أوروبا وأمريكا: المصالح تربك التحالفات

تابعنا على:   21:30 2017-06-03

د. علاء أبو عامر

ما يحصل بين أمريكا وألمانيا قد يكون أبعد من خلافات مالية، قد يتجاوز الأمر ذلك إلى قلب التحالفات القديمة مع أوروبا والعالم إلى تحالفات جديدة تفرضها تقلبات السياسة الأمريكية وتوزيع القوى الجديد عبر العالم.

تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم 29أيار أثناء حملة انتخابية بميونيخ تشير إلى ذلك وهو "أن الزمن الذي كانت فيه أوروبا تعتمد بشكل مطلق على الآخرين قد "انتهى"، و"أن تجربة الأيام (الماضية) أظهرت أن "على الأوربيين أخذ مصيرهم بين أيديهم".

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقول "إن تجربتها في عدد من المؤتمرات الدولية التي تشهد حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبين أن أوروبا "لا يمكنها الاعتماد بشكل كامل على الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء" في إشارة إلى بريطانيا.

أوروبا ميركل وماكرون تشق طريقها في الابتعاد تدريجيا عن الولايات المتحدة مُكرهة، في ظل رئيس أمريكي يعاني خللاً ما، أو عبقرية ما، ذلك يحدده مكانة المصالح الأمريكية الاستراتيجية وفق الفهم الموضوعي للمرحلة الحاضرة والقادمة، فهو-أي ترامب-ينظر لنفسه وكأنه قيصر روما ويجب على الكل طاعته. رئيس يستخدم عبارات سمعناها في دول العالم الثالث ومنها عربية (أمريكا أولاً).

رئيس يستخدم عبارات تشير إلى أن السياسة الدولية مال، أمريكا بحاجة إلى المال أولًا وأخيرًا، وعلاقاتها مع الأخرين ستعتمد على من يقدم لها المال، إنها عقلية رجل الأعمال؛ فالحياة السياسية من وجهة نظره تجارة أو وفق مصطلحاته مجموعة صفقات، ولذلك لا يمكن لأمريكا أن تدافع عن أيٍ كان إلا إذا دفع مقابل الحماية.

ترامب الذي لمَّح إلى فرط الحلف الأطلسي في إحدى تصريحاته السابقة اِنتقد 23 دولة من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي الـ 28 ومن بينها ألمانيا "لتخلفها عن دفع المبالغ المستحقة عليهم" لتمويل الحلف.

ترامب الذي يتميز بتصريحاته وتغريداته الجريئة والغريبة المستفزة لحلفائه وجيرانه، انتقد الألمان ونعتهم بالوضاعة والرداءة لأنهم يبيعون الولايات المتحدة كميات كبيرة جدًا من السيارات والمركبات، وقد هدد بتقنيين استيرادها، فأثارت تصريحاته حفيظة قادة الاتحاد الأوروبي وأثار قلقهم لا سيما ألمانيا خشية أن يكون ترامب يلمح لإعادة النظر في قواعد منظمة التجارة العالمية.

الخلافات الأوروبية الأمريكية أربعة: الأولى قضية المناخ وقد خرجت منها الولايات المتحدة البارحة، أما الثلاث قضايا الأخرى فهي تصريحاته غير الواضحة بشأن التجارة الحرة وموقفه تجاه سياسة اللجوء وموضوع تمويل الحلف الأطلسي.

بعد تصريح ميركل أعلاه تصاعدت حدة التوتر بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية فقد انتقد ترامب في تغريدة له على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، العجز التجاري الأمريكي مع برلين، مشيرًا إلى أن ألمانيا تأخرت عن سداد مستحقاتها لحلف شمال الأطلسي.

وكتب ترامب في تغريدة صباح الثلاثاء الماضي: "لدينا عجز تجاري هائل مع ألمانيا، إضافة إلى أنهم يدفعون أقل مما يجب لحلف شمال الأطلسي والجانب العسكري. هذا أمر سيء جدًا للولايات المتحدة، وسيتغير".

ستبحث ألمانيا ومن خلفها أغلب دول أوروبا عن حلفاء جدد في التجارة والاقتصاد بل وربما في التحالفات العسكرية والسياسة الخارجية إذا استمر ترامب في سياساته هذه التي هي بشكل أو بآخر تمثل انقلابًا على السياسات الأمريكية التي اعتُمدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وهو ما ذكرته ميركل في إحدى تصريحاتها: "مصيرنا بأيدينا. على أوروبا أن تصبح لاعبًا نشطًا في القضايا الدولية، يجب أن نعتمد على أنفسنا في الفترة المقبلة". ومن "من الضروري أن يمتلك الأوروبيون "سياسة خارجية مشتركة".

