أبو مازن وحماس وبينهما دحلان: غزة على طريق السلام الإقليمي

تابعنا على:   19:55 2017-06-23

د. علاء أبو عامر

خطوة سياسية قد تكون أبعد من إدخال الوقود المصري لقطاع غزة هذا ما توحي به الخطوة المصرية أو هذا ما يروج له أنصار النائب محمد دحلان ومعهم فريق كبير من حماس. لقد تم وضعَّ الرئيس أبو مازن في الزاوية حيث تم إفشال مخططه بإغراق غزة في الظلام، وعليه لن تنقطع الكهرباء عن غزة بل سيستمر التيار الكهربائي بالإنارة بواسطة دخول الوقود المصري عبر معبر رفح وستعود المحطة الكهربائية المتوقفة عن العمل للعمل. ستُنار غزة يوميا ولمدة ستة ساعات، سيسجل ذلك في صفحات تاريخ غزة الخالد كانتصار.

هكذا يروج أنصار الفريقين المتحالفين في وجه أبو مازن (حماس وتيار دحلان) "لقد فشل أبو مازن ولم يستطع (تركيع غزة)" العبارة بين قوسين هي عبارة أصبحت متداولة لدى أنصار حماس وقياداتها وكذلك لدى أنصار النائب محمد دحلان وترددها بعض القوى اليسارية والشخصيات الغزية ذات الوجاهة في القطاع.

لكن الأمر وإن رُوج له على أنه كذلك فإنه لا يبدو وراء الكواليس بهذه الصورة الزاهية بل يعلوه الشحار والسخام، إذ في الحقيقة لم ينتصر النائب دحلان ولا حماس كذلك انتصرت. لا انتصار هنا بل هزائم كاملة للحركة الوطنية الفلسطينية هزيمة لأبي مازن ولحماس وللنائب دحلان إذ أخذنا الموضوع من خلال منظار وطني شامل أما إذا أُخذ من منظور الحكم والسلطة ولعب دور هنا وهناك. فالنائب دحلان قد ربح مؤقتاً. أعاده التفاهم مع حماس إلى الأضواء بعد أن أستُبعد فتحاويا في المؤتمر السابع، حماس أيضاً ستُمنح نفساً إلى حين، لكن المُنتصر الحقيقي هو السياسة الإسرائيلية بحسب الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" العبرية يوسي ملمان إدخال الوقود المصري من معبر رفح تم بالتنسيق السري مع إسرائيل.

لم يعد الأمر سرياً. فلا شيء يحصل في غزة أو بخصوص غزة دون موافقة إسرائيل وبالتنسيق مع إسرائيل.

إذن "فقط بعد تدخل اسرائيل السري، من خلف الكواليس، تم إنهاء مشكلة الكهرباء بغزة، بشكل مؤقت، العملية التي تمت بها حل الأزمة، تعكس حالة تحالفات وتعاون بين الأطراف المعادية لبعضها، مصر وحماس، وذلك من خلال تدخل وتنسيق إسرائيلي، وذلك على الرغم من عدم اعتراف اسرائيل بذلك، وبتدخلها سيتم إدخال مليون لتر سولار لتشغيل محطة توليد الكهرباء بغزة." (الحديث هنا مازال لملمان).

لماذا تفعل إسرائيل ذلك؟

يجيب ملمان: "لعدم تدهور الأوضاع من جهة، ولعدم المساس بمكانة أبو مازن من جهة أخرى."

غريبة هذه المعادلة كيف سيكون إضعاف إجراءات أبو مازن ضد حكم حماس فيه عدم مساس بهيبته؟ يشرح ملمان ذلك بقوله "إن اسرائيل تعيش الآن معضلة ليست بسيطة، ورغم أنها استجابت لمطالب السلطة، وقلصت الكهرباء لغزة، وحافظت على مكانة أبو مازن، إلا أنها عملت من خلف الكواليس، من أجل الإسهام في ادخال الوقود المصري لقطاع غزة، وذلك لمنع الانفجار، أو التصعيد العسكري". إذن هذه حجة إسرائيل بحسب الكاتب: "منع التدهور العسكري مع حماس". ولكن وحتى لا يكون اعتمادنا على رأي صحفي إسرائيلي ربما كان ما يقوله هو تصورات خاصة به فإننا بحاجة لمصدر إسرائيلي رسمي. تصريح وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان أكد على ما قاله ملمان وهو إن "الرئيس محمود عباس يمارس الضغوطات على حركة حماس في غزة بغية جرها لحرب مع إسرائيل".

