ثورة الخريف السعودى!

تابعنا على:   12:36 2017-12-09

سعد الدين ابراهيم

ينشأ أبناء الأسرة الحاكمة السعودية على كراهية الثورة وازدراء الثوّار. فهم منذ تحالفهم مع بيت المُصلح الدينى محمد بن عبدالوهاب فى القرن الثامن عشر الميلادى، وهم مُحافظون، ينشدون الاستقرار وإبقاء كل شؤون المجتمع والدولة على نفس الحال، كما توارثوه عن آبائهم.

ولكن منذ ثورات الربيع العربى من حولهم فى تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا (2010-2012) والقلق يُساور آل سعود. وكان رد الفعل العاجل من كبارهم هو الإغداق أو رِشوة الشعب السعودى، بمنح العاملين منه فى أجهزة الدولة راتب سنة كاملة. ولكن شباب آل سعود، الأكثر تعليماً وانفتاحاً، كان لهم موقف آخر، فذهبوا أو أرسلوا مُساعديهم إلى بُلدان ثورات الربيع العربى لمُهمة واحدة، وهى تعلم كيفية تحاشى مثل تِلك الثورات فى السعودية نفسها!

وكانت الإجابة التى خَلُص إليها شباب البيت السعودى الحاكم هى ضرورة الإصلاح الشامل والعاجل لشؤون المجتمع والدولة. ولا يعنى الإصلاح الشامل والعاجل إلا شيئا واحدا، وهو الثورة، ولا شىء غير الثورة. ولكن على أن تكون الثورة بيد شباب آل سعود أنفسهم.

وتزامنت إجابة السؤالين مع وصول الأمير سلمان إلى قمة السُلطة السعودية، وهو فى الثمانينيات من عُمره. ولكن أحد أصغر أبنائه الشباب وهو محمد بن سلمان كان أحد شباب الأسرة المالكة الذين شغلهم مصير الأسرة والمملكة كلها فى زمن ثورات الربيع العربى، ولأنه كان الأكثر طموحاً وحماساً منذ كان كذلك الأكثر إنجازاً والأقرب إلى قلب والده الملك الجديد للسعودية، سلمان بن عبدالعزيز، وفيما يُشبه الانقلاب السِلمى داخل أسرة آل سعود.. تنازل الابن التالى لعبدالعزيز- وهو الأمير مُقرن، وهو فى السبعينيات من عُمره- عن دوره فى ولاية العهد لابن أخيه محمد بن سلمان (32 سنة)، الذى يصغره بحوالى نصف قرن.

ولم تمض شهور قليلة إلا وقد أصبح ولى العهد الجديد، الأمير محمد بن سلمان، هو الحاكم الفعلى للمملكة العربية السعودية.

ولم يُضيّع محمد بن سلمان أى وقت. فمع مُستشاريه المُقربين من ذوى العِلم والخبرة والطموح، خرج على أبناء شعبه والعالم برؤية طموح، «السعودية 2030»، هدفها: 1- تنويع مصادر الثروة والقوة فى المملكة، وتحريرها من الاعتماد الزائد على النفط، وعلى السلاح الأمريكى. 2- تحرير المرأة السعودية وإشراك الشباب السعودى فى السُلطة. 3- تطوير نِظام الحُكم لكى يصبح ملكياً برلمانياً، مثله مثل نظيره فى بريطانيا وهولندا والدول الإسكندنافية. 4- التكامل مع الجيران بمشروع تنموى طموح على غِرار الاتحاد الأوروبى، سمّاه مشروع «ديوم».

وقد وجد الأمير محمد بن سلمان ضالته المنشودة فى المرأة السعودية والشباب السعودى، أى حوالى ثُلثى أبناء مُجتمعه. وهو ما ضاعف من قوة وعزيمة الأمير الشاب، فبدأ يُحاصر مُشكلة المشاكل فى البلاد النفطية، وهى مشكلة الفساد والاعتماد على الدولة الرعوية فى كل شىء- من الخدمات والرعاية الاجتماعية والاقتصادية.

وإلى تاريخه، وبعد سنة واحدة فى ولاية العهد، يُسيطر محمد بن سلمان على مقاليد الأمور فى المملكة العربية السعودية، فلم يعد يكترث بشعبية زائفة على حساب الجدارة والنظافة والنزاهة فى الأداء، ولذلك لم يتورع عن مُحاسبة كبار قومه على أدائهم ومسلكهم العام، حتى لو اقتضى الأمر عزل بعضهم من مواقعهم الرسمية والتحقيق معهم ومُحاكمتهم ومُعاقبتهم، حتى يكونوا عِبرة لغيرهم، من ذلك ما نقلته وكالات الأنباء عن القبض على عشرات من أفراد بيت آل سعود وغيرهم، لشُبهات فساد مالى أو إدارى، أو استغلال النفوذ للكسب غير المشروع.

وكان الهم الثانى هو الاعتماد شبه الكلى على الثروة النفطية، وضرورة تقليل ذلك الاعتماد، بتنويع موارد الدولة من ناحية، وتقليل الاعتماد شبه الكلى للمجتمع السعودى على الحكومة من ناحية أخرى. وكان ذلك يتأتى فقط بدفع المواطنين أسعار الخدمات التى يتلقونها، سواء من الحكومة نفسها، أو من القطاع الخاص السعودى.

أما الهم الثالث فقد كان تقليل الاعتماد على الأيدى العاملة الأجنبية، ومنهم حوالى مليون سائق سيارة خاصة بالنساء السعوديات، اللاتى لم يكن يُسمح لهن بقيادة السيارات. فصدر قانون يسمح بذلك، وهو فى نظرنا يُمثل ثورة اجتماعية غير مسبوقة فى السعودية، حيث إنها تفتح الأبواب لدخول السيدات السعوديات كل مجالات الحياة العامة.

أما الهم الرابع فهو إتاحة فُرص الترويح العام لأبناء المجتمع السعودى بذكوره وإناثه بدلاً من اللجوء للسفر عبر أحد الجسور إلى البحرين أو عبر الحدود إلى الإمارات، وخاصة إلى دُبى، فاستُحدثت وزارة خاصة جديدة للترويح، وكذلك بعض الجُزر السعودية فى البحر الأحمر كمناطق حُرة، يُسمح فيها بما لا يُسمح به فى بقية أنحاء المملكة، احتراماً للمُحافظين وكبار السن الذين لا يستوعبون هذا الانفتاح الاجتماعى.

وأخيراً، كان ثمة هَمٌّ خامس، وهو علاقات السعودية الخارجية والأخطار الفعلية أو المُحتملة من الجيران، سواء عبر الخليج مُتمثلة فى الجارة الأكبر إيران، أو فى الجنوب الغربى للمملكة وهو اليمن، وحيث لإيران أيضاً حُلفاء يمنيون محليون الأقرب إلى الشيّعة مذهبياً، وهم من يُطلق عليهم الحوثيون.

فى قمة انتفاضات الربيع العربى (2011-2013) كانت أسئلة المُراقبين الغربيين تدور حول لحظة انفجار قادمة فى بُلدان مجلس التعاون الخليجى، وفى مقدمتها السعودية. وكان السؤال هو: متى يحدث ذلك الانفجار؟

ولكن ها هى الأسرة السعودية الحاكمة تُجدد نفسها من الداخل، وتسلم عجلة القيادة لجيل شبابى يثبت يوما بعد يوم أنه جدير بمسؤولية هذه القيادة.

ولكن مع السطور الأخيرة لهذا المقال، وقبل أن أرسله إلى هذه الصحيفة، فإذا بانفجار يحدث، لا فى السعودية ولكن فى جارتها إلى الجنوب، فى اليمن، باغتيال الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح بواسطة حُلفائه السابقين، وهم الحوثيون، الذين يتحالفون مع إيران، المُنافس الأول والأقوى للسعودية فى منطقة الخليج. والسؤال الآن هو: كيف سيتعامل محمد بن سلمان ورفاقه من شباب الأسرة السعودية مع هذا الموقف المتفجر؟

وعلى الله قصد السبيل

عن المصري اليوم

اخر الأخبار