لهذه الأسباب منظومة عباس مُفَرِطة وتكذب، ولذلك

تابعنا على:   14:07 2017-12-17

م. زهير الشاعر

قول لي البعض أنك تنتقد سلطة الرئيس محمود عباس بقسوة شديدة في ظروف بالغة الحساسية بهدف التشويش والتشكيك، لا بل ذهب أحدهم بالقول بأنك تنتحر وأنت تُحَمِل الرئيس محمود عباس شخصياً مسؤولية ضياع القدس، في الوقت الذي وقف فيه متحدياً الولايات المتحدة الأمريكية في القمة الإسلامية التي عقدت مؤخراً في مدينة إسطنبول، وهو يهدد بأنه سيقدم شكوى ضدها في مجلس الأمن ، كما ذهب بعض أعضاء منظومته بالتهديد لمحاكمتها في محكمة الجنايات الدولية ، هذا عوضاً عن أنه بخطابه المذكور انحاز لتطلعات شعبه، وبالتالي فهو بات في نفس المركب يقاتل إلى جانب شعبه ولكن بطريقته السياسية والدبلوماسية حتى يلتف على المخاطر التي تحيق به وبالشعب الفلسطيني.
كلام جميل وعاطفي ولكنه لا يقنعني ولم يعد يخاطب عقلي، بالرغم من أنه اشعرني بأنني أمام قائد جديد كصلاح الدين ، واجه التحديات حتى سجله التاريخ فارساً شجاعاً لا زال يتغنى به ، ولكن سرعان ما تبخر هذا الشعور بعدما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية شهادة تحمل الكثير من المعاني التي تجيب عن حقيقة الوضع القائم لهذه المنظومة الفلسطينية ، وذلك عن وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من خلال قوله إن "عباس معني بالتنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين ليس بأقل من إسرائيل وربما أكثر، وهو لا يزال على قيد الحياة بفضل هذا التنسيق".
وبالرغم من الرفض المطلق للتهديد المبطن الذي جاء في سياق هذه الشهادة التي قد تكون مشروخة في نظر الكثيرين، إلا أنني أعتقد أنها شهادة وجيهة ومدعمة بوقائع ملموسة وحاضرة في الواقع الفلسطيني الذي يعيشه ويلتمسه المواطن الفلسطيني يومياً من خلال أقوال وأفعال الرئيس محمود عباس نفسه الذي عبر عن اعتزازه بذلك مراراً وتكراراً ، وأثبتت الشواهد جميعها بأن منظومته الأمنية تطبق ذلك على أحسن ما يرام وبكفاءة عالية أكثر بكثير مما هو مطلوب منها!.
كما أن الرئيس محمود عباس لم يتخذ أي إجراءات عملية تشير حتى لو بشكل بسيط إلى أنه جاد بما يطلقه من تهديدات سرعان ما تظهر حقيقتها بأنها جوفاء وبلا أي قيمة ، ويتم إطلاقها فقط من أجل الاستهلاك المحلي بهدف دغدغة مشاعر المواطن الفلسطيني المتعطش لهذه اللغة التي تعوضه بعض الشيء عن الحالة الانهزامية التي زرعتها سياسات الرئيس محمود عباس الفاشلة ، في داخله!.
فلو أخذنا مثلاً بعين الاعتبار ، كل السلوكيات التي قامت بها السلطة الفلسطينية مع أي أحداث هامة تمس جوهر القضية الفلسطينية منذ عشر سنوات، سنجد أنها جميعاً أتت بلا اي نتيجة تُذكَر، لا بل جاءت ضعيفة ومهزوزة وتخرج بصيغة فارغة من أي مضمون سوى اللغة الإنشائية التي كتبت بها ، بالرغم من التصريحات الحادة والتهديدات المثيرة التي تسبقها، والتي تحمل معها سقفاً عالياً سرعان ما يندثر وينحصر بالسقف المقرر الذي يخضع لإملاءات مُلزِمة ضمن توافق لا يُسمَح بالخروج عن سياقها.
منها مثلاً أن السلطة الفلسطينية كانت تتحدث عن أنها ستعمل على تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن اليوم أو غداً بالحبر الأزرق وذلك لعزل أميركا الدولة العظمى داخل هذا المجلس ، لا بل بالغت بأكاذيبها حينما صرح بعض أعضائها بأنه لا يجوز للولايات المتحدة الأمريكية أن تصوت على مشروع القرار كونه سيحمل شكوى ضدها ، واليوم تبين بأن جمهورية مصر العربية ستتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بناءاً على طلب السلطة الفلسطينية ، يؤكد على أن أي قرار أحادي الجانب حول وضع مدينة القدس ليس له أي مفعول قانوني ويجب إبطاله، بحسب مسودة للنص.
