الصندوق الأسود لـ"داعش" وأخواتها

تابعنا على:   10:04 2017-02-26

سحر الجعارة

بداية، أسجل إعجابى الشديد بالملف الذى أعدته جريدة «الوطن» عن «الدواعش العائدين»، لأنه يؤكد أن «الحرب على الإرهاب» هى بالأساس حرب فكرية، وأن «المعلومات» هى أقوى سلاح فى مواجهة الإرهاب، وهى -أيضاً- الفريضة الغائبة فى الإعلام المصرى.

كنت قد كتبت مراراً عن أن وجود «داعش» فى مصر لا يحتاج إلا إلى «مبايعة»، ترتبط بقيادة التنظيم ومدى احتياجه إلى السلاح والتمويل، وهو ما أكده الملف فى إشارته إلى نجاح «الدواعش العائدين» إلى سيناء، فى السيطرة على تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى، بعد أن كان ينتمى لتنظيم «القاعدة»، فبايعه الأخير، وأعلن «بيت المقدس» مبايعة أبى بكر البغدادى، فى نوفمبر 2014، لتتغير استراتيجية التنظيم بعد ذلك التاريخ ويكثف حملاته ضد الجيش والشرطة، ويصبح أكثر شراسة بقتل المدنيين العزل من أهالى سيناء، لا سيما «الأقباط».

لقد عانت أوروبا وأمريكا من الجيل الأول من «العائدين من أفغانستان»، الذى تحول إلى قنبلة موقوته تبدد أمن أوروبا وأمريكا، لكن مع الجيلين الثانى والثالث بدأت الأفكار تتغير، والخريطة يعاد صياغتها، والحرب تزداد ضراوة وتتعقد أكثر.

عملية انشطار العائدين إلى شظايا متناثرة، وظهور تشكيلات جديدة تشبه «الخلايا العنقودية» التى ظهرت فى الثمانينات، كشفت الكثير من خفايا تلك التنظيمات الإرهابية التى يعاد شحنها وتغذيتها بالأفكار التكفيرية تحت لافتة «الجهاد» ويعاد تدريبها عسكرياً فى «سيناء» وينتشر نشاطها الإرهابى فى الشرق الأوسط.

ظهرت هنا خلية «عرب شركس»، التى نفذت المحكمة العسكرية فى 17 مايو 2015، حكم الإعدام بحق 6 متهمين منضمين إليها فى القضية المتعلقة بالاعتداء على رجال القوات المسلحة، والتى تلقت عناصرها التدريبات على يد تنظيمات إرهابية فى سوريا.. وكلنا نتذكر نداء المعزول «مرسى» الشهير للجهاد فى سوريا وفتحه الحدود لاستقبال السوريين!.

وفى منطقة تشهد حالة سيولة أمنية وسياسية، أعقبت ما سمى بثورات الربيع العربى، تلقى أوامر قائد «داعش» أبومحمد العدنانى، قبولاً كبيراً، خاصة بعد أن بث فى 2014 تسجيلاً صوتياً له، يأمر المتعاطفين مع التنظيم بقتل رعايا دول الائتلاف المناهض لداعش فى سوريا فى أى مكان، دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً.. وهو ما أظهر ما يسمى بخلايا «الذئاب المنفردة»، التى كان آخرها فى مصر «محمود شفيق» منفذ عملية تفجير الكنيسة البطرسية.

خطورة ملف «الوطن» فى قراءة المعلومات والتنبؤ بنمط الفكر الذى يحكم العائدين من (أفغانستان أو العراق أو سوريا)، والذى حدده الملف فى: 1- التفجيرات، التى يتم التحضير لها سراً، كما حدث من جماعة (خراسان) التى استهدفتها الطائرات الأمريكية بالقصف. 2- «الانزواء النشط»، وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، لكنهم يحاولون منع ذويهم من المسلمين من الانضمام لتلك المجموعات. 3- السياح العابرون للقارات، الذين كفروا بالفكرة المثالية عن الجهاد والقتال، لكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن «عظمة» الجهاد.. وأخيراً، النمط الأخطر، وهو للمكلفين بالعودة إلى بلدانهم لتشكيل مجموعات وخلايا جديدة.

