بعد هذا الحدث التاريخي ، إستباق الأحداث غير مفيد !

تابعنا على:   21:36 2017-01-20

زهير الشاعر

أبدأ مقالي هذا اليوم بالتعبير عن أحر التهاني للشعب الأمريكي على هذا الوجه الحضاري التاريخي الذي أظهره في حفل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب والذي أبهر العالم بالفعل من حيث الحضور والالتزام والتنظيم.

التاريخ يعيد نفسه من جديد ، حيث أنه في فبراير عام 2002 صادق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش على توصية الكونجرس الأمريكي التي لم تكن الأولى من نوعها في حينه وذلك بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، حيث جاء ذلك بعد أن كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في عهد كل من رولاند ريغان وجورج بوش الاب وبيل كلينتون وباراك أوباما، مستعدة هي الأخرى للتفاعل مع موقف الكونجرس، في هذا الاتجاه، والمصادقة على قراراته وتطبيقها، لكن تلك الإدارات كانت ترى أن تحقيق ذلك يمكن أن يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية العليا، بما يؤثر على الأمن القومي، وبالتالي تحت هذا المبرر جرت العادة أن يتم رفض تنفيذ هذا القرار وتأجيل تنفيذه كل ستة أشهر، وهذا ما يمكن أن يحصل حيث أن الرئيس دونالد ترامب تجاهل هذا الأمر تماماً أثناء خطاب التنصيب حيث تبين من ذلك بأنه لا يعطيه الأوليه في أجندته ، لا بل ركز بالكامل على المبادئ التي يؤمن بها والمتعلقة بمصالح بلاده وشعبه بطريقة مذهلة.

لذلك أجد أنه من المثير حقاً كثرة التصريحات الفلسطينية التي باتت تتخبط وهي تعبر عن حالة الهلع من مما سيُقْدِم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد اليوم الأول من تسلمه مهام الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية رسمياً اليوم العشرين من يناير 2017، وكأنه لا يوجد أمام الرجل ملفات أخرى تهم العالم بأسره سوى الملف الفلسطيني ونقل سفارة بلاده، وهنا لا أقلل من شأن ذلك لا بل هذه التخوفات هي أمر مشروع كون أن تصريحات الرئيس ترامب أثناء الحملة الانتخابية كانت تحمل الكثير مما يثير القلق خاصة فيما يتعلق بتوجهه إلى نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس وهي المدينة التي تعبر عن حقيقة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكني أجد هناك مبالغة تحتاج إلى ضبط إيقاعها!.

كما أن المثير أيضاً هو أن هذا القلق لدى الفلسطينيين بات يمثل حالة من الهوس حيث أن الجميع بات يفتي ويتحدث وكأن القيامة ستقوم فور دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض رسمياً لا بل لربما باتوا يعتقدون أن هذا الحدث سيمثل نهاية الدنيا.

في الحقيقة ان من يجهل السياسة الدولية وتحدياتها ولا يريد أن يقرأ التاريخ ، هو معذور بالفعل في تخبطه هذا، ولكن من المعيب أن تصل الإثارة السياسية الهادفة لهذا المستوى الهابط من استغلال عقول الناس ومشاعرهم الإنسانية ، كون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة ديموقراطية يحكمها القانون وتحكمها المؤسسات وتبني قراراتها حسب مصالحها العليا ، وليس دولة أفراد مهما بلغ نفوذهم ، وبالتالي فإنني أرى أن هناك مبالغة غير مبررة في حجم التخوفات الفلسطينية حيث أنها بالعادة تؤدي إلى إهدار الطاقات التي يجدر بأصحاب القرار العمل على توجيهها بحكمة بدلاً من إفساح المجال أمام الإدلاء بتصريحات تصعيدية هدفها الإثارة وتسجيل المواقف بالرغم من معرفتهم الحقيقة مسبقاً ، كاستباق للأحداث وما سيتم الإفصاح عنه رسمياً بخصوص السياسة التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة.

نعرف أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الرئيس دونالد ترامب قد صرح خلال حملته الانتخابية بأنه في عهده (إذا أصبح رئيسا) فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعترف بأن القدس هي العاصمة الوحيدة والحقيقية لإسرائيل ، كما ذهب أبعد من ذلك وقال أعترف بأن القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

في تقديري أن هذا الأمر طبيعي جداً خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير عما يراه أي مواطن في بلد تعد هي عنوان الديموقراطية في العالم ، كما أنه لا يمكن إغفال أن هذا الأمر ليس بجديد حيث أنه قائم بالفعل ، حيث أن حقيقة المصالح المشتركة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة إسرائيل تكمن في حقيقة أن العلاقات بينهما قائمة على الاستراتيجية الواحدة وعلى مفهوم توحيد المواقف بكل ما تعنيه الكملة من معنى، ولكن الأمر الغير طبيعي هو أن يتباكى من يعلمون بأنهم جزء من هذا التوجه منذ البداية ويعلمون بأنهم أدواته ويساهموا طوال الوقت لتسهيل الوصول إلى هذه النتيجة!.

كما أنني أرى أن الرئيس دونالد ترامب لم يحدد موقفه بشكل حاسم بخصوص إن كان يقصد أن القدس بشقيها ستكون هي العاصمة الموحدة لإسرائيل التي ستعترف بها سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة أم أنه كان يقصد القدس الغربية التي تعترف بها كل دول العالم بالفعل بأنها جزء من أراضي دولة إسرائيل ، كما اعترفت بها منظمة التحرير الفلسطينية في نفس السياق منذ أن قبلت باتفاق أوسلو ، وقبلت بحل الدولتين على أساس الوصول إلى دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية!.

أيضاً ، الرئيس دونالد ترامب كان قد قال في خطابٍ له أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) وذلك في مارس/آذار 2016 في واشنطن، إنه في حال انتخابه رئيسا سيقيم تحالفاً قوياً بين بلاده وإسرائيل.

والسؤال هنا ، ما هو الجديد بهذا الشأن حيث أنه من المعروف أن التحالف بين الدولتين استراتيجي بشكل جوهري كما أسلفت سابقاً ، وذلك عبر كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وعلى كل المستويات ولم يكن يوماً غير ذلك ؟!.

إذاً ما هي المشكلة التي أثارت كل هذه الضجة الإعلامية حتى وصل الأمر لأن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني من خلال أعضائه المقيمين في العاصمة الأردنية عمان محذرين من أن الإقدام على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ستمثل خطوة خطيرة من شأنها أن تترك آثاراً كارثية على أمن المنطقة واستقرارها، وتفتح الباب واسعاً لسحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل!، لا بل ذهب غيرهم بعيداً في رفع سقف تهديداته حيث قال بأن تنفيذ هذا الأمر سيفتح أبوب جهنم!.

من ناحيتي لا أدري عن أي جهنم كان يتحدث أولئك ، وأكاد أجزم لدرجة اليقين بأن هذا الكلام لا يعدو سوى فكرة إطلاق زخات من الرصاص في الهواء بدون معرفة سبب ذلك، وإنما هو نابع من ثقافة عمياء لم تتعود على مواجهة الحقيقة من خلال الثقافة المبنية على ضرورة دراسة الحالة والتريث في إيجاد الوسائل الحكيمة والملائمة في التعاطي مع التحديات المترتبة عليها والعمل على إيجاد حلول منطقية وواقعية بعيداً عن الإثارة والنعرات الفارغة، لا بل العمل بجد على فتح قنوات وجسور من الثقة مع الواقع الجديد وفهم متطلباته.

هنا أود القول بأنه أعجبني ما تطرق إليه الدكتور ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس مجلس إدارة مؤسسة " ياسر عرفات" مساء الأربعاء 18 يناير 2017 ، خلال ندوة حول قرار مجلس الأمن رقم 2334 وخطاب وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ومؤتمر باريس للسلام ، وتوقعه لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة ، حين قال بخصوص الجزئية الأخيرة بأن الحديث يدور عن رئيس قادم من خارج الحقل السياسي وهو رجل غير تقليدي كما أنه صاحب مواقف حادة ومتناقضة ، وعبر عن ذلك من خلال ملاحظاته العميقة للمواقف التي عبر عنها الرئيس دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية ومنها رغبته بإيجاد حل للقضية الفلسطينية وهذا يتناقض في نفس الوقت مع توجهه إلى نقل السفارة من تل ابيب إلى القدس وشرعنة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

كما أن المراقبين للأمور عن قرب يرون أن هناك تعيينات متناقضة لأعضاء في إدارته ، حيث أنها لم تساعد بعد في فهم الأمور وتوجهات الإدارة الأمريكية الحقيقية بشكل أوضح ، فمنها مثلاً ما هو مثير للغاية ويعبر عن توجهات صارمة تحمل معها رسائل قوية جداً ولكنها مثيرة للقلق ، ومنها ما هو منطقي ومتوازن ويعبر عن توجهات معتدلة وتحمل أيضاً رسائل سياسية مهمة .

مما يعني أن الرئيس دونالد ترامب عرف كيف يوازن بالضبط في اختياراته لأعضاء إدارته وكأنه يقول بأنه يمسك العصا والجزرة في آن واحد ، وذلك بما يتلاءم مع السياسة التي يبدو بأن العالم لم يتعود عليها من قبل، خاصة بأنها نابعة من فكرٍ مستقل لرجل جاء من خارج الحقل السياسي ليقتحم بفكره هذا عالم السياسة بإصرار وعزيمة وقوة، ولكن مع مرور الأيام والبدء بالتنفيذ الفعلي لسياسة إدارته، سيتفهم العالم توجهاته ويتعاطى معها كل دولة في إطار مصالحها المتبادلة مع هذه الدولة العظمى.

كما أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن الرئيس دونالد ترامب هو رجل أعمال ناجح حقق نجاحات هائلة في عالم التجارة والمال وله آليات فكرية خاصة به ، وبالتالي من باب المنطق ستكون أولوياته هي تحقيق مصالح بلاده كما يراها هو ، على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، كونه كان في موقع يمثل حالة نجاح ، وهذا حقه وأمر طبيعي جداً.

أخيراً في تقديري أنه يتوجب على الجانب الفلسطيني البحث عن آلية موضوعية لخلق جسور من الثقة مع هذه الإدارة بدون استباق للأحداث والعمل على انتقادها أو التحريض عليها أو حتى التصادم معها ، لأن في ذلك أمر غير مفيد وقد يؤدي إلى خسارة فرصة تاريخية ، حيث أنه لربما تكون إدارة الرئيس دونالد ترامب هي الإدارة الأكثر صرامة في تنفيذ أي اتفاق سلام ، كون أن هناك مبادئ ورؤية مستقلة نابعة من قناعات ورغبات متراكمة لتحقيق النجاح تستحق الاحترام وهي التي ستتحكم بهذه الإدارة، عبر عنها الرئيس ترامب نفسه خلال حفل التنصيب ، والتي لربما ستحظى بالفعل بفرصة تحقيق السلام المنشود في المنطقة أو على الأقل سيعيد التاريخ نفسه مرة أخرى في عهدها ليتغير المشهد الفلسطيني برمته!.

اخر الأخبار