قراءة سياسية للتفاهم الفلسطيني الدوافع والتحولات والرفض

تابعنا على:   14:03 2017-06-24

حمادة يوسف فراعنة

- الحلقة الثانية -

هل وُلد التفاهم الحمساوي الفتحاوي ميتاً ؟؟ زوبعة في فنجان، أو أن الجمل أفرز حالة ضعيفة لا يستحق المهابة والخوف والقلق ؟؟ لسان حال خصوم التفاهم مقولة أبو عمار الشهيرة : « يا جيل ما يهزك ريح «، فقد تعودت حركة فتح أول الرصاص أول الحجارة على مثل هذه المؤامرات من جوف خصومها وأعداء شعبها، فقد خبرت الانشقاقات والتحالفات وجبهات الرفض ومحاولات الانقاذ، وكانت حصيلتها مسخ الشكل والمضمون، في الأداء وفي الجوهر !!

ذلك هو التحدي، هو التحديات، فاذا كان خصوم التفاهم يستحضرون تاريخ الانشقاقات، ومحطات الرفض الثورجية، فالذين انحازوا، للتفاهمات، يردون على ذلك بقولهم فتح لم تعد فتح، والخروج على الشرعية ليس أسيراً لمعارضة قزمة، بل حالة من الحضور السياسي والتنظيمي لا تقل مكانة عن حركة فتح القائمة، فالمقارنات ليست وجيهة، والصعود الفتحاوي الوطني الفلسطيني ليس حاضراً اليوم، بل التراجع والانحسار والتنازلات هي مفردات الواقع الذي يستهدف حماية الرأس، والسلطة، و « ما تبقى من وطن «، على حد وصف الكاتب السياسي المشاغب حسن عصفور .

في نهاية هذه التساؤلات هل يستحق تفاهم 11 حزيران فرد حلقتين من الكتابة الرصينة لكاتب يدعي الانحياز للشرعية، وهو يُروج بحق أو بدون حق لمن هم ضد الشرعية ؟؟ أسئلة نسوقها سلفاً نحو تفهم الاستدلال على مسار يحفظ للشعب الفلسطيني مواصلة صموده على أرض وطنه، وانتزاع حقوقه المهدورة، واستعادتها، وللأردنيين والعرب والمسلمين والمسيحيين رهان دعمهم الصائب نحو العنوان الذي يستحق أن يقفوا معه دون مواربة، حتى لا يخسروا ما كانوا قد قدموه، بل يتوسلون الحفاظ عليه وتطويره باعتباره خطوة، مدماك، اضافة نوعية تراكمية، على طريق تصحيح مسار النضال والثورة المتعرج متعدد الأدوات والحلقات، لعل الحالة الفلسطينية تتحرر من تبعات الانقسام الأسود، وتتجاوز الأحادية والتسلط والتفرد التي ورثتها خلال العشرية السابقة من السنوات العجاف التي أعاقت وأخرت، والانتقال بها نحو طريق الشراكة، والتحالف الجبهوي، والتعددية المطلوبة، لتحيق الأهداف الوطنية التنظيمية الضرورية الثلاثة :

1 – برنامج سياسي مشترك .

2 – مؤسسة تمثيلية موحدة هي منظمة التحرير وسلطتها الوطنية .

3 – أدوات كفاحية متفق عليها .

رفض وعدم يقين مشروع

ليس غريباً ولا مستبعداً الجملة المتداولة المعبرة عن موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولجنته المركزية وقياداته المتنفذة قولهم : « شراكة مرفوضة «، تعبيراً عن موقفهم المسبق ولسان حالهم رفضهم مذكرة التفاهم التي تم التوصل اليها يوم الأحد 11 حزيران 2017 في القاهرة بين حركة حماس وبين التيار الاصلاحي الديمقراطي الذي يقوده النائب محمد دحلان من داخل صفوف حركة فتح، ذلك أن ضربتين بالرأس تُوجع، فيكفي الصراع والخلاف مع طرف حركة حماس التي قادت انقلاباً دموياً ضد فتح وضد رئيسها وشرعيته وسقط ضحايا بسبب ذلك، فكيف الحال والموقف حينما يكون الخلاف والخصومة مع طرفين الأول خصم حركة فتح السياسي الأقوى حركة حماس والثاني الأكثر بلاء الخصومة التنظيمية مع فريق دحلان الذي يقود أكثر من ثلث نواب حركة فتح لدى المجلس التشريعي، وهو ثقل لا يتمتع به أي من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح المنتخبين من عضوية المؤتمر السابع لحركة فتح يوم 29/11/2016 ؟ .

