ما هو المطلوب كآلية لحل القضية الفلسطينية

تابعنا على:   12:12 2018-01-19

أحمد طه الغندور

بالأمس القريب جددت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية التأكيد على أن القرار الأميركي المجحف بحق مدينة القدس المحتلة أنهى الدور الأميركي كراعٍ للمسيرة السياسية، وأثبت انحياز الإدارة الأميركية بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي.

وأشارت إلى ضرورة تشكيل آلية دولية لحل القضية الفلسطينية، تكون برعاية الأمم المتحدة، وذلك للخروج من الأزمة التي وصلت إليها العملية السياسية جراء استمرار الاحتلال في سياسته الاستيطانية، وعدم التزامه بالاتفاقات الموقعة، والانحياز الأميركي الكامل لهذا الاحتلال.

ورغم انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني وتبنيه العديد من القرارات الهامة بشأن مواجهة قرار ترامب والعمل على وضع السياسات المناسبة للمرحلة القادمة وصولاً للاستقلال الفلسطيني الناجز، إلا أن المراقب يجد أن المجلس لم يخلص بشيء فيما يخص الآليات اللازمة وأرجع الأمر ثانيةً إلى القيادة الفلسطينية.

لذلك وقبل الحديث عن تقديم اقتراح بشأن تشكيل آلية دولية لحل القضية الفلسطينية تحت رعاية الأمم المتحدة لابد أن نسعى إلى تقديم الوصف القانوني السليم حول القضية الفلسطينية، إذ إنه من المهم أن نستدعي إلى الذاكرة حقيقة أن القضية الفلسطينية ليست نزاعاً دولياً بين طرفين من أطراف القانون الدولي الذي عرّف النزاع الدولي بما أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة، في زمن عصبة الأمم بأنه: «خلاف حول نقطة قانونية أو واقعية أو تناقض أو تعارض للطروحات القانونية أو الواقعية أو المنافع بين دولتين».

لذلك لا يقبل أن نستمر في تصوير القضية الفلسطينية بأنها نزاع بين طرفين كما سبق بيانه أنفاً، وكما سعت إلى تمريره طيلة قرن من الزمن منظمتان دوليتان؛ هما عصبة الأمم والأمم المتحدة، فالقضية الفلسطينية هي عدوان همجي وغير شرعي وغير مبرر قام به الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب آمن ومسالم، فقتل الآلاف من المواطنين وسلب أرضهم ومقدراتهم، وارتكب أبشع الجرائم في حقهم ولازال ماضياً في احتلال أرضهم ردحاً طويلاً من الزمن ضارباً بكافة المبادئ والمواثيق والقرارات الدولية عرض الحائط، فاختصاراً إن القضية الفلسطينية هي قضية احتلال غير شرعي وليس مسألة نزاع دولي بين طرفين.

كما أنه يجب التنويه بأن ما نتج عن " اتفاق أوسلو " تقسيم القضية الفلسطينية إلى جزئيات؛ تم مناقشة بعضها ضمن المرحلة الانتقالية، في حين تم تأجيل أهم القضايا إلى ما تم تسميته بمصطلح " قضايا الوضع النهائي " وبالرغم من هذا الاتفاق فإن عدداً لا بأس به من قضايا المرحلة الانتقالية لازالت عالقة، ولم يتم التطرق قضايا الوضع النهائي، الأمر الذي استغله الاحتلال أسوء استغلال فزاد وتيرة الاستيطان في محافظات الضفة، وزادت عمليات التهويد في القدس بالإضافة إلى فرض نظام الفصل العنصري بشكل متسارع.

من هنا يجب القول إن الخلاص من " اتفاق أوسلو " ينبع من نصوص الاتفاق نفسه، التي أشارت إلى " أن حل الخلافات بين طرفيه يكون باللجوء إلى التحكيم "، وهذا محال في الوضع الحالي إذ أن الاحتلال أعلن بشكل صريح وواضح أنهى الاتفاق، وهنا تكون وسيلتنا لمحاكمة الاحتلال للمخالفات والجرائم التي ارتكبها على الأرض عبر المحاكم الأمريكية وخاصة في واشنطن " كمحكمة اختصاص "، بل أكثر من ذلك يمكن اختصام

الولايات المتحدة الأمريكية " الدولة الراعية " لمخافتها الاتفاقيات والرسائل المتبادلة من خلال قيام ترامب بهذا الإعلان بشأن القدس، وبهذا نؤسس للآلية الأولى لحل القضية الفلسطينية، حيث أن تسوية الأمر عبر الوسائل المتبعة لتسوية النزاعات السياسية قد تم استنزافها بالكامل في زمن المفاوضات وأثبتت عدم جدوها، ولم يتبقَ إلا الحل الأخير باللجوء إلى القضاء المختص.

أما الآليات العامة للقضية الفلسطينية من خلال الأمم المتحدة، فهي تعتمد في الأساس على ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة من وسائل متبعة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين؛ إجراءات وتدابير سلمية كما جاء في الفصل السادس وخاصة المادة (33) التي تنص: ـ " يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها"، والمادة (37) التي حددت دور مجلس الأمن كما يلي:

" 1. إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.

2. إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقاً للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع ".

أما النوع الثاني من الإجراءات فهو " الإجراءات القسرية " وفقاً للفصل السابع، والتي عددتها المادة (41) حيث نصت: " لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية ".

إذا ما أضفنا إلى ذلك، إجراءات اللجوء إلى القضاء الدولي بأنواعه المختلفة وأهمها التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، كونه يُشكل رادعاً لكافة الجرائم الإسرائيلية على الأرض وأهمها؛ الاستيطان والقتل الذي يعتبر من جرائم الحرب ونظام الفصل العنصري وغير ذلك، والتي تعتبر أيضا حاجزاً أمام سياسة " فرض الأمر الواقع " وفرض وقائع على الأرض من أجل تعقيد الحل السلمي.

ايضاً إن الانضمام إلى المنظمات الدولية والإقليمية يُشكل وسيلة ضغط على الاحتلال من خلال الاتفاقيات الموقعة مع هذه المنظمات، وكذلك ما تحتويه من آليات ضغط ومعاقبة للاحتلال على مخالفاته الواردة في مثل هذه الاتفاقيات.

أخيراً؛ مما لا شك فيه أهمية التعاون الدولي في هذه المجالات جميعها، والعمل على إقناع الدول الصديقة باتخاذ المزيد من وسائل الضغط على الاحتلال، والتي من صورها المقاطعة وأساليب الحصار المختلفة حتى ننجح في تحقيق الاستقلال وحفظ أرضنا وشعبنا وهويتنا الوطنية.

اخر الأخبار