إقليم عربي.. أم ماذا؟

تابعنا على:   12:34 2017-07-27

جميل مطر

في الإقليم الذي نعيش فيه، وعلى حدوده، وفي العالم الخارجي يتحدثون عن مصيره، يخمنون الهوية التي سوف يعرف بها النظام الإقليمي الجديد. يرشحون دولة عربية، أو مجاورة للعرب لتقود، دولة تزيد الأمور تعقيداً، أو ترفع عن كاهل شعوبه المتاعب وإرهاصات الخوف من المستقبل. يراهنون على حروب أهلية ناشبة سوف تستمر، وأخرى يتعب متقاتلوها، أو تأمر دولة عظمى فتهدأ، أو تتوقف. يطلقون الأوصاف الجريئة على دول جريحة، وعلى دول بحكومات جارحة، هذه دول «فاشلة»، وهذه أشباه دول، وهذه دول «صناعية»، يعني اصطنعها ورسم حدودها الغرب كأن معايير وستفاليا توافرت لمعظم دول العالم، ولم تتوافر لأمم الشرق الأوسط. نسمع عن «سايكس - بيكو» الذي «مات»، فالنظام الإقليمي العربي انفرط، أو هو ينفرط، والدول التي «اصطنعها» الدبلوماسيان البريطاني والفرنسي في عام 1916 على وشك الانفراط هي الأخرى. ولا يزال الاهتمام بقصة سايكس بيكو عند أوجه، المسؤولون والأكاديميون، وحتى الرأي العام، كلهم يسألون ويبحثون.
ومن المفاهيم التي قيل إننا نحن الذين ابتدعناها، أو تسببنا بصنعها مفهوم «الإرهاب»، الذي رغماً عن خطورته وتبعاته المدمرة، لا يزال لا يحظى بتوافق عام على ما يعنيه في الحقيقة.
لا خلاف، في رأيي، بين المهتمين بقضايا الإقليم العربي وجواره على أن الإقليم يعيش مرحلة خطيرة من مراحل تطوره، انحداراً أو صعوداً. لا نختلف، رغم اتساع مروحة اختلافاتنا على أمور أخرى، على أن الإقليم يشهد حالة عدم استقرار سياسي لم يشهد مثيلاً لها من قبل. نشبت في الإقليم حروب أهلية، كالحرب في لبنان، والحرب في الجزائر، والحرب في الصومال، وحروب مسلحة كالحرب الأولى في اليمن، وحروب مع الجوار كالحرب العراقية الإيرانية، ولكن لم يحدث أن كان التوتر السياسي شاملاً وعلى قدر من الحدة وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل كالحادث الآن، وبالدقة منذ ستة أعوام. يشهد أيضاً حالة غير عادية من «التعبئة الاجتماعية». الناس في مواقع كثيرة معبأون بدرجات غير متفاوتة من الغضب، أو مشحونون برغبات عارمة نحو التمرد. في تركيا يخرجون إلى الشارع رافضين النزوع إلى الاستبداد، أو منحازين إلى حقوق الأقليات، وفي العراق عين على الحرب الدائرة للتخلص من «داعش»، وعين على ما بعد التخلص من «داعش»، والعينان لا تغفلان. وفي سوريا هل هو عود على بدء، أم عودات إلى مناطق تهدئة عما قليل تصير مناطق حكم ذاتي متصلة ببعضها بعضاً، أو تفصلها عن بعضها بعضاً ثقافات وعادات وتفاهمات مختلفة. فلسطين ليست استثناء، فالمصير يشترك في تقريره، حكام كثيرون لا يؤمنون بحق تقرير المصير لشعوبهم، فما بالك بحق تقرير شعب آخر عتموا عليه طويلاً حتى خرج من تحت أيديهم في بلادهم جيل جديد لا يعرف عن فلسطين ما كنا نحن الأجيال الأقدم نعرف، ونلقن، ونحمي.
صعوبات عدة تنتظر القادم من مشروعات بناء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، أو تحديث النظام القائم. الصعوبة الأولى في مقدمة الصعوبات الأهم هي «فقر» القيادة، أو عجزها. لا شك أيضاً في أن العقبات التي تمنع التوافق الإقليمي على هوية جامعة تشكل الصعوبة الثانية. نذكر الآن أياماً ضاعت من فرص التقدم والانطلاق نحو المستقبل، أضعناها نجادل في أيهما تكون الهوية الرئيسية لنظامنا «العربي» العروبة، أم الإسلام. لم تكن الانتماءات الطائفية والعرفية تمثل عقبات، فهذه انضمت حديثاً لتزيد المصير غموضاً وتعقيداً.
الصعوبة الثالثة، وكانت قائمة ولكن كامنة، هي ترسيم أو تصحيح الحدود، سواء تلك التي خلفها سقوط الإمبراطورية العثمانية، أو التي أهملها وتغافل عنها حكام عهد ما بعد الاستعمار. أظن أن هذه الصعوبة لم تتفاقم في العقود الماضية إلى الحد الذي يهدد استمرار النظام الإقليمي، أو إحدى منظماته الفرعية لأسباب مفهومة. من هذه الأسباب الدور الذي كانت تلعبه الهوية الكلية للمنطقة كأيديولوجية حيناً، وتبريراً حيناً آخر.
الصعوبة الرابعة وليست الأقل شأناً، هي استمرار الارتباك والتخبط في وضع سياسات إقليمية، وقطرية لوقف «الربيع العربي». أقولها مرة أخرى، ولن أتردد في قولها مرات ومرات، أقول إن الدول العربية لم تتعامل بكفاءة، ومهنية مع «الربيع العربي». أقول أيضاً إن قليلاً من الكوارث التي أصابت الشرق الأوسط خلال العقد الأخير وقعت بسبب ثورة «الربيع العربي»، بينما الكثير من الكوارث وقعت، وما زالت تقع، بسبب الأعمال غير الرشيدة التي قامت، وتقوم بها حكومات كثيرة في المنطقة لوقف ثورة تكاد تكون مستمرة.
الصعوبة الخامسة هي أن العالم، وأقصد النظام الدولي، دخل منذ فترة مرحلة انتقالية ولم يخرج منها بعد. غير واضح تماماً إن كانت ستكون لأمريكا القيادة في النظام الدولي والنفوذ الأقوى في الشرق الأوسط. ففي ظل الوضع القائم قد تتمكن دولة إقليمية منفردة، أو متواطئة مع دولة أجنبية لتفرض وضعاً إقليمياً جديداً، أو قد تدعو دولة إقليمية أخرى لمشاركتها قيادة الإقليم. يجب أن نخشى أيضاً من تداعيات الوضع القائم الذي يمكن أن يسمح لروسيا وأمريكا بالتعاون في إقامة نظام إقليمي ينفذ رؤية مشتركة لمصير الشرق الأوسط، رؤية لا تراعي هويتنا.
***
جدير ألا نستهين بالحال الراهنة للنظام الإقليمي العربي وحال جامعة الدول العربية باعتبارها المؤسسة التي تمثله، وتحمل فكرته، وتحاول تحقيق أحلامه وأهدافه. لا أبالغ، ولكني أعتقد عن حق، أن نجاحنا أو فشلنا في إقامة نظام إقليمي يعتنق الهوية المناسبة، ويضمن أمن الشعوب وحقوقها ورخاءها، هو الإجابة عن سؤال قديم جديد طالما ردده أبناء هذه الأمة، نكون أو لا نكون؟.
عن الخليج الاماراتية

اخر الأخبار