الثقافة المأجورة بين خيانة التشكيك وبث الشائعة

تابعنا على:   11:24 2017-10-20

م. زهير الشاعر

تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة التي تهدد المجتمعات في قيمها وابنائها ورموزها، إذ يتعدى خطرها الحروب المسلحة بين الدول، بل إن بعض الدول تستخدمها كسلاح فتاك له مفعول كبير في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق تحرك الآلة العسكرية وقد نجحت في ذلك وحققت نتائج مبهرة، خاصة عندما يكون المستهدف مجتمعات متخلفة، ولا يتوقف خطرها عند هذا الحدّ فحسب بل إنها الأخطر اقتصاديا ، والأدهى اجتماعيا.

لذلك، فإن الشائعة هي ليست ظاهرة مستحدثة أو وليدة اليوم، بل إنها خلقت منذ بدء الخليقة، حيث استخدمها الإنسان كثيرا لزعزعة الأمن والاستقرار عندما أطلقها وصدقها وتأثر بها، لتتبلور في أحضان ثقافته على مرّ العصور متشكلة ومتلونة بملامح كل زمان تظهر فيه.

كما تستهدف الشائعات أمورا معنوية كثيرة، لذا أطلق عليها مسمى الحرب المعنوية أو الحرب النفسية، وتكمن خطورتها في أنها تستخدم ضد أفراد تتوافق مع مزاجهم وتفكيرهم، فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لترديدها دون أن يدركوا مدى خطورتها وأنهم باتوا أدوات غارقة في مستنقعها، خاصة في زمان تضاعفت فيه سرعة انتشارها.

وفي هذا المقال وجدت أنه بات من الضروري الحديث عن هذا الأمر حتى أوضح للقارئ مدى خطورة تناقله لمعلومات بدون التدقيق فيها ، خاصة فيما يتعلق بالأفراد الذين تستهدفهم الشائعات ، من خلال العمل على التشكيك فيهم وعزلهم ومن ثم التخلص منهم ، حتى يتم تحطيمهم وكسر صورتهم أمام مجتمعاتهم.

هذه الأفكار الشريرة بات يتبعها المجرمون من الجهلة الذين تعودوا على تناقل أحاديثهم في صالونات النميمة ، ليفترسوا من خلالها كرامات أناس بريئة، ويعملون على نهش أعراضهم وسمعتهم سواء كان ذلك عن جهل أو غالباً ما يكون بطريقة مأجورة.

لذلك يعمد المأجورين في هذا السياق على رمي كلماتهم المسمومة في تجمعات عامة تغيب عنها الضحية ، ويبدأون بنسج قصص من الخيال تجد طريقها في عقول غائبة تدعي بأنها مثقفة وواعية ، ولكن للأسف الشديد هي غالباً ما تكون مغيبة وجاهلة.

لذلك في ظل أن هناك حقائق شريرة قائمة ، أراها تتمدد وتتشعب ، لا بل أراها تزداد قسوة وشراسة، تتغير مع الظروف وتتلون مع معطيات الأوامر ، فتبث سمومها في إتجاهات عدة، لتضمن بذلك عزلة مطلوبة، من خلال تشكيك خياني في الضحية بدون براهين ولا دلائل ملموسة ، لا بل بحماقات تتعدى روح القانون، وتسقط في مستنقع الحقد والرغبة الجامحة في بث الفرقة والفتن والسموم.

وهنا من المفيد ذكر الموقف التالي لتوضيح فكرة هذا المقال من خلال مثال حي ، فقبل عدة أسابيع كنت في مؤتمر دولي في نيويورك، وتعرفت حينها على أصدقاء كثر من بلاد عدة، منهم من سألني كفلسطيني، عن عضو المجلس التشريعي محمــد دحلان ، كون أن الأخير يمثل هدفاً سهلاً للآلة الإعلامية كلما احتاجته ، وهي التي افترست سمعة الرجل من كل جوانبها ، وكوني شخص نالني من هذا الحب جانباً، وأنا لا أعرفه شخصياً ولم اقابله في حياتي، والأكثر من ذلك لم يحصل بيني وبين الرجل أي معاملات تجارية أو استثمارية تُذكر ، من قبل.

لذلك رددت بهدوء وقلت لهم لو لم ينالني من هذه الشائعات الخيانية قسط ظالم وأنا علي يقين من ذلك ، لا بل أنا منها براء ولا أعرف عنها شيء، بل أسمع بعضها ولا أعرف الأدوات التي تبثها، ولكني أدرك يقيناً من هي أهداف مصادر بثها، وأسباب ذلك، وبالتالي لا يمكنني أن أظلم شخصاً لم أرى منه شيء مما قيل ، بالرغم من إدراكي أن المطلوب مني خلال هذه الروايات المحرضة والمضللة ، على ما يبدو ، هو استقطابي ، لأن اصدق ما سمعته عنه كإمعةٍ لا تملك عقلها، وتبدأ فقط في ترديد ما تسمعه بدون التدقيق فيه، وذلك في سياق الانحياز لحالة فاجرة واضحة ضد حالة لا أعرف عنها شيء سوى ما أسمعه بدون دلائل دامغة وتـأتي ضمن خصومة فاجرة ومناكفات سياسية أو صراع على نفوذ وسلطة ومال، وبالتالي أركان عدم مصداقيتها قائمة!.

