ذكريات عمرها ثلاثون عاما مع حماس

تابعنا على:   15:59 2017-12-14

م. عماد عبد الحميد الفالوجي

ثلاثون عاما مرت منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الكبرى في العام 1987 والتي غيرت مسار التاريخ الفلسطيني ونقلت القضية الفلسطينية الى صدارة الاهتمام الدولي والاتفاق على ضرورة إيجاد الحل للقضية الفلسطينية ، ولعل من أبرز نتائج هذه الانتفاضة هي ميلاد حركة المقاومة الإسلامية منذ اليوم الأول لأحداث تلك الانتفاضة الخالدة ..

واليوم وقد أصبحت حماس الأسم الكبير في مسيرة الشعب الفلسطيني وأصبحت قوة شعبية وعسكرية يحسب لها ألف حساب في المعادلة المحلية والإقليمية ، ولعل غالبية كوادرها وقادتها الحاليين يجهلون تفاصيل تأسيس هذه الحركة بسبب استشهاد الكثير من قادتها المؤسسين الكبار ، كيف تأسست هذه الحركة ولماذا أطلقت علة نفسها هذا الإسم ؟ وقصة ميثاقها الأول وعلاقتها المعقدة مع الواقع الفلسطيني والفصائل الفلسطينية ونظرتها الى القيادات العربية والإقليمية وغير ذلك .

منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة شارك شباب الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في أول مسيرة ضخمة خرجت من الجامعة الإسلامية الى مستشفى الشفاء لحمل الشهداء الأربعة من بلدة جباليا – الذين دهسهم مستوطن مجرم – وكانوا شعلة الانتفاضة الكبرى ، وسارت المسيرة التي شارك فيها الكل الوطني بدون استثناء الى مقبرة جباليا وهناك كان الاشتباك الأول بين هؤلاء الشباب الغاضبين وشرطة الاحتلال ، عندما هاجم الشباب مقر الشرطة وتمكنوا من اقتحامه ورفع العلم الفلسطيني فوق ساريته ،، مما أدى الى مواجهات عنيفة وإصابات كثيرة في أوساط الشباب ، وفي اليوم الثاني كانت المواجهات التي أدت الى ارتقاء الشهيد الأول السيسي في معسكر جباليا وهنا بدأت المواجهات العامة تتصاعد بشكل عفوي ثم تنظيمي ..

تم إصدار في هذا اليوم التاسع من ديسمبر 1987 بيانات عديدة من كافة الفصائل ومن بينها بيان باسم مجلس طلبة الجامعة الإسلامية ثم بيان من المجمع الإسلامي ، وبعد استمرار اندلاع المواجهات كان اللقاءات التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين لدراسة الأمر بشكل رسمي خاصة في معسكر جباليا وأذكر هنا الأخ خضر محجز والشهيد نزار ريان والشهيد صلاح شحادة وهم قادة الحركة في الشمال وكان القرار بدعوة شبابنا للمشاركة الفاعلة في الأحداث ، ثم كانت اللقاءات في منزل الشيخ احمد ياسين للقيادة على مستوى القطاع ، والقرار الحاسم بالمشاركة في كافة أحداث الانتفاضة اليومية ، واستخدمت الجماعة عدد من الأسماء في تلك الفترة في بياناتها منها حركة المقاومة الإسلامية وحركة مجاهدي فلسطين ،، ثم كان الاتفاق في يوم الرابع عشر من ديسمبر على اختيار اسم واحد وهو حركة المقاومة الإسلامية /فلسطين ،، لأن هذا الإسم كان يستخدمه حزب الله في لبنان أيضا ،، وفي مرحلة قادمة تم اختصاره الى " ح . م . س " ثم الى " حمس " ثم تطور في صيغته النهائية الى " حماس " ، وهكذا كان ميلاد حركة فلسطينية جديدة تحمل الفكر الإسلامي وتنتمي الى نظرية الإخوان المسلمين .

