مفاجآت خطاب ترامب إلى العالم

تابعنا على:   10:40 2017-01-22

أ. سلوى محمد ساق الله

تطلع الجميع بشغف حول ما يمكن أن يتضمنه خطاب شخصية صدمت العالم بوصولها إلى البيت الأبيض لتولي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قادمة من خارج الوسط السياسي، معتنقةً نهجاً وأسلوباً جديداً لتغيير أمريكا وتحقيق الحلم بجعلها عظيمة، بعد أن وعد الرئيس السابق بارك أوباما بأمريكا جديدة. وهو لا شك يفيد بمراحل أكثر تطوراً على الصعيدين الداخلي والخارجي في ظل تحديات كبيرة ستواجه الإدارة الجديدة لحماية الإرث.

لم يكن خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أجندة على المستوى الخارجي على الأقل بقدر ما كان وثيقة فلسفية تحمل رؤية لمستقبل البلاد داخلياً والدور المناسب للحكومة وللمواطنين تحت شعار "أمريكا أولاً". ركز ترامب حديثه حول مكانة أمريكا وضرورة متانتها في الجيش والصناعة والإنتاج باعتبار أن الجوانب الأمنية والاقتصادية تحديداً أكثر ما يستحق أن يركز عليها ترامب خلال فترة ولايته.

ليس جديداً أن يكون الخطاب رسالة إلى وحدة أمريكا بعد الانقسام الذي عانته منذ فوزه على منافسته هليري كلنتون. من الطبيعي أن يركز ترامب على الوجهة التي سوف تسير إليها بلاده على الصعيد الداخلي وسياسات الإصلاح والتنمية في العديد من المجالات أهمها الصحة والفضاء والطاقة، والاقتصاد باعتبار الأخير هو الشريان الرئيسي لكل دولة لاسيما أمريكا باعتبارها أكبر دولة في العالم. هذا إلى جانب التركيز على النواحي الأكثر أهمية في تحقيق السيادة وهما الأمن القومي لأمريكا، وتحقيق الأمن في العالم بما يخدم المصالح الأمريكية.

نظر العالم العربي والإسلامي إلى خطاب ترامب بشغف وتحديداً مدى جديته في نقل السفارة الأمريكية الى القدس، محولاً التصريحات والخطط الانتاخبية إلى واقع فعلي بخطوات عملية. ووسط خيبة عربية؛ لم يتطرق الخطاب إلى ما تطلع له العالم العربي من مستقبل علاقات مع أمريكا يرسم طريق تسوده المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، إنما ما وجد هو توقع أمريكا على نفسها لإعادة بناء وتطوير ذاتها، وكأنها منسحبة من إدارة العالم تاركة ورائها فراغاً لربما يسرع إليها النفوذ الروسي أو الصيني قريباً محاولاً السيطرة حفاظاً على المصالح.

ووسط هذا التجاهل؛ ذُهل العالم العربي والإسلامي من كون الخطاب الموجه لهم هو محاربة التطرف الإسلامي، في ظل تساؤل ماذا يقصد ترامب بالتطرف الإسلامي؟ وهل استبدل مصطلح محاربة الإرهاب بالتطرف الإسلامي ليعطي نفسه شرعية أكبر في استهداف العالم الإسلامي؟ وما هي الأدوات الجديدة التي يمتلكها ترامب بهذا الصدد؟

كان خطاب ترامب غامضاً متجاهلاً الحديث عن مساحة سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط بعد الأحداث والنتائج المذهلة لعهد الربيع العربي وتنامي موجات الإرهاب، كما لم يتطرق إلى النوايا تجاه روسيا والأزمة السورية، وكذلك الملف النووي الإيراني الذي لم يقفل بعد، وفتور العلاقات مع دول الخليج العربي، وتهميش دورها في أزمات الشرق الأوسط. وشمل هذا التجاهل أيضاً التطرق إلى احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية عامة وتجاه الشرق الأوسط خاصة منها ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

ربما ينم الخطاب عن اتباع سياسة دبلوماسية متوازنة تجاه العالم وتحديداً في القضايا ذات الحاسية العالية، حيث بإمكانها تجنب أمريكا والعالم المزيد من الحروب معتمدةً على خطوات جادة وفعلية تجعل العالم يحمل مزيداً من الإيمان بالقوة الأمريكية وأن التحالفات والقناعات التي من شأنها أن تشغل حيزاً من الأسلوب التكتيكي والاستراتيجي للسياسة الأمريكية.

وبالمقارنة بين خطاب تنصيب أوباما عام 2009 نجد أنه وعد بأمريكا جديدة، مركزاً لا شك على الاقتصاد الأمريكي من خلال وضع أسس نمو وتطور الاقتصاد إلى جانب زيادة فرص العمل أمام الأمريكيين وتمكين الأسر من نيل حياة كريمة لائقة يحظى فيها كبار السن بالاحترام والكرامة. وفي الجانب الاقتصادي؛ ركز على تحفيز التبادل التجاري وخفض معدلات الفائدة وانعاش الاقتصاد بشكل عام حتى تستطيع أن تعبر أمريكا أزمتها الاقتصادية التي كانت تعانيها حينها، وتجنب المزيد من الأزمات من هذا النوع. أما في جانب الأمن؛ ركز على أن سلامة أمريكا هي الأساس ضمن إطار القانون واحترام حقوق الإنسان في ظل تحقيق مجتمعات تحلم بالسلام وتسعى إلى تحقيقه، وتحقيق الاندماج الاجتماعي.

ويبقى السؤال هل يمكن لترامب أن ويحدث فارقاً جذرياً في السياسة الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ أم أن الأمور سوف تسير كما سبق باتباع النهج الأمريكي المحافظ على مصالح الداخلية ومع العالم الخارجي مع اتخاذ ما يلزم من رتوش وتغييرات طفيفة تقتضيها المتغيرات التي تجري على المستويين المحلي والدولي؟

اخر الأخبار