ترامب و الليكود والكنيست: سلسلة قرارات مترابطة ومتسارعة لتصفية القضية الفلسطينية

تابعنا على:   14:03 2018-01-10

د. عقل صلاح

لقد تم اتخاذ ثلاثة قرارات خطيرة في أقل من شهر، الشهر الذي يعتبر الأسوء على القضية الفلسطينية والقدس المحتلة. فقد صادق الكنيست الإسرائيلي في الأول من كانون الثاني /يناير2018على مشروع قانون خاص بالقدس المحتلة "قانون القدس الموحدة" بادرت الأحزاب اليمينية في الكنيست لطرحه، وينص على أنه لا يمكن نقل القدس الشرقية إلى الفلسطينيين إلا بموافقة ما لا يقل عن 80 نائبًا، ووافق الكنيست عليه بالقراءة الثانية والثالثة. والقانون الجديد سيمنع أية إمكانية لتقسيم القدس وتسليم أجزاء منها للأجانب - للفلسطينيين- في حالة التوصل إلى تسوية سياسية في المستقبل. ويذكر أن الكنيست أقر مشروع القانون هذا بالقراءة الأولى في26تموز/يوليو2017 بعد أن أقره بالقراءة التمهيدية في 19تموز/يوليو2017.

ويعني هذا القانون أن الانسحاب من القدس المحتلة سيكون من الآن فصاعدًا خاضعًا لقانونين متوازيين: الأول، القانون الذي أقر حديثًا. والثاني، مايعرف باسم قانون الاستفتاء العام، ويقضي بأنه في حال توصلت أي حكومة إلى اتفاق يقضي بالانسحاب من مناطق خاضعة لما يسمى بالسيادة الإسرائلية فإن الاتفاق سيحتاج في الكنيست إلى أغلبية عددية من 80 نائبًا من أصل 120 نائبًا وفي حال وافق عليه أقل من 80 نائبًا، يتم التوجه إلى استفتاء عام، وهذا القانون خاص في القدس ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.

وكان قد سبقه قرار حزب الليكود الحاكم في 31كانون الأول/ديسمبر2017 الذي نص على" فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وامتداداتها في الضفة الغربية والقدس المحتلة وضمها إلى إسرائيل" جاء ذلك بدعم وتشجيع أمريكي. وهذا القرار وغيره من القرارات جاءت بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 7 كانون الأول/ديسمبر2017 الذي نص على "الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس المحتلة".

وفي الثالث من كانون الثاني/يناير2018 صادق الكنيست، بالقراءة التمهيدية على قانون عقوبة الإعدام لمنفذي العمليات الفدائية التي أدت إلى مقتل مستوطنين وجنود. وإن الكنيست صادق على قانون فرض عقوبة الإعدام على منفذي العمليات بالقراءة التمهيدية بتصويت 52 عضو مع مقابل 49 ضد. وتقدّم بمشروع القانون حزب "إسرائيل بيتنا" بعد اتفاق بين رئيس الحزب أفيغدور ليبرمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. وينص مشروع القانون على أنه في حال إدانة منفذ عملية فلسطيني من سكان الضفة بالقتل فإنه يكون بإمكان وزير الحرب أن يأمر وعبر المحكمة العسكرية بفرض عقوبة الإعدام، وألا يكون ذلك مشروطًا بإجماع القضاة وإنما بأغلبية عادية فقط من دون وجود إمكانية لتخفيف قرار الحكم. ويذكر أن مشروع هذا القانون قُدم سنة 2015 وتم إسقاطه بالتصويت في الكنيست، وقدم مجددًا في أعقاب عملية الطعن التي وقعت في مستوطنة "حلميش" في تموز/يوليو2017.

وتعتبر كل هذه القرارات مخالفة لمقررات الشرعية الدولية التي تجيز الحق للشعب المحتل في مقاومة الاحتلال وعدم المس بوضعية القدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال، ومن ثم عدم جواز القيام بأي أعمال من شأنها تغيير الوضع القائم فيها.

وأما بخصوص التوقيت فهو مناسب كما كان مناسب لوعد ترامب، ويقودنا هذا إلى تساؤل مفاده، لماذا الآن؟. فإسرائيل لا تتوقع حدوث ردود فعل فلسطينية أو عربية لا يمكن السيطرة عليها، وحقيقة هذا ماحصل بخصوص ردود الفعل على وعد ترامب ومن ثم قرار الليكود الحالي. وهو نفس ما نص عليه تقييم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وعليه تم اتخاذ هذه القرارات، ولقد عبر عن ذلك رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق "عاموس يادلين"، بقوله إن الفلسطينيين والعرب والأتراك "يهدّدون بمسدس فارغ"، وبرر ذلك بانشغال الرأي العام العربي في قضايا الصراعات الإقليمية.

إن الموقف الرسمي العربي- الإسلامي تجاه قرار ترامب ومن بعده قرار الليكود بضم مستوطنات الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية يؤكد بأن علاقاتهم مع إسرائيل أهم من المقدسات الإسلامية والقضية الفلسطينية. فردود الفعل الرسمية على القرارات لم تصل لمستوى الشجب والاستنكار، فاجتماع رؤساء الدول العربية والإسلامية في قمة اسطنبول لم ينتج عنه حتى قرار واحد على المستوى الرسمي يؤكد رفض هذه الدول المجتمعة لقرار ترامب، فعلى سبيل المثال لم يتم قطع العلاقات مع إسرائيل وأمريكا، أو سحب سفرائهم من أمريكا وإسرائيل، أو حتى طرد السفراء الإسرائيليين والأمريكيين من بلادهم. إضافة إلى أن بعض الدول العربية متواطئة مع هذه القرارات، وتريد منع أي حراك ضد القرار. فقد كشف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية أن دولًا عربية أفشلت عقد قمة عربية طارئة . فالتضامن العربي مع القضية الفلسطينية كان باهتاً جداً، ويتبدى ذلك من خلال تصريح لوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، في 21كانون الأول/ديسمبر2017، بين فيه أن قضية فلسطين قضية جانبية وليس من المفيد إثارة الخلاف مع أمريكا بشأنها، وهذا مادفع إسرائيل لانتهاز الفرصة السياسية والتوقيت الزمني بظل الموقف الفلسطيني والعربي الباهت مما شجعها على اتخاذ القرار – قرار الليكود- وسوف تعمل إسرائيل على تصفية القضية الفلسطينية بما أن الفرصة متاحة أمامها، حيث لم تتعرض القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية منذ نصف قرن لما تعرضت له منذ وعد ترامب وحتى قرار الليكود ومن ثم موافقة الكنيست على قرار القدس الموحدة.

فإسرائيل متأكدة تمامًا بأنه التوقيت المناسب ولن يكون هناك أي تحرك ولو حتى بالكلمة على المستوى العربي والإسلامي الرسمي، فقد عملت بكل جهدها في الدول العربية على المستوى الرسمي والشعبي خلال الفترة السابقة على شيطنة الفلسطينيين ونقل القضية الفلسطينية من قضية محورية للعرب والمسلمين لقضية هامشية.

ماذا تعني هذه القرارات؟ هذه القرارات تعني تجزئة الضفة الغربية وتقسيمها إلى أجزاء - تجزئة المجزأ- وهذه الأجزاء تفتح المجال أمام السيادة الإسرائيلية المستقبلية الكاملة على القدس الشرقية والسيطرة على الطرقات والجغرافيا والديمغرافيا، والتشريع الإسرائيلي يجعل استحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات حدود وسيادة ووحدة جغرافية وديمغرافية بالإضافة لتشريع الاستيطان وبقائه في الضفة الغربية وبالأخص على الحدود الأردنية الفلسطينية وكل ذلك يفتت وحدة الإقليم – إقليم الضفة الغربية- يعني ذلك بقاء السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والقدس وهذا كله يؤدي إلى عدم اخضاع القدس والكتل الاستيطانية للتفاوض المستقبلي مابين المنظمة وإسرائيل التي تسابق الزمن بإتخاذ القرارات من أجل فرض سياسة الأمر الواقع على المفاوض الفلسطيني وهذه القرارات كلها تدعم فكرة بقاء السيطرة والسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وفرض القانون الإسرائيلي على أجزاء كبيرة بالضفة الغربية وعلى القدس المحتلة وتوسيع المشروع الاستيطاني، مما يمنع مستقبلا التنازل عن هذه المستوطنات الكبيرة، والذي بدوره سيؤدي إلى إعدام مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وإحياء مشروع الحكم الذاتي على مناطق في الضفة الغربية وقيام دولة في غزة تتبع لها مناطق الحكم الذاتي الموجودة في الضفة، والتجمعات الاستيطانية في الضفة تتبع لدولة الاحتلال.

أن هذه قرارات الثلاث – قرار ترامب وقرار الليكود وقرار الكنيست - تلغي أركان الدولة المستقلة والمتمثلة في وحدة الاقليم ووحدة الجغرافيا والديمغرافيا والسيادة المطلقة على الاقليم، وشطب القدس كعاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية، وهذه القرارات تجرد الدولة الفلسطينية المستقبلية من أركانها الأساسية وسيادتها وتصبح حتى لو قامت دولة بلا سلطة سيادية وهشة.

وعليه، يتطلب من السلطة البحث عن خيار بديل للمفاوضات، وقلب الطاولة لعودة القضية الفلسطينية للاهتمام الدولي والاقليمي، ولكن السلطة التي لاتؤمن بغير طريق المفاوضات عاجزة بظل القيادة الفلسطينية الحالية عن اتخاذ قرار مصيري واستراتيجي بقلب الطاولة كما فعل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي توصل إلى نتيجة مفادها أنه لاحل للقضية الفلسطينية ولا وجود لدولة في الأفق ومايعرض هو أقل من حكم ذاتي فعمل على اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 . وأهم ردة فعل على هذه القرار الأمريكي وقرار الليكود والتخاذل العربية هو قطع التنسيق الأمني وإتمام المصالحة وبناء منظمة التحرير على أسس الشراكة الوطنية والتمسك بخيار المقاومة لمواجهة المشاريع الإسرائيلية وإفشالها وإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد وعاصمتها مدينة القدس وإعادة النظر بالمشروع السلمي برمته –سحب الاعتراف بإسرائيل ومغادرة مظلة أوسلو- وتفعيل قضية الأسرى على صعيد الجمعية العامة للأمم المتحدة وتدويل قضيتهم من خلال التوجه للمحكمة الدولية في لاهاي بهدف الحصول على فتوى قانونية حول الوضع القانوني للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية واحالة العديد من الملفات إلى محكمة الجنايات الدولية خاصة ملف الاستيطان والتوجه للأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية أو أن تستلم الأمم المتحدة المسؤولية عن فلسطين المحتلة.

إن أي قراءة موضوعية لمجريات الأحداث، منذ وعد ترامب مرورًا بقرار الليكود وليس أخيرًا تصويت الكنيست على قانون القدس الموحدة وعدم التنازل بالمفاوضات المستقبلية عن أجزاء من القدس الشرقية، لابد أن تقودنا إلى نتيجة مفادها أن من يمتلك القوة يكون قادراً على التأثير في مجريات التاريخ، وأن من يمتلك الحق دون القوة لن يلتفت إليه أحد في عالم لا تعنيه كثيراً قضايا الضمير والعدل إن لم تتوافق مع مصالحه.

اخر الأخبار