وردت هذه التصريحات الخميس 22 يونيو/حزيران، خلال أعمال مؤتمر هرتسليا للأمن القومي، حيث تطرق إلى أزمة الكهرباء في قطاع غزة، معتبرا ما يجري "أزمة داخلية بين الفلسطينيين" ورجح أن "الأزمة ستتفاقم وستتواصل، خاصة وأن عباس سيضاعف تقليص الكهرباء من إسرائيل لغزة وسيمتنع عن دفع الرواتب للمستخدمين بالقطاع"؟

وأضاف ليبرمان، أن أبو مازن الذي يتطلع لمنع تزويد غزة بالوقود يقوم بهذه الخطوات بشكل انفرادي ودون أي تنسيق مع إسرائيل والسلطات المصرية.

إذن هناك رفض أو عدم قبول من الجارتين مصر وإسرائيل لإجراءات أبو مازن وبغض النظر عن أهدافهما، فإنهما لا تؤيدان أبو مازن في إجراءاته تجاه قطاع غزة.

موقف إسرائيل واضح فهي ضد الوحدة الوطنية الفلسطينية وستمنع ذلك بكل ما تملك من قوة وأدوات. أما مصر فمن غير الواضح السبب الذي تعترض فيه على خطوات أبو مازن القاسية تجاه حكم حماس في قطاع غزة إذ من المفروض أن ذلك يصب في مصلحتها خصوصا أن إجراءات أبو مازن تتعلق بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حكم الإخوان المسلمين الفلسطينيين بغزة، ربما تفعل ذلك بحكم الخشية من انفجار القطاع فالتقديرات تشير أنه قد لا ينفجر في وجه حماس وحدها بل أيضا في وجه الجارتين مصر وإسرائيل.

إضعاف حكم حماس أو إنهائه دون بديل قادر على ضبط الأوضاع في القطاع يعني خلق حالة أمنية متمردة بلا عنوان محدد، ذلك سيجر المنطقة إلى صراع طويل لا أحد يستطيع التنبؤ بنتائجه. لكن مصر لديها مشكلة أمنية في سيناء إذ لطالما اعتقدت أن أحد مصادرها قطاع غزة، ستزداد هذه الحالة تعقيدا في حال انهيار الأوضاع في قطاع غزة، إسرائيل لا ترغب في رؤية قطاع غزة متحدا مع الضفة الغربية حتى لا يستطيع الرئيس أبو مازن التحدث باسم الإقليمين (قطاع غزة والضفة الغربية) على أنهما شطرا دولة فلسطين التي يسعى إلى تحقيقها. وإسرائيل أيضا غير جاهزة لشن حرب على غزة قد تخلط هذه الحرب إن اندلعت الأوراق وتحبط خطط التطبيع الخليجي والعربي معها دون حل للقضية الفلسطينية كما تأمل وفي مواجهة إيران، حرب قد تعيد لم الشمل العربي.

الرئيس أبو مازن أمام معضلة، معضلة حقيقية، الرباعية العربية أي مصر والامارات والسعودية (الأمير محمد بن سلمان المتحالف مع الشيخ محمد بن زايد الداعم الأكبر للنائب محمد دحلان) والرئيس السيسي المتحالف معهما والراعي الثاني للنائب محمد دحلان "يتآمرون عليه". هذه عبارة يرددها كثير من النخب الفلسطينية في غزة بل وفي الضفة. قد تكون كلمة مؤامرة كبيرة ولكن ما هي العبارة الأصح أو الأدق "يستغفلانه"؟ كلاهما سيء الوقع على الأذن الوطنية الفلسطينية. "أنهم يتلاعبون بنا كفلسطينيين!" هكذا يردد الحريصون على الوطنية الفلسطينية ربما يكون الأمر هكذا؛ يقال أيضا أن قبل أزمة الخليج الأخيرة مع قطر كان هناك هامش للمناورة لدى الرئيس فقد استطاع الهروب من تحالف الرباعية العربية مع خصمه اللدود محمد دحلان باتجاه حلفاء حماس تركيا وقطر لكنه اليوم ربما يواجه الحلفين معا.

