اسأل "أبومازن" يا "بنس"!

تابعنا على:   13:08 2017-12-20

د. محمود خليل

لا أظن أن الزيارة المتوقعة لمايك بنس، نائب الرئيس «ترامب»، إلى مصر، ثم إسرائيل، سيكون لها جدوى أو تأثير، فى ضوء ما رسم لها من أهداف، تتمثل فى تذويب حالة الغضب التى انتابت الشارعين الفلسطينى والعربى، ومواصلة التعاون المصرى - الأمريكى لمحاربة الإرهاب. على العكس تماماً، قد تؤدى الزيارة إلى نتائج نقيضة تماماً على هذين المستويين. والسر فى ذلك يرتبط برفض محمود عباس أبومازن، رئيس السلطة الفلسطينية، لقاء «بنس» بعد القرار الأحمق الذى اتّخذه «ترامب» بالاعتراف بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل.

ما دام «بنس» لن يجلس مع «أبومازن»، فلا قيمة لهذه الزيارة، بل خير له ألا يأتى، خصوصاً أن رمزين دينيين كبيرين أعلنا رفضهما استقباله فى مصر، وهما فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، وقداسة البابا تواضروس. لسان حال الرمزين: «روح كلم أبومازن». وتقديرى أن ذلك سيكون لسان حال أى مواطن لو صُودف وقابل «بنس» فى الشارع، فى مشهد يذكّر بتعامل المصريين مع زيارة لجنة «ملنر» لمصر عام 1920. فمع الفارق فى التشبيه تجد كتب التاريخ تحكى الكثير من المواقف الطريفة لبسطاء هذا الشعب مع أعضاء اللجنة. فكلما صادف أحد الأعضاء مصرياً وسأله عن شىء أجابه قائلاً: «اسأل سعد»، يقصد سعد زغلول، المصريون كلهم توحّدوا على هذه الإجابة حتى أفشلوا اللجنة التى كانت تستهدف تقنين الحماية الإنجليزية على مصر.

«بنس» يستهدف من زيارته لمصر تقنين قرار «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يريد تمرير ما حدث، وكأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال فى عينيه هو ورئيسه «ترامب». يرغب فى إعادة الحديث مرة ثانية عن السلام وحل الدولتين والمفاوضات تحت الرعاية الأمريكية. أشك أن شيئاً من ذلك سوف يحدث، «بنس» يضيع وقته ما دام الطرف الفلسطينى غائباً. الأمريكان لا يفهمون أنه لا «أبومازن» ولا غيره لديه القدرة على الرضاء بالولايات المتحدة الأمريكية كطرف راعٍ لمفاوضات السلام بعد القرار الأحمق.

الحكمة كانت تقتضى إلغاء هذه الزيارة، لأنها سوف تزيد من الغضب، فأمريكا فى نظر الشارع العربى اليوم لا تقل بجاحة عن «اللى يقتل القتيل ويمشى فى جنازته». لن يستطيع «بنس» ولا غيره أن يُقنن قراراً مرفوضاً بزيارة ممجوجة، بل سيزيد الغضب وسيتضاعف، وقد يصل إلى درجة ينتحر معها السلام. فإذا كان العقل الأمريكى مارس نوعاً من الانتحار بهذا القرار، فقد نُحر السلام على أبواب القدس. أما الحديث عن أن أحد أهداف زيارة «بنس» لمصر يتمثل فى بحث سُبل مواجهة الإرهاب، فهو كلام مضحك. فالقرار الأحمق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس يشهد على أن الولايات المتحدة هى الراعى الأول والمغذّى الأكبر للإرهاب فى العالم. من خرج على العالم ليعلن القدس عاصمة لإسرائيل فى صلاة توراتية، يمثل الوجه الآخر لداعش. اتخاذ القرارات السياسية تحت مظلة دينية، والنظر إلى الدين كمحرك للصراعات بين الشعوب هو أشد وقود لإشعال الإرهاب والتطرّف فى المنطقة. ولو كان نائب الرئيس الأمريكى مش مصدق «يروح يسأل أبومازن»!.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار