربي في مواجهة العدوان الاجنبي و التدخلات الاقليمية المضرة بوحدة بلداننا..
الامر يحتاج انتباه وتصرف على قدر المسئولية كل من موقع.. وكان الله مع الصابرين

اخر الأخبار