"مفاجأت روسية" شرق أوسطية!

تابعنا على:   10:53 2017-10-19

كتب حسن عصفور/ من المرات القليلة التي يحضر بها مسؤول دولي لزيارة تل أبيب، ولا يجد طرقه لزيارة رام الله، حيث مقر السلطة الفلسطينية الرسمي، الى حين أن تصبح القدس عاصمة محررة لدولة فلسطين المرتقبة، حيث "التقاليد السياسية" فرضه المؤسس الخالد الشهيد ياسر عرفات منذ نشأة السلطة الوطنية عام 1994، ورسخ ذلك تأكيدا على مكانة فلسطين الرسمية والدولية..

ولكن، سجلت روسيا خروجا عن ذلك "التقليد"، عندما وصل وزير دفاعها سيرجي شويغو، الاثنين 15 أكتوبر 2017 الى تل أبيب، في زيارة استمرت عدة أيام، دون أن يطرق باب رام الله، ولا بمكالمة هاتفية، وبالقطع، لا يمكن اعتبار عدم زيارة وزير الدفاع الروسي الى مقر محمود عباس وحكومته، تجاهلا سياسيا بالمعنى المتداول، بقدر ما كان رسالة الى تل أبيب وواشنطن، حول المهمة الرئيسة التي حضر من أجلها، المتعلقة بالجبهة الشمالية مع سوريا، وبحث سبل المشهد فيما بعد الهزيمة الكبرى لداعش، والعلاقات السورية الاسرائيلية، وعلاقة ايران وحزب الله في مستقبل الترتيبات التي بدأت ملامحهما تطل مع زيارة شويغو..

روسيا بدأت في صياغة أركان التسوية للمسألة السورية بكل عناصرها، سواء ما يتعلق بمستقبل الدولة ونظامها، بل ودستورها القادم، ومؤتمر اعمار سوريا، والدور العربي خاصة المصري في ترتيبات جوهرية تخص المسألة السورية، وأيضا ما يتعلق بمستقبل التواجد الايراني العسكري والسياسي، وقوة حزب الله المتنامية، الى جانب القوة العسكرية الروسية في سوريا والبحر المتوسط، قواعدا واسطولا وأنظمة سلاح متطورة، خاصة منظومة الصواريخ أس 400 التي عرفت طريقها للأرضي السورية..

"عناصر التسوية" بدأت تلوح في أفق دون ترتيبات كبرى، وعلى الطريقة الروسية في سوريا عبر المبدأ الجديد في سلوكها "فكفكة العقد عقدة عقدة"، وكأنها تعيد استنساخ مبدأ كيسنجر الشهير "الخطوة خطوة".

ومقدمة ذلك التطبيق كشفته صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية، التي تصدر باللغة الانجليوية، عن موافقة روسيا عبر وزير دفاعها، بتوسيع المنطقة العازلة عند الحدود السورية الإسرائيلية الى 10 - 15 كم، بعد أن طالبت تل أبيب أن تكون بعمق 40 كم، وهو ما رفضته روسيا..

المؤشر من هذه المعلومة، التي لم تنف من الأطراف ذات العلاقة، روسيا واسرائيل، سوريا وايران وحزب الله، انها تعلن قيام موسكو الدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل حول المستقبل نيابة عن تحالفها "السوري - الإيراني وحزب الله"، وهي المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي أن يحدث ذلك التفاوض بالإنابة..

هذه المعلومة تشير الى أن التفاوض قد بدأ عمليا من الجانب الأكثر قلقا تاريخيا لدولة الكيان، وهو عنصر الأمن، والذي أصبحت روسيا تتحكم به الى حد كبير من خلال البوابة السورية، وبالتوازي اتصل نتنياهو، بعد زيارة شويغو يوم الأربعاء 18 أكتوير بالرئيس الروسي بوتين لبحث الملفين السوري والإيراني..

وبالتزامن مع التحرك الروسي على الجبهة الشمالية، وجه المندوب الروسي في الأمم المتحدة انتقادا حادا لكل من أمريكا واسرائيل، خلال جلسة مجلس الأمن، يوم الأربعاء 18 أكتوبر، التي كانت مخصصة لبحث قضيتي الشرق الأوسط وفلسطين، بعد تجاهلهما الحديث عن القضية الفلسطينية، مكتفيين بالهجوم على إيران.

المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، قال "هذه الجلسة ليست مخصصة للحديث عن إيران أو عن الاتفاق النووي، نحن هنا للحديث عن مشكلة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية".

وفيما يشبه "المفاجئة السياسية" إن لم تكن مفاجئة كاملة الأركان، أعلن المندوب الروسي أن بلاده تدعو إلى عقد قمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في موسكو".

ما حدث من المندوب الروسي، قد يكون نادرا ومنذ سنوات بعيدة، وتحديدا بعد نهاية العصر السوفيتي، انتقاد مباشر وصريح دون أن يجد صدا أو انفعالا من واشنطن وتل أبيب، وأكمل قنبلته السياسية بالاعلان عن دعوة طرفي الصراع الفلسطيني والاسرائيلي الى قمة في موسكو، وهي المرة الأولى التي تبادر بها روسيا للتدخل المباشر في مسار التفاوض - اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية، ما يكشف أن هناك "ترتيبات جارية" للبحث عن "تسوية سياسية شاملة" في المنطقة، بوابتها فلسطين مع ما بها أيضا من بعد أمني مصاحب للجبهة الشمالية، حيث الجبهة الجنوبية وما تمثله من قوة سلاح تفوق كثيرا ما كان سابقا، فالحديث عن "ترسانة متطورة" تملكها حماس ومعها الجهاد الاسلامي، فرض تواصلا روسيا خاص، مع مصر وحماس، وتجاهل عباس، لبحث تلك المسألة استباقا لأي تسوية محتملة..

مفاجآت روسيا لن تقف عن حدود "جس النبض"، كما يعتقد البعض، بل تذهب بعيدا الى "هندسة الصفقة الكبرى" لتكون قاعدة "الحل الاقليمي" المنتظر..

روسيا تحركت بخطى تفوق حركة "الدب الروسي" التقليدية، تحرك متعدد الجبهات ومتنوع الأشكال..الحل قادم تأكيدا، ولكن كيف سيكون، تلك هي المسألة التي تستحق بحثا حقيقيا من أطراف المعادلة الوطنية الفلسطينية خاصة في لقاء القاهرة القادم يوم 21 نوفمبر 2017..

ملاحظة: كيف لعضو تنفيذية منظمة التحرير أن يعلن نفيا قاطعا لما تسرب عن احالة آلاف من رجل الأمن الى التقاعد، ليخرج ضابطا ع ويؤكد الاحالة..ليت البعض يحترم ما تبقى من مظهر للإطار التمثيلي ويصمت عندما لا يعرف..الصمت ملح الرجل في "الزمن العباسي"!

تنويه خاص: فتح فتحت النار على اعلاميين مصريين وسفراء سابقين للمرة الأولى منذ زمن..شكلها مقبلة على "معارك اعلامية - سياسية" من كل حدب وصوب..القادم أسود لمن يستغفل أهله!

اخر الأخبار