وبعد أشهر من تلك التطورات وأصبحت " حماس " رقما فاعلا على الساحة الفلسطينية وتحظى باهتمام إقليمي ودولي كان لابد من نشرة تعريفية لهذه الحركة الوليدة ،، فكان الاتفاق على صياغة عدد من البنود لتعريف الكل على منهج وفكر حركة حماس ، ولم يستخدم مصطلح ميثاق على هذه الورقة في ذلك الوقت بل هي فقط نشرة تعريفية حول الحركة وتم إصدارها بما يعرف اليوم " ميثاق حماس " .

في بداية الأمر لم تحظى حماس بترحيب من كافة الفصائل واعتبرتها منافسا جديا لوجودها وبدأت سلسلة طويلة من التشكيك والاتهامات المتبادلة بين الطرفين ، انتهت باعتراف الكل الوطني بحركة حماس كإضافة وطنية وفرضت واقعا لا يمكن تجاوزه ،، وبعد اتفاق فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على تشكيل القيادة الوطنية الفلسطينية لإدارة الانتفاضة ، كان الحوار مع حماس لانضمامها الى هذا الجسم الوليد ، ولكن الحوارات فشلت بسبب تعامل القيادة الفلسطينية مع حماس على أساس انها فصيل مثل باقي الفصائل ويحق لها مقعد واحد ولكن حماس اعتبرت ذاتها أنها مواز لجسم المنظمة ولا تقبل معاملتها كفصيل ،، ولكن تم التوافق بعد ذلك على التنسيق المشترك فيما بينهما ..

في العام 1989 كانت الضربة الكبرى لحماس واعتقال أغلب قادتها الكبار ، وحضر الأخ موسى ابو مرزوق الى قطاع غزة – وهي آخر زياره له خلال مرحلة الاحتلال – والتقى معي لتكليفي مع الشيخ سيد ابو مسامح لإعادة بناء الحركة من جديد وغادر الى أمريكا ، وهنا بدأت مرحلة جديدة من تاريح الحركة بقيادة جديدة ، اختلفت في طريقة البناء عن سابقتها ، حيث تم حل أهم إشكالية داخلية للحركة وهي التداخل بين عضوية الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين ، فوضعت القاعدة الذهبية وشكلت متغيرا مهما وهي " كل إخواني هو بالضرورة حمساوي ، وليس كل حمساوي بالضرورة إخواني " وهكذا كان الحل ،، ثم أسست حركة أنصار حماس ، لتكون الوعاء الأكبر لاستقطاب الشباب الراغبين بالانضمام بدون الدخول في تعقيدات الانتماء التنظيمي ، وفي غضون عدة أشهر أصبحت حركة أنصار حماس هي الإطار الأكبر في حجمها وكان من الصعب الاحتفاظ بهذا الإطار ،، فكان القرار الكبير بحل حركة أنصار حماس وانضمام كافة أعضائها لحركة حماس ، وبهذا القرار انتقلت حماس من فصيل نخبوي الى فصيل يمثل الشارع الفلسطيني ولم يعد من الصعب الانضمام للحركة .

وهكذا كانت الانطلاقة الأولى واستمرت التطورات الداخلية والخارجية للحركة منسجمة مع الأحداث الكبرى ، وقدمت على هذا الطريق خيرة قادتها وكوادرها وعلى رأسهم الشيخ المؤسس أحمد ياسين وصلاح شحادة وإسماعيل ابو شنب وعبد العزيز الرنتيسي وابراهيم المقادمة ، هؤلاء الكواكب الخمسة في تاريخ هذه الحركة الكبيرة وغيرهم من القادة العظام الذين التحقوا بهم ..

واليوم حركة حماس وبعد دخولها المعترك السياسي بشكل رسمي حازت على ثقة شعبها في الانتخابات الأخيرة 2006 لتكون الحركة الأكبر داخل المجلس التشريعي وتشكل حكومة ثم حدث الانقسام الداخلي لتجد نفسها أمام واقع قد تكون غير جاهزة له ، وعليها اليوم للحفاظ على هذا التاريخ الطويل أن تراجع حساباتها بهدوء لتعود الى أصل الفكرة ..

ولنا لقاء أخر

اخر الأخبار