اذن هذا متوقع، كعقبة محسوبة في وجه التفاهم والاتفاق الذي وقع بين طرفي الأزمة فتح وحماس، وكما هو متوقع محاولات الرئيس أبو مازن في مسعاه لاحباط ما وقع، وهو الخبير في احباط مواقف وسياسات وتطلعات خصومه، فقوته تكمن في ضعفه، وضعفه مطلوب وفق قياسات العدو الاسرائيلي ومعه الولايات المتحدة، اللتان تعملان على فرض تسوية مهينة لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، مستفيدين من الانقسام الفلسطيني، وموظفين الحروب البينية العربية التي تحولت بفعل فاعل غير نظيف الهدف الى حروب بينية اسلامية جسدها وعبر عنها بقوة « مؤتمر الرياض الأميركي الاسلامي « يوم 21/5/2017 « الذي اخترع العدو الايراني بديلاً للعدو الوطني والقومي والديني : المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي .

والرفض والتردد وعدم الحماس لم يقتصر على فريق الرئيس الفلسطيني، رئيس حركة فتح ولجنته المركزية المعبرة عن مقولة « الشراكة المرفوضة « بل ثمة فريق أخر من حركة حماس لازال متشبثاً بارثه التسلطي الانفرادي الأحادي، ولم تصله بعد التعميمات الحزبية الداخلية من قبل قادة حماس عن فحوى اتفاق التفاهم وأهميته الذي يوفر للحركة فرصة النزول عن الشجرة، وقدم لها شبكة خلاص من مأزق الموقف الذي وقعت فيه بمطالبتها باتخاذ موقف حاد أبيض أو أسود : 1- أن تكون مع راعيها العربي دولة قطر أو أن تكون مع 2- السعودية التي تتهما بالانتماء الى معسكر الارهاب، أمران أحلاهما علقم ! دوافع التحسس من نتائج تفاهمات 11 حزيران 2017، ورفضها مفهومة لدى الطرفين في عدم قبول فتح لاتفاق التفاهم، فقد كان كل منهما يُشيطن الآخر، وكلاهما نصف حلقة الشيطان في معيار الرئيس ولجنته المركزية، ولكنهما قفزا من حقل الشيطنة ووصلا الى تفاهم يتوسلا من خلاله وضع أرضية واقعية لشعبهما في قطاع غزة بديلاً للتفرد والسيطرة واللون الواحد، بحثاً عن منافذ وشبكة خلاص لمشاكلهما المتصادمة، ليضعا تفاهماً بحوزة الشراكة كعاملين لم يفلح أحدهما في انهاء الأخر بعد عشر سنوات من الشيطنة والأذى السياسي الذي أوصلهما الى الطريق المسدود، وباتا أمام خيار وحيد أن يجلسا معاً ويضعا تفاهماً واتفاقاً مهماً ان واصلا العمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فالاتفاق أولياً لن يصطدم مع معيقات اقليمية عربية لأن معه على الأقل بلدان عربيان هما مصر والامارات، فمصر لها مصلحة أمنية في نجاح الاتفاق وهي تكسب ولن تخسر من عقده ورعايته وتوفير مظلة له، والامارات ان لم تكن مظلة وراضية لما دفعت من تتبناه « تيار الدحلان « كي يُقدم على مثل هذا الاتفاق، فمن الناحية السياسية والبرجماتية لها مصلحة في الاتفاق والتفاهم ويمكن تسويقه عربياً لأنها تسحب البساط الحمساوي من حضن قطر وتجذبه بعيداً عن مخططات الدوحة الاقليمية، والا وان لم تكن كذلك، فكيف ستوفر التغطية المالية للمصالحة المجتمعية وفق ما تم التفاهم عليه ويحتاج لمبلغ حوالي 50 مليون دولار ستدفعها الامارات راضية مرضية لتنفيذ ما تعهد به النائب محمد دحلان لأسر ضحايا الانقلاب وتداعياته لانهاء دوافع الثأر العشائري على خلفية القتل التي وقع خلال العشر سنوات الماضية، وها هو النائب ماجد أبو شمالة الذي تسلم الملف ينوي العودة الى غزة لتنفيذ ملفات هذا الموضوع، والتعويض على عائلات الضحايا من الطرفين .

أهمية التفاهم

مذكرة التفاهم أطلق عليها تفاهمات أولية، نظراً لادراك الذين صاغوها حجم المعيقات المعترضة المتوقعة، ولكن النتائج الايجابية المتوقعة ستقدم للأطراف مكاسب صافية، فهي تقدم لمصر الأمن المطلوب تعويضاً عما هو مفقود، ولذلك جاء من يُوقع من جانب حماس قادتها العسكريين روحي مشتهى مفوض التعبئة لدى القوات، ومسؤول الأمن الداخلي اللواء توفيق أبو نعيم، ونائب قائد قوات القسام مروان عيسى نائب القائد محمد الضيف، وعلى رأسهم يحيى السنوار القائد المنتخب لحركة حماس في قطاع غزة اضافة الى موسى أبو مرزوق الذي وصل متأخراً الى القاهرة بعد أن وصلته مقدمات النتائج كي يطلع عليها ويحملها عائداً الى رفاقه أعضاء المكتب السياسي في بيروت وغيرها من مناطق التواجد المتعددة .

