ريما خلف كل الاحترام .. ولكن

تابعنا على:   19:28 2017-03-29

غازي السعدي

وكأن هناك حاجة إلى أدلة تثبت بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري "الابرتهايد" ضد الفلسطينيين، ولا شك أن الدكتورة "ريما خلف" كانت على حق في تقريرها الصادر عن اللجنة الاجتماعية-الاقتصادية لغرب آسيا في الأمم المتحدة، والذي جاء فيه أن إسرائيل أسست نظاما عنصرياً للسيطرة على الشعب الفلسطيني، إلا أننا بحاجة إلى مواجهة ومعاقبة هذه السياسة العنصرية، فعشرات القوانين التي شرعتها إسرائيل ضد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر عنصرية، وعشرات أخرى من الأوامر العسكرية التي يصدرها الحكام العسكريون في الأراضي المحتلة عنصرية، من نهب لأراضي الفلسطينيين، وإقامة المستوطنات، وسياسة التهويد، والممارسات القمعية، حتى أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يخضعون للمحاكم العسكرية، بينما المحتلين من المستوطنين يحاكمون- إذا ما جرى محاكمتهم- في محاكم مدنية، كل ذلك يندرج ضمن جرائم الحرب، وكل ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية، يتعارض مع القانون الدولي، فإسرائيل بعنصريتها تحاول فرض سيطرتها على الشعب الفلسطيني، فقانون العودة الإسرائيلي يعطي الحق لأي يهودي في العالم بالعودة إلى فلسطين، وهذا القانون يُحرّم مثل هذا الحق على الفلسطينيين أهل البلاد، وهذه قمة العنصرية.

كثيرون من الكتاب الإسرائيليين ينتقدون الحكومة الإسرائيلية ويتهمونها بالتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، حتى أن بعضهم شبه القوانين الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بالقوانين النازية في العهد الألماني البائد، كذلك القوانين العنصرية والتفرقة بين البيض والسود في جنوب إفريقيا في العهد الماضي، فيما تتهم إسرائيل كل من يوجه لها الانتقادات ويتهمها بـ "الابرتهايد" تتهمه باللاسامية، حتى أن كاتبة التقرير مدار المقال "د. ريما خلف" رئيسة اللجنة، اتهمتها باللاسامية المناوئة لإسرائيل، بينما استند التقرير إلى الوقائع والتشريعات الإسرائيلية العنصرية، والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، فإسرائيل تحاول الادعاء ،وتسويق أنظمتها، بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فديمقراطيتها تنحصر باليهود، أما فلسطينيو الداخل من حملة الجنسية الإسرائيلية، وهم أهل البلاد، فتتعامل معهم بنظام الفصل العنصري، الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضا يخضعون للاحتلال وقوانينه العسكرية.

لقد جاء في رسالة "د. ريما خلف" الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة "انطونيو غوتيريش" والتي تحمل تاريخ 7-3-2017: "بعد أن أصدرت تعليماتكم بسحب التقرير الدولي، فإنه ليس خافياً ما تتعرض له الأمم المتحدة من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السيطرة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير "الاسكوا" المتعلق بالممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، ومسألة "الابرتهايد"، ولا يسعني إلا أن أؤكد على إصراري على استنتاج "الاسكوا"، بأن إسرائيل اسست نظام فصل عنصري "ابرتهايد" يهدف إلى تسليط جماعة عرقية على أخرى، وعليه وبعد إمعان النظر في الأمر، أدركت أن لا خيار لي، وأنا لا أستطيع سحب التقرير، وأدركت أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ، ولذلك فإن هذه العقدة لا تحل، إلا بأن أتنحى جانباً، وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به، وبناء عليه أقدم استقالتي من الأمم المتحدة (انتهى النص)"، فكل الاحترام والتقدير لـ "ريما خلف"، ولكن من وجهة نظري تسرعت في الاستقالة، في أعقاب الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وكون الأمين العام للأمم المتحدة، متحيزاً لإسرائيل ولخدمة مصالحه الشخصية، فبقاؤها في منصبها سيكون شوكة في حلق المعارضين لتقريرها، وهناك من يقول بأن عدم استقالتها، ستدفعهم للعمل على إقالتها، وليكن ذلك، فهم سيتعرون أكثر أمام العالم، فاستقالتها أدت إلى فرحة وارتياح لدى إسرائيل وأعداء الشعب الفلسطيني.

لقد كان واضحاً أن إسرائيل والولايات المتحدة ستمارسان ضغوطاً شديدة للتخلص منها، ومن تقريرها الذي ألقى الضوء على الجرائم التي لا زالت إسرائيل تواصل القيام بها ضد الفلسطينيين، هذه الجرائم التي تعتبر جرائم حرب، فوزير الخارجية الأميركي "ريكس تيلرسون"، في رسالة له وجهها إلى ثماني منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان، هدد بأن الولايات المتحدة ستنسحب من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ما لم تجر إصلاحات كبيرة داخله، وأن الولايات المتحدة ستواصل رفضها الشديد لأجندة المجلس المنحاز ضد إسرائيل على حد زعمه، أما السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة "داني دانون" ،المشهود له بالمواقف العنصرية، فقد هاجم بشدة التقرير دون أن يتطرق إلى ما جاء فيه من اتهامات.

لا غرابة في سياسة إسرائيل العنصرية، التي طردت شعبا لتجلس مكانه، وأن من أهم مبادئ الحركة الصهيونية، الاستيطان ونهب الأراضي الفلسطينية، وتهجير يهود العالم إلى فلسطين، وتوطينهم على أراضي الفلسطينيين، ودليل آخر على عنصرية إسرائيل والحركة الصهيونية، أنها تحتفظ بـ 93% من مساحة أراضي فلسطين وتملّكها لليهود، وتحظر استخدامها قانونياً أو تمليكها لغير اليهود، وابقت 7% من الأرض لأصحابها الفلسطينيين.

مؤسسات ونقابات وهيئات فلسطينية وأردنية وعربية، أدانت الأمين العام للأمم المتحدة على مواقفه المنحازة، ودعا بعضها الدول العربية إلى تجميد عضويتها في الأمم المتحدة، احتجاجاً على سحب التقرير، والجميع يشيدون ويقدرون موقف "خلف" الوطني والإنساني، وأن المعارضين للتقرير هم فاقدون للبصر، أو جبناء ومتخاذلون، غير أن الملفت للنظر أن ولا حكومة عربية واحدة عملت على إدانة الأمين العام واحتجت على سحب التقرير، أو قامت بإجراء ضغوط على أمين عام الأمم المتحدة، فهذه الدول كانت من بين المؤيدين لتنصيبه في هذا المنصب.

الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، أقدم على ما هو مطلوب منه، بمهاتفة الدكتورة "ريما خلف"، والإشادة بموقفها البطولي، وأبلغها بتقليدها أعلى وسام فلسطيني، تقديراً لشجاعتها ووقوفها إلى جانب شعبها الفلسطيني وقضيته العادلة، فيما أكدت "خلف" إصرارها على استنتاجها في تقريرها الدولي، بأن إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصري، وأنها أسست لنظام فصل عنصري يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه، فاتهام إسرائيل باستخدامها نظام التمييز العنصري للسيطرة على الشعب الفلسطيني اعترفت به جريدة "هآرتس 17-3-2017"، و"جريدة هآرتس 18-3-2017"، بمحاولة إسرائيل تأطير نظام "الابرتهايد"، بمحاولة إخفاقه من قبل الحكومة الإسرائيلية بالتعريف بأن الاحتلال مؤقت، وأن عقدة الأمن هي ذريعتها.

اخر الأخبار