وفى قلب هذه التقسيمات الدموية يظل فى مواجهة مصر عدو واضح، يجعل قدر مصر فعلاً أن تظل تدور فى حلقة مفرغة من تصدير المسلحين وإعادة استيرادهم، ومع التزايد الكمى والكيفى للكيانات الإرهابية فى دول حدودية، وتبنيها أفكاراً سلفية لا تفرق بين الحدود الجغرافية والعقائدية، يصبح التنظيم الدولى للإخوان هو الأكثر شراسة وتربصاً بالأمن القومى، ومهما تعددت أسماء الكيانات التى يرعاها «الإخوان» فالهدف واحد هو الانتقام لعزل «مرسى» وسقوط حكم الإخوان فى مصر.. والإبقاء على شريان التمويل ممدوداً من دول وقوى تتحالف مع الإخوان ضد مصر.

صحيح أن درجة «التوحش» قد بلغت أقصاها، وشهدت البلاد عمليات (الذبح والنحر والرجم)، وهى طرق جديدة على التنظيم خرجت من رحم التنظيم الأصلى فى العراق وسوريا، ونقلها «الدواعش الجدد».. ولكن يبقى التخطيط والتدريب والتمويل فى معظمه «إخوانياً» وهو ما أغرى جنسيات أخرى، من الدواعش العائدين، فى الدخول تحت مظلتهم.

ملف «الوطن» تناول «الدواعش العائدين» من مختلف الزوايا الأمنية والنفسية، وشرح أساليب البقاء والصراع على السلطة الذى تدور حوله الكيانات البديلة، وتكنيك عملياتهم.. بقى أن نعرف أننا أمام أغنى تنظيم إرهابى فى العالم.

فى يناير 2016 كتبت فى جريدة «الوطن» مقالاً بعنوان: (الاستثمار الإرهابى)، وعرضت فيه لرأى الخبير فى شئون «اقتصاد الإرهاب» الأمريكى «تشارلز بريسد»، الذى قال إن تنظيم «داعش» هو أغنى تنظيم إرهابى فى العالم، حيث تقدر ثروته بتريليونى دولار، أما دخله فنحو 2٫9 مليون دولار فى السنة معظمه من بيع البترول والغاز، وأيضاً، بحسب تقرير أمنى ألمانى منشور العام الماضى، من حصيلة أموال الضرائب والرسوم التى فرضها التنظيم على المناطق التى يحتلها فى سوريا والعراق، فضلاً عن عمليات تهريب التحف وأموال الفدية.

على الإنترنت ستجد صوراً توضح خرائط المقابر اليونانية والرومانية التى نُهِبت فى ليبيا، وقد عرضت هذه التحف فى الأسواق الإيطالية، وصالة العرض هى مصنع سلامى فى جنوب إيطاليا تسيطر عليه المافيا، بحسب تقرير نشرته صحيفة «دايلى بايست» الأمريكية.

هذا يفسر لنا سر الإقبال على عمليات التجنيد بين صفوف «داعش» وأخواتها، فقضية «الجهاد» أشبه ما تكون بجراحة تجميلية تخفى الوجه البشع الذى يسبى النساء ويتاجر بهن، ويستحل دماء الأبرياء، ويدشن أكبر عملية سطو فى التاريخ.. بالسطو على الأوطان!.

لقد فتحت «الوطن» الصندوق الأسود لأخطر تنظيم إرهابى على الأرض ينتمى له أكثر من 22 ألف مسلح من 51 دولة، وكشفت ألغامه «النائمة» بأراضينا.. بقى أن نفهم جيداً أن الحرب ضده لن تُحسم إلا بمعركة فكرية وفقهية.. فهل نفعل؟.

اخر الأخبار