غريب عسقلاني كما عرفته:: عبد ربه محمد سالم اسليم::

تابعنا على:   03:44 2017-05-31

 " إلى صديقي الروائي والقاص غريب عسقلاني "

ما أقدمه ليس مداخله ... إنها حاشية على متن غريب ! ...

عرفته بادئ ذي بدء في هذا العالم الافتراضي ألعنكبوتي عبر مجلة ألف .. كنت أقرأه بنهم نادر وكان يبادلني القراءة ... نبتنا في ساحاتها وعلى شواطئ ألف كخميلة إنسانية نادرة فيها فخامة الإبداع وصفاء التصوف ومتعة القص وذكاء الطرح شعرا وقصا فكنت أرتشف أقاصيصه كنحلة فتية مشاغبة ...

وبعد فوزي بالمرتبة الثالثة بالمناصفة في مسابقة الشاعر محمود درويش نزلت من العالم الافتراضي بدعوة كريمة من الدكتورة مي عمر نايف لأكون ضيفا شبه دائم على صالونها الأدبي برفقة صديقتها الفاضلة فتحية صرصور لتتوثق أواصر المسرة وعرى الإبداع بيننا عندما ناقشت الدكتورة مي نايف في إحدى ندواتها مجموعة من قصصه القصيرة جدا ليستفزني وتستفز فيّ هذا النمط من الكتابة القصصية الحداثوية التي عشق أن تكون له بصمة فيها لتتشكل مجموعتي اليتيمة حتى الآن الموسومة " دمعة متعرجة " ليتفضل علي ليكتب مقدمة جيدة لها . ...

وكان عندما يسبقني إلى صالون نون كنت أجلس على يمينه وعندما يسبقني كان يجلس على يساري ... وعندما كنت أسأله عن فحوى محاضرته أحيانا – وكثيرا ما أفعل – كان لا يبخل علي ... وعندما كنت أسأله عن آخر كتاباته كان لا يكتمني سرا .. وكان كثيرا ما يشكو لي وضعه الصحي وأن الزمن يفعل أفاعيله في جسده ! ...

أجل ! كان الأخ غريب عسقلاني يعيش واقعه الروائي بلحمه ودمه كمسودة .. يتحدث عما يفيض به قلبه الطري الأخضر على لسان شخوصه بلحمها ودمها ...

كان يحب .. كان يعشق بطلاته كمسودة وطلاوة على الورق مثل سعاد التونسية التي عاش معها على الورق في واقعه الروائي الافتراضي المجازي .. وأستمتع بها في واقعه الحكائي .. وتمازجا في لب الواقع الافتراضي وجذوته الواقعية .. أحبها كما لم يحب أخرى من بطلاته ، فوارسه ... وعاشرها روحا لروح .. وإحساساً بإحساس .. نبرة .. نبرة ... ولمسة لمسة ، فكان طاهراً .. وكان نبياً ... هكذا كان في حبه الحقيقي ، وجذوة عشقه ...

عاش معنا وفينا ولنا نحن معاشر الأدباء .. وعاش لحبيباته وعشيقاته وتجلياته ... تقاطرت نبياته بين يديه وبين أحضانه فكان بستاناً زاخراً بالعشق والهيام والتجليات .. فكان نعم المحار .. ونعم الضوء .. ونعم .. ونعم ! ...

صوته المشجر

( 1 )

مساء الخير

أهلا يا صديقي

فانزوت ابتسامته إلى الرواق ، إلى الطريق الترابي

ضحكتُ ..

أومأ : لا .. مطر ، والسحاب غائماً جزئياً ،

وهز أغصان بصيرته

انتصب كالنخيل الكنعاني وهو يحدثني عن الميلاد ، وقسوة الجبال

وخشونة الندى !

وضيق أفق الصلاة !

وهِرم أمواج البحر

وحنين البساتين والفواكه بين أنامله

فأدركته

كامل النشوة كعباءة القمر .. وخضرته !

لأن البلابل تعيش في نَجيل حنون صوته

وتزغرد في محبرته

وحناء هديله

و .. ، و ..

و ..

وكان الأصيل قريبا من حبل وريد القلب ، وذاكرتي ! ...

( 2 )

.. ، وحين شرب عصيره

أحسُ بطلاوة الحنين إلى الحمام

وندرة الصقور

ومفحص هروب البحور ! ،

وشقاوة الزهور في صوته المشجر بالتفاح واليمام

فأنتَ حقل من رائحة الليمون ما بين فؤادي والحسام

وما بين ظني .. وسور النهار

والقدح المكسور !