بقي لديه حلف أخر بإمكانه الذهاب إليه وهو حلف إيران، سوريا، العراق، حزب الله ومن خلفهم روسيا وهذا أمر مستحيل الحدوث. لو كان ياسر عرفات وخذله العرب، لفعل.

أين حلف أبو مازن؟ في هذا الصراع وفي ظل التقلبات التي تعصف بالمنطقة لا أعتقد أن أبو مازن يتعامل مع أحلاف ولا يلعب على تناقضات السياسة العربية كما كان يفعل الرئيس الراحل ياسر عرفات، أبو مازن واضح في سياسته صريح أشد الصراحة.

اعتقدنا جميعا أن ما يقوم به من إجراءات يستند إلى دعم عربي برعاية أميركية وبضغط أميركي على إسرائيل للسماح له باستعادة غزة إلى بيت الطاعة، لكننا نكتشف اليوم أن كل ذلك ليس إلا أوهام. أبو مازن يحارب وحيداً، يحارب بأسلحة كان من الممكن أن تكون مجدية لو مارساها في السنوات الأولى من انقلاب حماس، في ذلك الوقت لم تكن حماس متمكنة ولم يكن لديها كثير مما تخسر. اليوم لن تفيد هذه الممارسات أو بالأحرى الإجراءات في شيء لن تتنازل حماس عن حكمها لغزة لن تسلم ولن ترفع راية بيضاء ستقاوم إجراءات أبو مازن بقوة، هناك نافذة مصرية مفتوحة عليها وهناك باب إسرائيلي مستفيد من الانقسام لن يغلق في وجهها طالما ظل الهدوء على الحدود قائما (بالمناسبة هذا الهدوء لم تشهده إسرائيل منذ عام 1967 بحسب قيادات عسكرية إسرائيلية).

واليوم يفتح لها باب جديد من خلال التحالف مع النائب محمد دحلان وتياره المدعوم إماراتيا وربما سعوديا خلال أيام أو أشهر قليلة، خصوصا بعد "الانقلاب الأبيض" الذي حدث خلال اليومين الماضيين، باب ستُطل منه حماس على حلفاء دحلان (السيسي، محمد بن زايد، محمد بن سلمان) بعد أن تلبي شروطا قد تكون مقبولة لها جزئيا في ظل الحصار الشامل المفروض عليها اليوم، لن يتم وضعها على قائمة الإرهاب العربية هذا أمر لا شك فيه مقابل الثمن الذي ستدفعه وهو تسليم بعض ملفات إدارة غزة لفريق السيد دحلان، تسليم الملفات الأهم العلاقات الخارجية، الحدود والمعابر، التنسيق مع إسرائيل. وهي ستحتفظ بالملفات الداخلية الأمن الداخلي والاقتصاد وغيرها، إذن ستكون هناك هيئة حكم بالشراكة بين الجانبين.

هل سيحظى هذا الحكم باعتراف عربي؟ قد يحصل إذا لم يكن علنا فسراً .نعم، الأطراف الأربعة الداعمة للسيد دحلان سترعى التحالف سرا وستُبقي على اعترافها العلني مع الرئاسة الفلسطينية، ستُحل عقدة غزة، ستُحل على حساب الوحدة الوطنية الفلسطينية التي لا تملك الرئاسة الفلسطينية من أدوات في سبيل تحقيقها سوى استخدام موظفيها ومعاناة شعبها في غزة كوسائل لانفاذها، وهي وسائل ضارة، ضارة بها قبل أن تكون ضارة بحماس، فكل يوم يتم تخفيض فيه كمية الكهرباء عن غزة أو الاستمرار في خصم 30% من رواتب موظفي القطاع العام سيزداد ابتعاد شعب أبو مازن عن رئيسهم.

هناك معضلة، معضلة تواجه الرئاسة الفلسطينية وفتح. لا أشُك للحظة أن أهداف الرئيس أبو مازن نبيلة، لا أشُك أن هدفه إجبار حماس على الوحدة الوطنية. ولكن الوسائل التي تُستخدم ليست مجدية بل هي أسلحة ذات حدين، وقد يكون حدها الأخر هو الذي سيجرح أكثر، ذاك الحد الذي كان الشعب ملتحم فيه مع أبو مازن في مواجهة خصومه اليوم هذا الحد يقطع اللحم ويُمزق هذه العلاقة. الحبل الباقي بينهما (الشعب وأبو مازن) هو ما تبقى من رواتب بعد الخصومات إذا قُطعت، قطعت العلاقة بالكامل.

