ترامب قلب الطاولة على السلطة الفلسطينية

تابعنا على:   17:46 2017-02-27

د.عقل صلاح

لقد تغير جوهر العلاقة مابين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطة الفلسطينية بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب. فقد رفض ترامب التعامل مع السلطة من البوابة الشرعية الدبلوماسية كدليل على عدم الاعتراف بوجودها السيادي والوطني، وفضل بدلًا من ذلك التعامل معها من خلال البوابة الأمنية. ويتبدى ذلك من خلال لقاء الرئيس الفلسطيني مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، قبل يوم واحد من اجتماع رئيس الوزاراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة الأمريكية بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2017.

وقد كشف اللقاء بين الطرفين عن مدى تطابق المواقف فيما يخص الصراع الفلسطيني -الاسرائيلي ومنها إمكانية استبعاد حل الدولتين، والانحياز الامريكي في تبني سياسة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مما شكل صفعة قوية للسلطة الفلسطينية التي مازالت متمسكة في المفاوضات كخيار وحيد. فهل مازالت تصلح أمريكا راعيًا للمفاوضات، التي كانت سياساتها في السابق تضليلية وغير واضحة، وأصبحت سياستها اليوم هي نفس السياسة الإسرائيلية، وهذا مايؤكده تصريح لنتنياهو بتاريخ 19شباط/فبراير الحالي قائلا :" فالتحالف بين إسرائيل وأميركا متأصل ومتين، وهذا التحالف تعزز وتدعم أكثر خلال اللقاء بالإدارة الجديدة للبيت الأبيض أنه توصل لتفاهمات مع الرئيس ترامب ومن ضمنها ملف الاستيطان بالضفة الغربية" (1). مما يتطلب من السلطة البحث عن خيار بديل للمفاوضات، وقلب الطاولة لعودة القضية الفلسطينية للاهتمام الدولي والاقليمي، ولكن السلطة التي لاتؤمن بغير طريق المفاوضات عاجزة بظل القيادة الفلسطينية الحالية عن اتخاذ قرار مصيري واستراتيجي بقلب الطاولة كما فعل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي توصل إلى نتيجة مفادها أنه لاحل للقضية الفلسطينية ولا وجود لدولة في الأفق ومايعرض هو أقل من حكم ذاتي فعمل على اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.

يقودنا هذا إلى أن ترامب بعد كل تصريحاته وقراراته العنصرية ودعمه المطلق لإسرائيل وللمستوطنات وتهديد السلطة الفلسطينية وإيران وغيرها من القرارات المتطرفة والعنصرية بحق الشعوب العربية والإسلامية, هل مازالت أمريكا راعية السلام المزعوم؟ ومن المهم في هذا السياق التأكيد أن كل التزامـات وتعهـدات الولايـات المتحـدة الأمريكية أصبحت مطروحــة لإعــادة التفــاوض (2)، بكــون ترامــب لا يمثــل جــزءًا من التقليــد السياســي الأمريكــي، مما يجعلــه غيــر ملــزم بالتقيــد بهــذه العقيــدة. وفــي الواقــع، عـارض ترامـب أجـزاءً مـن هـذه التقاليـد التــي يشــعر بأنهــا لا تصــب فــي صالــح المواطــن الأمريكــي العــادي, فقد عبر الدكتور ديفيد دي روش عن السياسة الترامبية وذلك من خلال تقديم نصيحـة: "اربطـوا أحزمـة الأمـان لأن الرحلـة سـتكون مليئـة بالمطبات" (3).

لقد عمل الرئيس الأمريكي على تسريع تعثر السلطة الفلسطينية من خلال تبني السياسة الإسرائيلية، واعدام مبدأ حل الدواتين وتشريع الاستيطان مما خلق أزمة قوية للسلطة الفلسطينية وسياساتها التفاوضية ولم يبق لهم شيء ليتفاوضون عليه. متخليًا عن السياسة الأمريكية القديمة التي رعت المفاوضات لأكثر من عقدين من الزمن، ومعلنًا عن دفن اتفاق أوسلو الذي في الأصل لم يحقق حلم الدولة والاستقلال لفلسطين، وإنما فتح المجال واسعًا للاحتلال لبسط سيطرته على أكبر قدر من الأرض من خلال التوسع الاستيطاني. وفي هذا الصدد، يسأل الكاتب الأمريكى توماس فريدمان الرئيس ترامب هل بإمكانك تقدير التأثير المدمر نتيجة ما تفعله حالياً في الضفة الغربية؟ ويضيف فريدمان أن استمرار التوسع في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية سيجعل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال حل الدولتين مستحيلاً (4). ومن المهم في هذا السياق أن نلاحظ أن ديفيد فريدمان، الذي اختاره ترامب ليكون سفيرًا لبلاده في إسرائيل، معروفًا بدعمه المطلق لإسرائيل وللاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بل إن فريدمان يجاهر بوضوح أن "من حق إسرائيل ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية لها" (5). وفي هذا السياق، تم تأجيل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة ، لكن فريدمان، استبق ذلك كلّه وصرح "بأنه يفضل أن يقيم في القدس، وليس في مقر إقامة السفير الأميركي الموجود في هرتسيليا", مأكدًا "بأنه ينوي فور تسلمه مهامه أن يعيش في شقته الخاصّة الموجودة في حي الطالبية في القدس، والتي اعتاد الإقامة فيها في كل زيارة للمدينة". الطالبية حي فلسطيني تم احتلاله وتهجير أهله عام 1948 (6).

في ضوء كل ماتقدم, إذا وافقت السلطة الفلسطينية على السياسة الأمريكية الجديدة "الترامبية" في التعامل معها من خلال "البوابة الأمنية" فهذا يعني اندحار المشروع الوطني والسياسة الخارجية الفلسطينية، وتحويل السلطة الفلسطينية لجهاز أمني يخدم السياسة الإسرائيلية والأمريكية، وسوف تكون سابقة بتاريخ العلاقات الدولية.

اخر الأخبار