تغير الولاءات الحمساوية وفقًا لفرصها السياسية

تابعنا على:   11:36 2017-10-17

د.عقل صلاح

أن حركة الاخوان المسلمين في فلسطين بدأت كحركة اجتماعية دعوية عازفة عن العمل المقاوم والسياسي في الوقت الذي انخرطت فيه كافة التنظيمات الأخرى في الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وعزوفها عن الجهاد دفع الاحتلال للتغاضي عن نشاطاتها تمهيدًا لتكون بديلًا لمنظمة التحرير التي حاول الاحتلال تحجيمها. لذلك في تلك الفترة التي كان فيها الاحتلال يستهدف التنظيمات دون المساس بحركة الاخوان لم يكن للاخوان العديد من الموالين والأنصار بالرغم من كونهم "حركة إسلامية" لأن الشعب في ذلك الوقت كان معنيًا بزوال الاحتلال ومؤيدًا للمقاومة.

ولكن مع انطلاق حركة المقاومة الإسلامية حماس والذي تزامن مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، وانخراطها في العمل المقاوم عام 1991 أسوة بباقي التنظيمات، تغيرت نظرة المجتمع للحركة. فبالرغم من أن حماس أعلنت عن نفسها كفرع من أفرع الاخوان المسلمين إلا أنها استطاعت أن تغير من هيكل الفرص السياسية لصالحها أولًا من خلال التسمية التي احتوت على "المقاومة" و"الإسلامية" فمزاوجة المقاوم مع الإسلامي على المستوى النظري والعملي حقق للحركة تأييدًا شعبيًا. وثانيًا اندماج كافة مؤسسات حركة الاخوان المسلمين تحت مظلة حركة حماس دليل واضح على أن خطاب حماس الإسلامي المقاوم لقي صدىً لدى الأوساط الشعبية مما دفع الحركة للتخلي عن اسم الحركة الأم لبتدأ عهدًا جديدًا ملغية عهدًا من السكون

فقد شكلت الانتفاضة الأولى فرصة كبرى لحركة الاخوان تمثلت بنشأة حماس في ظل التغير في السياق البيئي، فإدراك الحركة للتغير الخارجي الذي طرأ على الساحة السياسية - والذي تمثل باندلاع الانتفاضة - أدى إلى استغلالها لهذه الفرصة لتغيير واقعها، واثبات نفسها في ساحة المقاومة، وساعدها على ذلك القراءة الصحيحة للتغير السياسي وقدرتها الفائقة على اقتناص واستغلال الفرصة التي أدركتها.

ومن ثم جاء اتفاق أوسلو سنة 1993 الذي حدد فرص حماس السياسية لفترة زمنية قصيرة، ومن ثم عادت فرصها بالازدهار بعد فشل أوسلو في تحقيق أهدافه. وعملت حماس على خلق المزيد من الفرص السياسية بتطوير عملها المسلح وصولًا إلى العمليات الاستشهادية وحصدت مزيدًا من التأييد الشعبي. وهنا نسجل أن عمل حماس العسكري كان له الدور الكبير والمؤثر في الساحة الفلسطينية بالرغم من قصر عمر تجربتها العسكرية.

فمنذ نشأة السلطة، وحماس تعيش في ظل نظام سياسي مفتوح لم يمنعها أبدًا من المشاركة في مؤسساته، ومع ذلك رفضت الحركة المشاركة، إلا أن السلطة عملت في نفس الوقت على قمعها، واعتقال قادتها وأعضائها بعد كل عملية كانت تقوم بها ضد الاحتلال واستمر ذلك حتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث قامت الحركة باستغلال هذه النافذة السياسية لتكثف من عملياتها العسكرية ضد الاحتلال، وتقدم العديد من القادة الشهداء أبرزهم مرشدها الروحي الشيخ أحمد ياسين وكل ذلك ساهم في صعود نجمها على حساب حركة فتح.

إلا أن حركة حماس بدأت تبدي مرونة أيديولوجيةً بعدما أثبتت نفسها على ساحة المقاومة وبدأت تشق لنفسها طريقًا في العمل السياسي، وبالأخص بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع على إثر ضربات المقاومة، والذي رأت به حماس والشعب الفلسطيني انجازًا لم يحقق مثله مسار المفاوضات، فتولدت قناعة لدى الأوساط الشعبية أن لغة المقاومة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال. فلم تكتف حماس بكونها أصبحت تنظيمًا له تأييد شعبي واسع ومعترف به على الساحة الفلسطينية، وإنما أرادت أيضًا بعد وصولها لهذا المستوى أن تقوم بإصلاح وتغيير النظام السياسي، ويتضح ذلك من خلال الولوج عبر النافذة السياسية المتمثلة بانعقاد الانتخابات التشريعية لعام 2006 وقبولها للمشاركة فيها تزامنًا مع الوقت الذي ازدادت فيه فرصها السياسية وشعبيتها، وبعد فوزها في الانتخابات التشريعية الثانية شكلت الحكومة العاشرة لوحدها ومن ثم تشكيل الحكومة الحادية عشر مناصفة مابين حركة فتح وحماس ولكنها لم تعمر بسبب الحسم العسكري سنة 2007.

وفضلا عن كل ما تقدم، كانت حماس مع حلف الممانعة لحين اندلاع ما يسمى بالربيع العربي سنة 2012 ومن ثم انقلبت على سوريا واستقرت في قطر مع حلف الإخوان. ومن ثم تفجرت الأزمة الخليجية في23أيار/مايو2017 حيث تم التضييق على حماس من قبل قطر وخروج بعض قادتها من قطر بعدما تم طردهم من تركيا تحت نفس الضغوطات والتخلي التركي والقطري عن الوعود السابقة. ومن ثم غيرت حماس من جديد ولاءاتها السياسية محاولة ترميم علاقاتها مع حلف الممانعة والتقارب مع التيار الإصلاحي بقيادة محمد دحلان عدوها اللدود. وتواصل حماس التغيير المتسارع في مواقفها تجاه التفاهم مع جهاز المخابرات المصرية، وقبلت بحل اللجنة الإدراية من أجل إتمام المصالحة، كل هذه التطورات والولاءات المتقلبة سبقها إصدار حماس لوثيقة السياسات العامة الجديدة في بداية أيار/مايو المنصرف التي اقتربت لحد كبير من ميثاق منظمة التحرير المعدل. فكل ماسبق يؤكد أن من يحكم حماس مصالحها وليست ثوابتها، فحماس في الحكم هي حركة فتح ولكن الأولى تدرك الفرص السياسية وتفتح فرص جديدة على عكس حركة فتح التي ترزخ تحت وطأت الخلافات الداخلية والضغوط الخارجية بظل غياب مبدأ القيادة الجماعية، بينما حماس يحكمها نظام المؤسسة وليس نظام الفرد.

ويتجلى مما سبق، أن حماس ذاهبة لمشروع كبير شبيه بما قامت به قبل انتخابات عام 2006 وعينها على كرسي الرئاسة الذي سيكون المرشح له رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل وتسعى للاندماج التام في منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم السيطرة عليها من خلال المشاركة في انتخابات المجلس الوطني وإنجاز هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. 

اخر الأخبار