 والأكثر أهمية ما سوف يتحقق

والأن وبعد أن سقط التحفظ ووصل الاتفاق الى مؤسسات صنع القرار الحمساوي، وأعلن رسمياً صلاح البردويل عضو المكتب السياسي يوم 18 حزيران عن اتفاق التفاهم، أصبح الاتفاق برسم خطوات التنفيذ لدى الأطراف الثلاثة كل منهم عليه واجبات والتزامات :

1 – الجانب المصري الذي رعاه وسهل التوصل اليه، سيقدم خدمات فك الحصار التدريجي عن قطاع غزة وتسويق الاتفاق عربياً لدى الحلفاء والأصدقاء شارحاً قيمته ومغزاه، ويقوم بتزويد محطة الكهرباء بالوقود، وها هو الوقود وصل الى غزة منذ يوم الأربعاء 21/ حزيران /2017، وبتغطية مالية من الامارات .

2 – الجانب الحمساوي عبر سلسة اجراءات داخلية لفك شيفرة التفرد وهيمنة اللون الواحد والحزب على مقدرات قطاع غزة، وفتح بوابات الشراكة الوطنية في ادارة القطاع وكما قال صلاح البردويل نصاً وعلناً أن الاتفاق يهدف الى المصالحة مع كل الأطراف وفي مقدمتهم حركة فتح والرئيس محمود عباس، كما سيصار الى اجتماع المجلس التشريعي الشق الثاني من الشرعية الفلسطينية التي يمثلها الرئيس المنتخب محمود عباس، وسيتم الاتفاق على انتخاب شخصية مستقلة لرئاسة المجلس التشريعي بديلاً لرئيسه الحالي الحزبي عبد العزيز الدويك من حركة حماس، ليكون الرئيس المقبل قاسماً مشتركاً لمختلف الاتجاهات الفلسطينية، تمهيداً لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، والرئيس المقبل للمجلس التشريعي من المرشحين وهم : سلام فياض، مصطفى البرغوثي، قيس السامرائي أبو ليلى من الجبهة الديمقراطية أو بسام الصالحي من حزب الشعب .

3 – الجانب الفتحاوي الذي مثله سمير المشهراوي والنائب ماجد أبو شمالة وقيادات من تيار الاصلاح الفتحاوي عليهم التزامات بالموافقة على توفير النصاب لعقد المجلس التشريعي تنفيذاً لاتفاقي الأسرى والقاهرة وغيرها من الاتفاقات الموقعة من قبل كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها تشكيل حكومة وحدة وطنية تحت ولاية الرئيس محمود عباس .

4 – وثمة طرف رابع لم يكن موجوداً، ولكنه حاضر في الذهن وفي القرار وفي تغطية الاحتياجات الضرورية وهي دولة الامارات التي ما كان لهذه التفاهمات أن تتحقق لولا موافقتها المسبقة على ما تم التوصل اليه .

ردود واقعية لم تكن متوقعة

في أول ردة فعل فتحاوية، من قبل اللجنة المركزية لحركة فتح التي عقدت اجتماعها يوم 19/ حزيران 2017، برئاسة الرئيس محمود عباس أعلنت بيانها الذي تضمن ثلاث خطوات مهمة هي :

1 - رفض اللجنة المركزية لهذه التحركات المشبوهة ومحاولات فرض الوصاية على قضيتنا والمس بالمحرمات الوطنية وعلى رأسها استقلالية ارادتنا وقرارنا وحقنا في صياغة النظام السياسي من خلال عملية ديمقراطية، واحترام سياجنا الوطني وبوابته الشرعية منظمة التحرير الفلسطينية .

2 - المبادرة لاعادة صياغة علاقة الحركة مع فصائل منظمة التحرير لضمان حماية مشروعنا وتحصين جبهتنا الوطنية على قاعدة برنامج الاجماع الوطني.

3- مواصلة الجهد لانجاز وحدة وطنية فلسطينية مع حركة حماس قاعدتها وحدة الوطن والشعب والقضية والقيادة وفق برنامج اقامة الدولة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتعزيز وتطوير المقاومة الشعبية وبناء شراكة من خلال انتخابات ديمقراطية .

موقف حركة فتح هذا، يحمل الرفض، ولكنه يتوسل متأخراً تقديم البديل باتجاهين الأول نحو فصائل منظمة التحرير حيث أدركوا أهميتها متأخرين، ونحو حماس بعد أن أدركوا المتغيرات التي صابها بفعل ثلاثة عوامل : 1- وثيقتها السياسية، 2- قيادتها الجديدة، 3- وضعها على قائمة التنظيمات الارهابية .

اتفاق تفاهمات 11/ حزيران محطة مهمة، ومقدمة ضرورية لبناء ما سيتم لاحقاً على قاعدة هذا الاتفاق وتداعياته وافرازاته .

اخر الأخبار