قلت لهؤلاء الأصدقاء، على سبيل المثال، يدعي من يبثون هذه الشائعت بغرض خلق الفتن بأن هناك حالة استثمار قائمة لدحلان في مدينة مونتريال الكندية، وكما يقولون أو يتحدثون أو يتسامرون بجهلٍ أو بتكليف هادف ومبرمج ومقصود بأنني أنا المسؤول عن هذه الاستثمارات وأديرها، متجاهلين بغبائهم بأن هذه الروايات لا تختبئ، والمستثمر أي كان لا يخجل منها بطبيعة الحال ، ومن يديرها ينتفع منها ، وبالتالي لا حاجة لنكرانها إن كانت صحيحة كما يدعي هؤلاء الجهلة!.

لذلك وبناءاً على رواياتٍ تشهيرية ورخيصة كثيرة غير صحيحة في هذا السياق، وجدت أنني لست مجبراً على أن أصدق مثل هذه الروايات الوضيعة التي تُحاك ضد رجل أرادوا أن يشيطنوه في ذاكرتنا بدون دلائل دامغة، لا بل باتوا يعربدون ويربطون اسمنا باسمه بدون أن يكون هناك علاقة بيننا قائمة.

هذا بالإضافة إلى أن الحقيقة القائمة تقول أنه فتح بيوتاً كانت مغلقة، وعمر بيوتاً كانت مهدمة، وتكفل بتعليم شباب مخيمات غير مقتدرين في الجامعات وعمل أكثر من ذلك في هذا السياق.

بالمقابل ومن تجربتي الشخصية أيضاً ، أجد من يبث هذه الشائعات هم مرتزقة ومنتفعين لا بل هم ممن يدافعون عن أصحاب مواقف مخجلة وخيانية ، نتج عنها هدم بيوت عامرة ، حُرِمَ من العلاج بسببهم الكثير من المرضى ، لا بل تغولت هذه الأدوات المارقة على كرامة أطفال وحرموهم من تعليمهم ودوائهم وحليبهم ، إذاً من هو الشيطان في هذه الحالة لكي نكون على وعيٍ بتصديق الرواية؟!.

الجواب ببساطة هو ، أن الشيطان هنا يكمن في تفاصيل تلك الروايات الخادعة التي يبثونها عن قصد وبعناية فائقة ، وليس في شكلياتها التي تهدف لتغييب الذاكرة ، لذلك ما الذي يجبرني ويجبر غيري ببساطة على أن نصدق الروايات المضللة التي يستقونها من مصادر مشبوهة وبأمرٍ هدفه الدسيسة ، لبثها بهدف التشويه والتشهير بدون دلائل ملموسة ، أو حتى إشارات مقنعة ، لا بل بدون إدانات قانونية، دامغة في ظل وجود قانون دولي يُعَاقب على أقلها جرماً ويلاحق المجرم الذي يرتكبها قانونياً، لا بل القانون قادر على الوصول إليه مهما علا شأنه واينما تواجد ومهما كانت حصانته.

من هنا ، أليس لنا عقول لنتفكر صحة هذه الشائعات قبل تكرار ما فيها بدون تفكير ، أو السماح لهذه المغالطات لغزوها؟، اليس من المفيد لنا أن نتدبر الحكايات قبل تكرارها وتبني تناقلها ؟! ، أليس هناك ضمير يحاسبنا ويجعل خشية الله في أنفسنا وفي أولادنا وفي صحتنا هي عوامل يتوجب توافرها لردعنا قبل أن نذهب بعيداً في تكرار شائعات التشكيك والتحريض وبث الكراهية التي ترتقي جريمتها حد الخيانة الإنسانية والأخلاقية والدينية والوطنية؟!.

فمن هو دحلان الذي يريدون لنا أن نراه كإمبراطور لا يُقهر أو كشيطان مدسوس يتحكم في هذا الكون ويحيك المؤامرات ضده، لا بل، يريدون لنا أن نقنع أنفسنا بأنه الشيطان الأكبر الذي تحدثت عنه الكتب السماوية المقدسة، والذي يعيث فساداً في الأرض منتظراً المهدي المنتظر الذي يعملون على جلبه هؤلاء الأشرار ليقضي عليه!.

في الوقت نفسه يتغابون بتسويق روايات مضحكة ، وأقلها تقول بأن ورائه دول عظمى ، في الوقت الذي تشير فيه المعلومات بأنه لم يقم بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال منذ عشرة أعوام ولم يستطع الحصول على تأشيرتها ، في تناقض صارخ مع الواقع الذي يريدون أن يغزون فيه عقولنا، لا بل حُرمت زوجته من الحصول على تصريح دخول من جسر اللنبي ما بين الأردن والأراضي الفلسطينية للعبور عبر الضفة الغربية إلى قطاع غزة ، اليس في هذا دلالة أخرى على الاستخفاف بعقولنا من خلال الشائعات التي تبث ضد هذا الشيطان المزعوم بهذه الوحشية ؟!.

أخيراً ، هؤلاء الأشرار يجبروننا بلا شك بأن نتعاطف معه كضحية حتى لو كان شيطان في الحقيقة، ويبدو بأن الجهلة الذين يبثون الشائعات لا يعرفون بأنه لا يمكن له ولا لغيره أي كان ومهما علا شأنه أن يشتري الأحرار الذين يدركون معنى الكرامة، وبالتالي لا تستطيع أي جهةٍ كانت مهما بلغت التحديات والضغوطات النفسية والمعنوية والتشويه والتشهير ، أن تشتري أناس هم أصحاب هامات مرفوعة شامخة ، وأصحاب ضمائر حية يعيش أصحابها حياة مستورة ومطمئنة بأن الله لن يترك الأشرار يعيثون فساداً برمي كراماتهم والمس بسمعتهم ويعملون على التشهير بهم بدون وجه حق ولا دلائل دامغة، و ستنكشف حينئذٍ خطورة خيانة التشكيك وبث الشائعات التي يقومون بها!.

اخر الأخبار