في ظل هذا الصراع الذي مازال في مستوياته الدنيا ربما سيكون الرابح الأكبر هو روسيا الاتحادية التي أظهرت الفترة الماضية أنها اللاعب الذي أربك التوازنات الدولية وجعل من روسيا قطبًا دوليًا هامًا، أنهى بشكل أو بأخر النظام العالمي الذي نشأ عقب تفسّخ الاتحاد السوفيتي، أي نظام القطب الأمريكي الواحد وأسست على أثره نظام متعدد الأقطاب مازال في طور التبلور النهائي، روسيا التي واجهت قبل عام حصارًا وتحالفًا أوروبيًا أمريكيًا حديديًا لمواجهتها في سوريا وأوكرانيا شارف اليوم على الانتهاء.

السؤال اليوم هو من سيكون حليف الروس في قادم الأيام، هل هي الولايات المتحدة أم أوروبا؟

الرئيس الروسي بوتين الذي يتهمه الحزب الديمقراطي وأنصاره وجماعات أمريكية أخرى بأنه السبب في نجاح ترامب، دافع عن قرار الأخير في الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ والتي صدمت أوروبا.

هناك تحالفات تتشكل، تحالفات جديدة عابرة للحدود والقارات تصطف فيها الدول من أجل مصالحها، وترسم أقدارها بأنفسها وترفض البلطجة ولغة التهديد والابتزاز، لكن هذا كله مازال بعيدًا عن عالم العرب وعقول العرب.

في أوروبا لم تنجح لغة الابتزاز، لأن الدول الأوروبية ديمقراطية، الكبيرة منها والصغيرة لديها برلمانات وشعوبها جميعًا لديها كرامة وعزة وطنية وتتعامل مع الولايات المتحدة بندية.

ولكن هذا ما لا يتوفر لدى العرب، أغلب العرب نجح معهم التهديد والابتزاز، نعم نجح الأمر مع العرب ومع العرب وحدهم حتى الآن؛ إذ لم يطع ترامب أحدًا إلا ملوك وزعماء العرب والمسلمين وهو الذي حقّرهم غير مرة، يستحق العرب ترامب وهو يستحقهم، يقدمون له فروض الولاء والطاعة فقط من أجل ان يحميهم وهم الذين يتبرعون له بمال لو استُثمر عربيًا لكان يكفي أن يجعل من بلاد العرب بلادًا متقدمة ومنتجة بدل أن تبقى مدى الدهر مستهلكة وتعاني البطالة، بينما تذهب أموالهم للسيد الأمريكي كي يقضي على البطالة في بلاده ويشغل مصانعه التي تنتج سلاحًا كثيرًا منه ما يصنع لقتلنا ...

سيتغير العالم من حولنا وبعيدا عنا أما نحن فلن يصلح حالنا طالما بقيت حكوماتنا حكومات عشائر وطوائف وجماعات دينية ودكتاتوريات عسكرية وأمنية.

لن نتحرر من ذلنا ودونيتنا طالما لم نتحرر من ثقافة القطيع الذي تيسنا فيه مازالت أمريكا التي مهما فعلنا وقدمنا لها ستبقى حليفة مخلصة لعدوتنا إسرائيل التي مازالت وستبقى إلى أجل غير مسمى، تنتهك وتهوّد مقدساتنا وتحتل أرضنا وتهيننا وتقتل أبنائنا ليل نهار بصفتها قاعدة متقدمة للولايات المتحدة التي يريد العرب اليوم أن تحميهم من عدو جديد هو إيران وهو (عدو) هم من مهد له الطريق ليتوسع في نفوذه على حسابهم، وذلك من خلال سياستهم الفاشلة المدمرة في العراق والشام التي تستهدف الانظمة القومية العربية إرضاء للولايات المتحدة ولمصلحة أمن إسرائيل، ويتبين اليوم أنه قد حدث بتخطيط استراتيجي مسبق من الولايات المتحدة لجعل إيران لا إسرائيل هي حليفة العرب.

سقط العرب وإيران معًا في هذا الفخ، وهاهم يتقاتلون في سوريا والعراق واليمن وربما في ليبيا أيضا وغيرها، سيلُف العرب ويدورون حول أنفسهم سنوات وسنوات ومن ثم سيقتنعون أن لا طريق إلا بالتفاهم مع إيران فهي جار دائم بحكم الجغرافيا وهي شقيقة لا شك، بحكم الانتماء للتاريخ والدين أما إسرائيل فهي ظاهرة وتجمع بشري عابر لن تمر عقود إلا وتنتهي وتذوب في المنطقة كما ذاب من قبلها المغول والصليبيين، أما الولايات المتحدة فستبقى تعزز انقسامنا وتصنع مكائد وأفخاخ لنا، لنقتل بعضنا بعضًا كي تجبي مالنا من رؤوس قتلانا.

اخر الأخبار