ورايات زغاريد الوطن

ربما ، \

قد قلت أكثر !

فسمعت ما قد كان يضمر للحزن ،

ولتفاحة من البلور

والفرح المقدسي الذي يطاول المطر

وندرة مواسم الريح !

فاختلطت ملامحه ، وصار لوجهه اتكاءه عاشق

وحكاية غرام

وعذاباً من الرخام

فعاتباً مررت بي  كفصول كلها الشتاء

أأنا نقشته من كان في روحي حبر الزغاريد ودوالي الشام ؟!

فأضمك .. ضمة العشق .. ضمة الوطن الجميل

قمرا يحرس النوم

وأناشيد زهور المدارس

فتقاسمني بستاناً بين ابتسامتيك ، ويداك فاكهة الحبر

وأقاصيص كنزة الفجر الجميل ولسعة الحلم

فما عادت الصلاة أوسع ما يكون

حين أمر بين عينيكَ رؤى ، وأحلام البذور

قد كنت أكبر من دمعتين وبستان

والصيف يفصل ما بيننا

والحُور حرب الأخوة الفرسان !

كنت أبادلك لغة الزيتون والأشجان !

فكنت تعود في المساء وتحت إبطك رواية وأكاليلَ من الرمان ! ...

( 3 )

.. ، وساءلني عن الأحوال ، والحال

وعن مقام الشمس في حضرة القلق ، في حضرت اللقلق !

هاربة فينا المذبحة !

فكنتُ أناديك كالحقيقة !

والمساء يتكاثف بساتين وجياداً تملأ لغة الشمس

قلتُ : بخير ،

وأنا ارتشف القهوة العربية المرة في ضواحي " نون " ,

وكان يخرج لؤلؤة ابتسامته

علبة تبغه

قداحته

يقربها إلى سيجارته ، فيشعل الأمل في شقاوته

وفي دموعه بعض الدموع  !

وبعض النكات !

وبعض السراب !

وبعض .. ،

وبعض ...

والسحاب يعبر زرقة الشارع المسفلت والرملي ! ,

ويهرب من تحت جناح الصلاة الساخنة ! ,

وقالَ : بخير ؟!

وكانت عيناه تمضيان إلى أعراسٍ في التاريخ !

ومجازر تضاريس قامته ، والسماء

نافورة من الدم ! ...

فتغرق الحياة في فمكَ

في ساعديكَ

وفي نفس زهرة سيجارتكَ برائحة النعناع

وفي .. ، وفي ..

وفي ..

كما يشتهي النخيل ، والنوارس ، والعِين ! ،

وكما تشتهي الطفولة في ترتيب هذا العشاء الفاخر الجميل !

فيمضي صوتكَ القدسي حانة للصلاة البيضاء !

ولكؤوس رائحة الياسمين العذري المخضرم

ولحورية خلف السِفر والسَفر

والأنبياء ! ...

سعاد ..

( 1 )

عام مضى

سبعون

صيف .. وشتاء .. ونساء

وأوراق

وخمر .. وخطى .. وسعال ! ...

( 2 )

الآن ، ابتعدت عنا غزة ، وغزانا البحر الأسود

وجهك .. مرسوم كالبستان

وحبرك حارس مهجة الرمان

فابتسامتك عاشت فينا

واليوم تزهر ، تتفتح أوراقاً ... أغصان

ورفاقاً يأتون .. ويمضون

والحبر بحرك .. والجبال ! ...

( 3 )

ويمر العالم بين يديك حبراً .. وعطراً .. ونساء

وسعاد كانت تزرع فيكَ قبلتها الأولى بساتين

ونوارَ ، ونعناعاً جبلي

فتعشش في شِباك روحكَ ، وربما طيف حنجرتك بغرفتها

فتغردْ حين تمتد أناملكَ لابتسامتها ، لضحكتها

فتطلع عليك كالمشمش ، كالشمس

فكنت .. زمزمها .. وموارس الحصان الأسمر

فتمضي خاطرة ... وحرير

قمراً قد نام في ضفائر شعرها الليلي

رسائل عشق .. وأحزان

رسائل شمس .. وفطائر ياسمين ، ومربى رمان

فكنتَ  الزُحام !

وكنتَ الزُحام !

وكنتَ .. ! ...

 

اخر الأخبار