ويأتي مشروع القرار هذا رداً على قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، ولكن مشروع القرار هذا لن يذكر أي احتجاج أو إدانة صريحة لهذا الإعلان الأمريكي ، كما أن أمريكا ستحضر هذا الاجتماع كعضو دائم يمتلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، وبالتالي هي تمتلك الحق في أن تستخدم الفيتو لعدم تمرير أي قرار من هذا القبيل حتى لو كان ضعيفاً وبلا أي قيمةٍ أو مضمون إن أرادت ذلك، أو وجدت أن ذلك يدينها أو يتعارض مع مصالحها ، لتؤكد على هيبتها ومكانتها كقوة عظمى لا يمكن لأحد أن يعزلها، كما حاول البعض من المسؤولين الفلسطينيين أن يصوروا المشهد وكأنهم يمتلكون القوة والنفوذ والقدرة لفعل ذلك وهذا يتنافى مع الواقع والحقيقة.
مشروع القرار هذا ، الذي قدمته مصر، كان قد وزع على أعضاء مجلس الأمن الـ 15بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، يوم أمس السبت، وهو يتكون من صفحة واحدة، ولا يتعرض لموقف الولايات المتحدة الأمريكية أو الرئيس دونالد ترامب بتاتاً، بل سيتناول وضع مدينة القدس فقط.
كما أن مشروع هذا القرار يحتاج إلى موافقة 9 أعضاء لإقراره مع ضمان عدم استخدام أي من الدول الأعضاء الدائمين، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، حق النقض الفيتو وهذا لا يتوفر له أي ضمانة بالتأكيد خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي تمثل السبب الرئيس بالتوجه بمشروع هذا القرار إلى مجلس الأمن.
كما أن السلطة الفلسطينية لوحت بأنها ستتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة غير العضو فيها ، ولا ينطبق قانونها عليها ، لا بل هي تتمتع بتفاهمات ما بينها وبين هذه المحكمة لتجعلها قوة رقابية نافذة عليها، هذا عوضاً عن أنها تمتلك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الذي يؤهلها لتعطيل أي قرار تصدره هذه المحكمة سواء ضدها أو ضد أي دولة أخرى أو حتى أفراد ، وبالتالي هذا يؤكد على مدى الانحدار الذي وصلت إليه المؤسسة الفلسطينية الرسمية في ممارسة الكذب والتدليس والتضليل لأبناء الشعب الفلسطيني من خلال التواطؤ الذي مارسته طوال العشر سنوات الماضية، والذي كان من أهم نتائجه اتساع رقعة الاستيطان وضياع الأرض وأخيراً ما وصل إليه حال مدينة القدس.
هذه يعيدنا للوراء بعض الوقت لنُذكر بتقرير جولدستن الذي مثل فضيحة كبيرة لهذه المنظومة عندما أغلقت ملفه مجبرة وصاغرة ، كما أنها لم تجرؤ حتى اللحظة على تقديم أي شكوى رسمية ضد دولة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية بخلاف ما يصرح به وزير خارجيتها ، فهل بعد هذه الإخفاقات لا زالت تمتلك ما يمكن أن يؤهلها للاستمرار في قيادة شعب أهانته واذلته وجوعته وحرمت أبنائه من الاستقرار والتعليم وكسرت هيبته بل حارب أطفالهم في دوائهم وحليبهم ، وأهدرت مقدراتهم؟!.
هذه هي الحقيقة التي لا تساعد بالمطلق على بناء حالة من الاستقرار والتعايش بين شعوب المنطقة من خلال عدم العمل الجاد والصادق على إرساء سلام عادل وشامل، في ظل منظومة ضعيفة وعابثة حان وقت تجاوزها، لذلك في تقديري أنه حان الأوان لكي تخرج شخصيات فلسطينية مقتدرة وتحظى بالثقة لدى المجتمع الدولي من جهة ومن جهة أخرى قادرة على أن تعيد الثقة ما بينها وبين الشعب الفلسطيني الذي بات بحاجة ماسة لأن يستعيد الأمل بغدٍ أفضل بدلاً من أن ينزلق في حالة من العنف التي قد تؤدي في النهاية إلى تصاعد في الصراع والتطرف الذي لا يصب في مصلحة أحد بالتأكيد.

 

اخر الأخبار