حركة فتح في قطاع غزة عدد، عدد كبير، ولكنه عدد أغلبه لا يميز اليوم بين فتح والسلطة، علاقته بفتح وقيادتها، لها علاقة بالراتب الذي يتقاضاه، الذهاب باتجاه الإجراءات ذات طابع "سلاح يوم القيامة" ستكون أثارها مدمرة على فتح وسيقطع حبل الوريد بين الرئاسة وعناصرها في غزة.

لا أدري إن كانت الرئاسة قد دُرست كافة الاحتمالات قبل اتخاذ الإجراءات ضد حماس وبالتالي ضد غزة؟

إذا لم تأخذ هذه الإجراءات بعين الاعتبار أي التحالفات السياسية والتغييرات التي طرأت على الإقليم في الحقبة الترامبية تكون السلطة وفتح قد دخلتا مأزقاً من الصعب الخروج منه إلا بوقفهما جميع الإجراءات السابقة والتعامل مع الواقع الطارئ بحكمة أكثر، الوحدة الوطنية بمفهومها الفتحاوي هي أمل وأماني يطمح لها كل فلسطيني غيور على وطنه ولكن الأدوات والوسائل من المهم دراستها مسبقا، أهم ما يجب دراسته أن لا تؤذي هذه الإجراءات أو الأدوات الحاضنة الشعبية لفتح والسلطة في قطاع غزة ما يحدث اليوم أنها تأذت، تأذت بشدة ليس بفضل الإجراءات الأخيرة فقط بل لأن هناك عشرة سنوات من التهميش مورست على موظفي غزة وعلى كوادر فتح في غزة.

القضية الفلسطينية في مهب عواصف متعددة، دائما كانت المصائب العربية التي مصدرها الحركة الصهيونية وحلفائها تحل على حساب هذه القضية لا شيء تغير اليوم، فالحل الإقليمي هو ما يحدث، قد لا تضم مصر قطاع غزة، وقد لا يُصبح قطاع غزة دولة مستقلة ربما الحل المطروح نظام لقطاع غزة أشبه بنظام هونغ كونغ من الصين. لا زالت هونغ كونغ تتمتع باستقلاليَّة عاليةً ونظاماً سياسياً مختلفاً عن ذاك في البر الصيني، وذلك وفق مبدأ "بلد واحد، نظامان مختلفان" الذي يُكرِّس للمدينة حكمها الذاتي. فللمدينة استقلالية قضائية تتبع هيكلها للقانون العام، كما أنَّ لديها قانوناً أساسياً مستقلاً، وينصُّ دستورها الذي وُضِعَ عقب نقل ملكيتها من بريطانيا إلى الصين على أنَّها ستحوز "درجةً من الاستقلالية" في كلِّ جوانب الدولة، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكريَّة. لدى المدينة نظامٌ سياسيٌّ تعدُّدي مزدهر، وتتولَّى اختيار رئيس حكومتها لجنة انتخابيَّة من 400 إلى 1200 عضو، وسيظلُّ هذا النظام قائماً طوال السنوات العشرين الأولى من الحكم الصيني.

كانت الإدارة المصرية لقطاع غزة حتى عام 1967 شبيهة بهذا النظام. إذا استمرت الصراعات على الحكم بين الأطراف الفلسطينية فإن مسارا مثل مسار هونغ كونغ قد يصبح مطروحا بقوة هذا إذا لم يكن ما يحصل يصب في هذا الخيار تحديدا.

الضفة الغربية ليست بعيدة عن مثل هذه الخيارات فجُل ما يطرح بخصوصها هو حكم ذاتي موسع أقل من دولة وأكثر بقليل من حكم ذاتي، السيادة فيه على الأرض إسرائيلية وعلى السكان فلسطينية نلف وندور ونعود إلى اتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية جولات مفاوضات عقيمة لن تنتج أكثر مما أنتج حتى الآن وهو في المحصلة لا شيء.

اخر الأخبار