منظمة التحرير الفلسطينية

تابعنا على:   19:51 2017-05-29

صلاح صبحية

في الثامن والعشرين من أيار عام 1964 عـُقد المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ولـِدت فيه ، وقد جاء انعقاد المجلس الوطني والذي تمت الدعوة إليه تحت اسم المؤتمر الفلسطيني الأول ، والذي قام بالدعوة له السيد أحمد الشقيري ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربيّة ، الـدعـوة التي جـاءت تنفيـذاً لقرار مؤتمـر القمة العربي الأول المنعقـد في القاهـرة بتاريخ 13- 16/1/1964 حيث نص قرار القمة كما ورد في بيانه " إنّ مؤتمر ملوك ورؤساء دول جامعة الدول العربية ، قياماً بواجب الدفاع المشترك ، وإيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني المقدس في تقرير مصيره والتحرر من الاستعمار الصهيوني لوطنه قد اتخذ القرارات العملية اللازمة لاتقاء الخطر الصهيوني ، سواء في الميدان الدفاعي أو الفني أو ميدان تنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره " فقد قرر ( 3- إنشاء كيان فلسطيني يجمع إرادة شعب فلسطين ويقيم هيئة تطالب بحقوقه . )

لذلك قام السيد أحمد الشقيري فوراً بتنفيذ قرار مؤتمر القمة وأجرى اتصالاته مع كافة فعاليات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم ، هذه الاتصالات التي أدت لانعقاد المؤتمر الفلسطيني الأول في مدينة القدس بحضور ( 397 ) عضواً ، حيث تمخض هذا المؤتمر عن العديد من القرارات الهامة حسبما جاء في البيان الصادر عن المؤتمر :

1- إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية .

2- المصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية .

3- المصادقة على النظام الأساسي واللائحة الداخلية للمجلس الوطني.

4- انتخاب أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية وتكليفه باختيار أعضائها وعددهم 14 .

5- اعتبار المؤتمر بكامل أعضائه " المجلس الوطني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية "

هذا وقد رحب مؤتمر القمة العربي الثاني المنعقد بالإسكندرية بتاريخ 5/9/1964 بقيام منظمة التحرير الفلسطينية ، واعتماد إنشاء جيش التحرير الفلسطيني .

ولكن وبعد مضي ثلاثة وخمسون عاماً على إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية فإنّ الساحة الفلسطينية ما زالت غير موحدة الموقف تجاه المنظمة بمن فيهم أعضاء في اللجنة التنفيذية ومؤسسات المنظمة ، فتعددت المواقف تجاه المنظمة بما يلي :

1- المنظمة هي إطار وطني فلسطيني .

2- المنظمة هي منظمة ائتلافية .

2- المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني .

ولكن الذي يجيب على كل تلك المواقف هو النظام الأساسي للمنظمة ، هذا النظام الذي أقره المجلس الوطني الأول في أيار 1964 ، أي قبل وجود الفصائل الفلسطينية التي أصبحت فيما بعد جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية ، فالنظام الأساسي للمنظمة وفي الباب الأول منه ينص على ما يلي :

" المادة 1: يشكل الفلسطينيون فيما بينهم وفقاً لأحكام هذا النظام منظمة تعرف باسم منظمة التحرير الفلسطينية. "

هذه المادة الأولى واضحة كل الوضوح بأنّ الفلسطينيين يشكلون منظمة التحرير ، ولم ينص أنّ الفلسطينيين المجتمعين في القدس يشكلون فيما بينهم منظمة التحرير ، ولم يأتي النص بأنّ عدداً من الفلسطينيين يشكلون فيما بينهم منظمة وذلك على غرار تشكيل المنظمات والفصائل الفلسطينية التي تم تشكيلها من عدد محدود من الأفراد وبشكل سريّ ، فالفلسطينيون هنا هم كل أبناء فلسطين ، فمنظمة التحرير تشمل كل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم .

" المادة 4: الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة. "

وفي هذه المادة الرابعة يؤكد النظام الداخلي للمنظمة أنّ الفلسطينيين جميعاً أعضاء طبيعيون في المنظمة ، أي أنّ كل فلسطيني هو عضو طبيعي في المنظمة ، سواء من كان موجوداً لحظة تشكيل المنظمة أو من ولـِـد بعد ذلك ، فالمنظمة هي منظمة الكل الفلسطيني دون استثناء أي فرد منهم .

وحتى يتم حسم ماهية منظمة التحرير الفلسطينية فقد أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثامنة المنعقدة بالقاهرة يوم 28/2/1971 ما يلي :

" إنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد لجماهير الشعب العربي الفلسطيني بمختلف منظماته المقاتلة والسياسية وجميع هيئاته واتحاداته وجمعياته مهما تكن اتجاهاتها وأفكارها . "

كما أكدت الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني المنعقدة بالقاهرة يوم 1/6/1974 من خلال موقفها تجاه مؤتمر جنيف ما يلي " تشترك منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني " .

كما أنّ مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد بالرباط يوم 26/10/1974 أكد على " حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها "

وفي الثالث عشر من شهر تشرين الثاني 1974 وقف الأخ ياسر عرفات على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يلقي كلمة فلسطين باسم منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب العربي الفلسطيني ، حيث أنّ اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية أكسب المنظمة مركزاً قانونياً على المستوى الدولي .

إلا إنّ منظمة التحرير لم تكسب العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية إلا في عام 1976 ، وذلك بموجب قرار مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد بالقاهرة في 9/9/1976 الذي أقر بقبول منظمة التحرير الفلسطينية عضواً كامل العضوية في جامعة الدول العربية ، وقد جاء بعد عامين من قبول المنظمة في الأمم المتحدة ، فمنذ إنشاء جامعة الدول العربية سنة 1945 قررت الدول العربية المؤسسة لها أن يكون لعرب فلسطين مندوب يمثلها في الجامعة على الرغم من كون فلسطين تحت الانتداب البريطاني آنذاك ، وبعد النكبة الفلسطينية أصبح المندوب الفلسطيني يمثل فلسطين ، حيث تعاقب على تمثيلها في الجامعة موسى العلمي وأحمد حلمي عبد الباقي وأحمد الشقيري.

ومما تقدم نجد أنّ منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن أن تكون إطاراً وطنياً فلسطينياً فحسب بل هي الإطار الوطني الفلسطيني الجامع لكل الشعب العربي الفلسطيني ، كما أنه لا يمكن أن تكون ائتلافا جبهوياً مكون من عديد الفصائل الفلسطينية ، وهي بالتالي وحسب القرارات الفلسطينية والعربية والدولية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في كل أماكن تواجده ، وكل فلسطيني هو عضو في منظمة التحرير الفلسطينية بغض النظر عن عقيدته وإيدلوجيته وفكره ، وبهذا أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والوطن المعنوي للشعب العربي الفلسطيني .

أمّا من يدعي أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تمثله ولا تمثل الشعب العربي الفلسطيني فإنما يخدم بذلك موقف العدو الصهيوني من منظمة التحرير الفلسطينية الذي يسعى دائماً للقضاء والإجهاز عليها ، وعلينا أن ندرك جيداً الفرق بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين قيادة منظمة التحرير الممثلة باللجنة التنفيذية ، فمن حق أي فلسطيني أن يمنح ثقته لأعضاء اللجنة التنفيذية سواء كان فرداً أو تنظيما بقدر ما له الحق بحجب هذه الثقة دون أن يفك ارتباطه بهويته الوطنية الفلسطينية ، فمنظمة التحرير تمثل الكل الفلسطيني ، ولا يمكن لأي فصيل فلسطيني مهما كان حجمه على الساحة الفلسطينية الإدعاء بتمثيل الكل الفلسطيني .

وبخصوص الوضع الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية فهي بحاجة إلى إعادة بناء وتفعيل مؤسساتها وفق نظامها الأساسي لكي تأخذ دورها الحقيقي في انجاز حقوق الشعب العربي الفلسطيني المعبّر عنها بالميثاق الوطني الفلسطيني والذي هو بحاجة إلى تثبيته كمشروع وطني فلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني.

ورغم كل مراحل النضال التي مررنا وسنمر بها فلا يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن ينتهي دورها بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران ، لأنه لا يمكن للدولة الفلسطينية القائمة على جزء من الأرض الفلسطينية أن تكون ممثلاً لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، وأنما هي أداة من أدوات مراحل النضال الفلسطيني ، لأنّ فلسطين التي هي وطن الشعب الفلسطيني ، هي فلسطين التي جاء تعريفها في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي حددها بما يلي :

( المادة1: فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية.

المادة 2: فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا تتجزأ. )

إذا فمنظمة التحرير الفلسطينية وفي الذكرى الثالثة والخمسين لإنشائها يجب إعادة الاعتبار إليها بكل ما تمثله من واقع فلسطيني بحاجة إلى تقييم جاد بما يخدم حقه التاريخي في وطنه التاريخي الممتدة حدوده من البحر الأبيض غرباً إلى نهر الأردن شرقاً ومن رأس الناقورة شمالاً إلى رفح جنوباً ، وأي برنامج مرحلي لا يمكن له أن يتنازل عن أي حق من حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة والحريّة والاستقلال التام.

اخر الأخبار