لبنان في عين عاصفة الصراع العربي-الإيراني!

تابعنا على:   11:31 2017-11-20

ناجي س. البستاني

خلال الأسبوعين المَاضيين حاول "حزب الله" إخفاء الخلفيّة الحقيقيّة للصراع المُحتدم في المنطقة، والذي دفع السعوديّة إلى إستخدام ورقة إستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري للضغط على السُلطة في لبنان ومنعها من التعايش مع "الحزب" وغضّ الطرف عن تدخّلاته الأمنيّة والعسكرية والإستخباريّة خارج الحُدود، خاصة في اليمن وحتى في البحرين. وعلى خط مُواز، حاولت القيادات الرسميّة في لبنان و"التيار الوطني الحُرّ" التعامل مع الإستقالة وكأنّها شأن لبناني داخلي يُمكن مُعالجته بلقاءات داخليّة مُباشرة. لكنّ سياسة الهروب إلى الأمام إنتهت مع صُدور البيان الختامي عن الإجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي سلّط الضوء بوضوح على عمق الأزمة القائمة حاليًا بين إيران والقوى الحليفة لها في المنطقة من جهة، والسعودية ومجموعة كبيرة من الدول الخليجية والعربيّة من جهة أخرى. ويُمكن القول باختصار أنّ لبنان هو حاليًا في "عين عاصفة" الصراع العربي–الإيراني! فما هي خياراته؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي غاب عن إجتماع القاهرة تجنّبًا للإحراج، حاول عبر سلسلة من الإتصالات التخفيف من وطأة البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب، شأنه في ذلك شأن مندوب لبنان السفير أنطوان عزام الذي حاول بدوره عدم إدراج إسم "حزب الله" بالإسم في البيان المذكور، وعدم توصيفه "الحزب" بالإرهابي، لكنّ هذه الجُهود باءت بالفشل على الرغم من تسجيل نجاح مصر في إزالة الإدانة المُباشرة للبنان عن أعمال "حزب الله"، علمًا أنّ بيان الوزراء العرب جاء عالي النبرة بوجه إيران و"حزب الله"(1)، في الوقت الذي كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يستبق البيان بوصف إتهامات السعودية المُوجّهة لإيران "بالمُثيرة للسخرية"، مُتهمًا بدوره المملكة "بتغذية الإرهابيّين وبشنّ حرب على اليمن وبمُحاصرة قطر وبإشعال نيران أزمة في لبنان".

وهذا التصعيد الكبير في المواقف، والذي يُنتظر أن يُتَرجم بإجراءات وبعقوبات ميدانيّة، يجعل لبنان في موقف صعب، في ظلّ خيارات محدودة مُتاحة للسُلطة فيها. وإذا كان خيار التحفّظ على البيان الختامي هو الذي إعتمده لبنان في إجتماع القاهرة، شأنه شأن العراق، فإنّ سياسة "طمر الرأس بالرمال" لن تكون مُجدية في المرحلة المُقبلة، حيث أنّه لن يعود كافيًا على لبنان الحديث عن رفضه التدخّل في شؤون أي دولة عربيّة بالتزامن مع رفض تدخّل أحد في شؤونه الداخليّة. فالضُغوط على لبنان ستتصاعد حتى تلمّس إجراءات "نأي بالنفس" فعليّة وليس كلاميّة، والمُشكلة أنّ هذا الخيار ليس في يد السُلطة اللبنانيّة أو المسؤولين الرسميّين فيها، بل بيد "حزب الله" الذي سيُحدّد موقفه من التطوّرات في الساعات المُقبلة، بخطاب جديد لأمينه العام السيّد حسن نصر الله.

وبالتالي لبنان المَقسوم سياسيًا أساسًا بشأن تصرّفات ومواقف "حزب الله" إزاء الدول الخليجيّة، والعاجز أصلاً على مُستوى السُلطة السياسية عن منع "الحزب" من التدخّل في الخارج، سيكون أمام سيف ذي حدّين: إمّا الإصطدام سياسيًا مع "حزب الله" والطلب منه وقف هجومه الإعلاميّ على الدول الخليجيّة، وإمّا التغاضي عن تصرّفات "الحزب" وتحمّل تبعات ردّات الفعل الخليجيّة والعربيّة المُرتقبة. وإذا كان "الحزب" يتلقّى دعمًا ماليًا كبيرًا بشكل دَوري من إيران، وهو ما لا يُخفيه أصلاً، فإنّ أكثر من أربعمئة ألف لبناني يعملون في دول الخليج يترقّبون في حال بقاء التدهور قائمًا في علاقات لبنان مع الدول العربيّة والخليجيّة تحديدًا.

في الخلاصة، لا شك أنّ صفحة جديدة من الصراع العربي-الإيراني قد فُتحت في المنطقة، الأمر الذي يستوجب أن يتعامل معها لبنان بأسلوب مُختلف تمامًا عن السابق، لجهة الإبتعاد عن مواقف "الهروب إلى الأمام" و"التذاكي الكلامي" إذا كان يرغب فعلًا في تجنّب الإرتدادات الخطيرة للمنحى التصاعدي لهذا الصراع. والكرة بصراحة ليست في يد المسؤولين اللبنانيّين، بقدر ما هي بيد "حزب الله" الذي تفوق أهمية موقفه المُرتقب في الساعات المُقبلة من الأزمة، أهمّية الموقف المُرتقب أيضًا لرئيس الحكومة سعد الحريري من داخل لبنان، لأنّ "الحزب" هو في موقع الفعل بينما هامش حركة الحريري لا يتجاوز "ردّ الفعل"!.

(1) هاجم البيان إيران بشدّة مُدينًا "عدوانها" ضد السعوديّة، ووصف "حزب الله" بالإرهابي مع الحرص على الإشارة إلى أنّ "الحزب" شريك في الحُكومة اللبنانيّة بدون إدانة لبنان مُباشرة.

عن النشرة اللبنانية

اخر الأخبار