هل يتخلص الفلسطينيون من الأوهام..؟!

تابعنا على:   11:18 2017-12-07

علاء الدين أبو زينة

فلنواجه الحقيقة فقط! فلسطين كلها محتلة، والفلسطينيون إما تحت الاحتلال أو في المنافي. نقطة. وللأسف، كان كل ما أنجزته النضالات الفسطينية العسكرية والسياسية والمفاوضات والتنازلات، هو مجرد قرارات أممية ظلت حبراً على ورق –بالإضافة إلى مأثرة البقاء الفلسطيني بفعل ذاتي. وكانت أميركا دائماً هي العدو الواضح لأحلام الفلسطينيين، سواء بازدراء الشرعية الدولية، أو بإدامة كيان الاحتلال ووحشيته بالمساعدات العسكرية والمالية.
أي شيء أسوأ من ذلك؟ ينوي ترامب وفريقه تصفية القضية الفلسطينية، ويعترف بالقدس عاصمة للكيان –بمعنى إلغاء صفة الاحتلال عنها واعتبارها جزءاً مشروعاً من "إسرائيل". وينوي نقل سفارة بلده إلى القدس. ويتجاهل التحذيرات من كل مكان في العالم تقريباً، بما فيها أميركا نفسها، من فداحة شرعنته احتلال القدس، لأن ذلك سيدفن عملية السلام الميتة أصلاً، وسيغضب ملايين المسلمين والعرب.
إذا أردنا الحقيقة، كل هذه مجرد تفاصيل. فالاعتراف أو غير الاعتراف لا يغيران حقيقة أن القدس محتلة، مع يافا والرملة، لأن فلسطين محتلة. لكن هذا التدهور المتواصل في مسارات القضية الفلسطينية جعل الفلسطينيين وحيدين أكثر. فقد تشاغل العرب المهمّون عن فلسطين والقدس بعداواتهم الجديدة، بل وأصبحت القضية الفلسطينية كبش الفداء المرشح للذبح بها بلا رفة جفن لأجل تكوين تحالفات لم تكن ممكنة حتى في الخيال، ولا يمكن أن تكون خادمة لأي مصلحة عربية أصيلة على أي مدى. وبمرافقة ذلك، تقوَّض أي مشروع عربي مشترك –إذا كان ثمة مشروع كهذا أصلاً- لنصرة فلسطين والأمن القومي العربي، والتقت المصالح الخاصة مع رغبات أميركا، بما هي راعية الاحتلال، وعدوة لكل حلم عربي. بل إن أصواتاً شعبية عربية –ولو أنها معزولة- وجدت الجرأة للتنصل علناً من فلسطين، ولتعداد فضائل الكيان و"سلميته"، كما نقرأ بألم في وسائل الإعلام الاجتماعية. ووجدت هذه الأصوات تشجيعاً من نبرة تطبيع الاحتلال في المنطقة وفتح العلاقات معه –بلا حديث عن تكتيك أو مرحلية، أو أي ذرائع منطقية، بينما تُنسى تماماً حقيقة أن الأمن العربي يصبح أكثر عراء أمام الكيان الذي يزدري العرب، ولن يكون للعرب مستقبل وهم متذللون.
للفلسطينيين، ربما يعني موقف ترامب من القدس مجرد إلقاء ضوء ساطع آخر فقط على الواقع الأسود بلا تزويق. وفي الحقيقة، لا يغير اعترافه بشرعية احتلال القدس، ووجود من يُسوِّق له سياساته لتصفية القضية الفلسطينية في المنطقة، أيَّ شيء جوهرياً من واقع الاحتلال القائم فعلاً. إنه مجرد تعبير آخر أكثر صفاقة فقط عن حقيقة ازدراء أميركا المتواصل للشرعية الدولية والعرب والفلسطينيين. وهو يؤكد للفلسطينيين ما هو بدهي من أنه لا حقّ لضعيف، وأنكَ ما لم تنصر نفسك أولاً، فما لك من نصير.
سوف يؤكد تكشف الوقائع الحالية والمتوقعة فقط عبثية "أوسلو" ومتعلقاتها، والخديعة التي انطوت عليها ولاحظها كل ذي عينين. وسوف يتبيَّن مرة أخرى أن تعطيل منظمة التحرير الفلسطينية وتضييق مركز القرار الفلسطيني يخدم فقط تسهيل العثور على مَن يوقع على التفريط النهائي بفلسطين. وكانت "السلطة الفلسطينية" دائماً موضوعاً للضغط والتحكم من أميركا ومن الاحتلال نفسه، وعبثاً تحاول مراوغة الضغط. وبوجودها تعزَّز الاستيطان فقط، وأمِنَ الاحتلال ومستوطنيه على حساب أمن الفلسطينيين، بلا تحقق أي من وعود الاتفاق.
على الفلسطينيين الآن مواجهة الحقيقة –ولو مرة. ينبغي أن تكون قد تشكلت قناعة بأن الدولة الحرة، حتى في أضيق التصورات، لن تتحقق بالتسوُّل العاجز. وقد حان الوقت لأن يعيد الفلسطينيون كلفة الاحتلال –المادية والأخلاقية- للاحتلال وتسمية الأشياء بأسمائها. ولا عيب في العودة إلى الاسترشاد بإطار شرعي جامع، يمثل كل الفلسطينيين، ويعمل على مشروع وطني واحد بلا أيديولوجيات ولا فصائليات وفئويات، بتحكيم العمليات الديمقراطية والتزام الجميع بما يخدم المشروع فقط بلا أنَوية ولا فلسفات. ومعه يجب استعادة السرد الوطني الفلسطيني الحقيقي واعتناقه في القلب. ويجب ابتكار الكيفيات لإقلاق الاحتلال وحمله على التراجع، بالنضال الشعبي والعالمي وأي وسائل في إطار حق الشعوب المشروع في مقاومة الاحتلال.
قد تكون لقرارات ترامب فضيلة إيقاظ الفلسطينيين وتخليصهم نهائياً من الأوهام. إن عدوهم يعتبر الصراع وجودياً، وعليهم اعتباره كذلك –كما هو. وما دامت طفلة فلسطينية في ألاسكا تقول: أنا من يافا، فإن الزمن كفيل بالحل.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار