ذكرى الشهداء القادة الثلاثة صلاح خلف وهايل عبد الحميد وابو محمد العمري

تابعنا على:   15:39 2017-01-14

في الرابع عشر من يناير من كل عام تتجدد ذكرى الشهداء الثلاثة الذين نالت منهم يد الغدر الآثمة باغتيالهم في تونس الخضراء ظناً من هؤلاء الأعداء أنه باغتيال قادتنا يستطيعوا إطفاء جذوة الثورة والانتفاضة الفلسطينية ووأد الحلم الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على تراب الوطن .

في ذكرى الاغتيال لقادتنا الثلاثة ما تزال يد العدوان الإسرائيلي ماضية إرهابها وبطشها ضد شعبنا الفلسطيني ضاربة بعرض الحائط كافة قرارات الأمم المتحدة ، حيث قدم الشعب الفلسطيني الآلاف من الشهداء على مذبح الحرية في ظل إصراره على الاستمرار في طريق الحرية والاستقلال .

لقد مضى على استشهاد القائد الكبير / صلاح خلف ( أبو إياد ) أربعة وعشرون عاماً ، وها أنت تبعث في رفاقك وإخوتك علماً خفاقاً ومسيرة طيبة ، إن أمثالك من القادة الشهداء هم عنوان فخارنا ومناط ثقتنا بأنفسنا ، ومصدر إلهامنا بأنبل المعاني وأشرف الغايات .

ولد صلاح مصباح خلف في" حي الحمام المحروق " بمدينة يافا بتاريخ 31/8/1933م في أسرة متوسطة الحال أصلها من غزة ومتمسكة بالقيم والأخلاق الحميدة ، ذلك أن جده لوالده كان عالماً أزهرياً ، كان صلاح منذ صغره عطوفاً حنوناً ، صادقاً في مواجهة الباطل ، جاداً في معاملة أقرانه ، يقدس الكرامة وعزة النفس ، يحسن الصمت ، والاستماع الجيد إلى رفاقه ، كما كان محل تقدير واحترام معلميه ، بتاريخ 13/5/1948م اضطرت أسرته مغادرة مدينة يافا إلى غزة عن طريق البحر ، حيث أكمل صلاح خلف دراسته الثانوية فيها عام 1951م ، ثم التحق بكلية درا العلوم التابعة لجامعة القاهرة ، وفي نفس العام التقى بياسر عرفات وتوطدت العلاقة بينهما من خلال تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين ، حيث قاد اتجاه التوحيد في الاتحاد كل من/ ياسر عرفات ، صلاح خلف ، عبد الفتاح حمود ، سليم الزعنون ، زهير العلمي ، وبرزت أهمية الاتحاد في كونه الجنين لأول تجربة فلسطينية علنية تمتعت بهامش الاستقلالية . وذلك بفضل الروح الوطنية التي سادت قيادتها وأعضائها ، وقد لعب هذا الاتحاد دوراً أساسياً ونقابياً في ترسيخ بذور الاستقلال الوطني وبعث الهوية الفلسطينية .

في الثامن والعشرين من فبراير 1954م قام الصهاينة بغارة عسكرية على غزة فنظم الطلاب الفلسطينيون في مصر على أثرها إضرابات ومظاهرات ، وكان صلاح خلف على رأسها حيث تقدموا إلى السلطات المصرية بثلاث مطالب :

1. إلغاء نظام التأشيرات لدخول غزة والخروج منها .

2. إعادة المواصلات الحديدية بين القاهرة وغزة .

3. فرض تدريب عسكري إجباري على الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم ، هذا وقد تم لقاء مع السلطات المصرية مع ممثلين عن الطلبة المضربين وناقشوا معهم مطالبهم ثم أصدروا الأوامر بتنفيذها .

تخرج صلاح خلف من كلية دار العلوم / قسم الفلسفة عام 1957م وحصل كذلك على دبلوم تربية وعلم نفس وعاد إلى قطاع غزة ليجد أمامه ملفه الحافل بقصص المشاغبات والتمرد ، فتم تعيينه عقاباً له مدرساً في مدرسة الزهراء الثانوية للبنات انتقاماً لسابق مسلكه ولمنعه من ممارسة النشاط السياسي بين الطلاب الذكور ، وبعد مضي ستة أشهر على هذا الحال تم نقله إلى مدرسة خالد بن الوليد الثانوية للبنين في المنطقة الوسطى ( النصيرات ) ليعاود نشاطه السياسي .

تعاقد صلاح خلف مع بعثة الكويت عام 1959م للعمل مدرساً فيها ونظراً لنشاطه السياسي آنذاك فقد غادر مدينة غزة مكبلاً بالأغلال وتحت الحراسة المصرية حتى سلم الطائرة في مطار القاهرة الدولي .

عام 1959م تزوج صلاح خلف من ابنة عمه المقيمة في القاهرة ورزقا بستة من الأبناء والبنات ( ثلاثة أولاد وثلاثة بنات ) .

وفي الكويت وبعد أن استقر به الحال انضم صلاح خلف وبعض من الأخوة إلى من سبقوهم من المؤسسين لحركة فتح حيث كانت فرصة للالتقاء مع ياسر عرفات مرة ثانية وخليل الوزير وفاروق القدومي وخالد الحسن وسيلم الزعنون وعبد الله الدنان وعادل عبد الكريم وآخرين من تنظيم الكويت ، وكان في دولة قطر إخوة لهم ( محمد يوسف النجار – محمود عباس – عبد الفتاح حمود – كمال عدوان – سعيد المسحال وغيرهم ) يعملون بجد ونشاط على استقطاب الجالية الفلسطينية للعمل من أجل قضيتهم وتأطير من تنطبق عليهم شروط العضوية وفي سرية تامة .

أبو إياد والانطلاقة الأولى حيث شهدت أوساط حركة فتح خريف عام 1964م خلافاً حاداً حول حرب العصابات ، فمنهم من رأى أن الوقت مبكر وكان الطرف الآخر وعلى رأسهم أبو إياد يرى أن الوضع مناسب لبدء الكفاح المسلح ، وأن فتح ستتطور إلى حركة جماهيرية بممارسة الكفاح المسلح واستطاع أبو إياد وبحنكته وحكمته من إقناع المتحاورين برأيه ، حيث جرى توقيت ميعاد أول عملية عسكرية بتاريخ 31/12/1964م ومنها كانت انطلاقة البلاغ العسكري الأول باسم ( العاصفة ) ، هذا ورغم المضايقات العربية وضآلة الدعم الخارجي والخلافات التي نشبت داخل حركة فتح واصلت الحركة حرب العصابات مما زاد من التوتر بين إسرائيل والبلدان العربية .

لقد شكلت هزيمة حزيران 1967م نقطة انطلاق جديد لحركة فتح ، فأقيمت قواعد لها على طول نهر الأردن حيث آزرهم السكان المحليون والقوات الأردنية .

مرحلة جديدة في مسيرة الحركة بعد هزيمة حزيران 1967م حيث عقدت اللجنة المركزية للحركة مؤتمراً في دمشق بتاريخ 12/6/1967 ناقشت فيه جدوى استئناف الكفاح المسلح بعد الهزيمة واتخذت القرارات التالية :

- تكليف لكل من الأخوة / محمد يوسف النجار ، صلاح خلف ، عبد الفتاح حمود ، بالعمل على تنظيم الحركة بما يتناسب والمرحلة الجديدة على أن يتم تفرغهم لهذه المهمة .

- توجيه نداء إلى جميع المناضلين لجمع السلاح الذي خلفته الجيوش العربية في ساحات المعارك وكذلك شراء السلاح من التجار والمهربين .

- حملة تبرعات من الأثرياء الفلسطينيين ومن دول النفط .

- إرسال عدد من الأطر القيادية إلى الأرض المحتلة لتوسيع العمل والاستعداد للعمليات الفدائية .

- إرسال وفود إلى كل من مصر وسوريا والعراق والجزائر وليبيا حيث كلف كل من صلاح خلف ، وفاروق القدومي بزيارة إلى ليبيا في العهد الملكي عام 1967م وقاموا بجمع تبرعات سخية من الشعب الليبي إلى حركة فتح بالتعاون مع اللجان الشعبية .

تفرغ صلاح خلف في إطار حركة فتح في العام 1967م حيث بدأت الحركة بتثبيت هيكلها التنظيمي وتوزيع مهامها على أعضاء اللجنة المركزية حيث أسندت اللجنة في اجتماعاتها مهمة تشكيل جهاز أمني أطلق عليه جهاز الرصد الثوري وتولى مسؤوليته صلاح خلف ( أبو إياد )، وبذلك يكون قد تم إنشاء أول جهاز أمني للثورة الفلسطينية .

شارك القائد / صلاح خلف بجانب قيادة حركة فتح وعلى رأسهم القائد / ياسر عرفات في معركة الكرامة بتاريخ 21/3/1968م ، قام القائد صلاح خلف وعلى مسؤوليته بإصدار بيان اللجنة المركزية للحركة يعلن فيها تسمية ياسر عرفات ناطقاً رسمياً باسم حركة فتح ، وبالتالي باسم العاصمة دون علم القيادة بما فيهم ياسر عرفات نفسه ، وذلك بتاريخ 14/4/1968م حفاظاً على وحدة الحركة حيث وصلته معلومات تفيد بأن أحد كوادر فتح يستعد لإعلان نفسه قائداً لقوات العاصفة ، ثم أتبعه بنشر تصريح باسم ياسر عرفات يعلن فيه قبوله بالمسؤولية الجديدة وذلك إنقاذاً للموقف .

توجه صلاح خلف وفاروق القدومي إلى مصر لمزيد من كسب التعاطف والتأييد والمساندة لحركة فتح ، حيث التقيا بالأستاذ / محمد حسنين هيكل الذي رحب بهما وأثنى على حركة فتح ونضالها الوطني ثم اصطحبهما إلى الرئيس / جمال عبد الناصر الذي استقبلهما بحفاوة وترحيب شديدين .

بدأت العلاقات مع الرئيس / جمال عبد الناصر ، وأقام صلاح خلف علاقات متينة مع جهاز المخابرات المصرية الذي تلقى تعليمات من الرئيس جمال عبد الناصر بالتعاون وتقديم كل المساعدة لحركة فتح ، فكان طلب أبو إياد من المخابرات المصرية هو التدريب لمجموعة من الكوادر ، وجاءت الموافقة الفورية على الطلب وقام أبو إياد بنفسه باختيار مجموعته القيادية لقيادة جهاز الرصد الثوري من تنظيم حركة فتح في كل من مصر والكويت والسعودية وسوريا والأردن ، وترأس الجهاز واختار " علي حسن سلامة " نائباً له ، وقام بإرسال أول مجموعة من كوادر الحركة إلى مصر ليتلقوا دورة أمنية مكثفة في مقر المخابرات العامة المصرية لمدة ثلاثة أشهر ، وبعدها أرسلت الدورة الثانية ، كانت نظرة أبو إياد لتشكيل هذا الجهاز المعاناة من الاختراق الأمني لتنظيماتنا الفلسطينية من قبل العدو الصهيوني ، لذا كان كل تفكيره أن يكون لدى الحركة جهاز أمن قوي .

استطاع أبو إياد أن يرسخ مكانة الجهاز في الثورة الفلسطينية عبر انتقاء عناصر الجهاز ودعمه بكوادر مؤهلة ومدربة ، وأصبح الجهاز بمثابة ( أمن ) منذ عام 1969م ، وبرز كقوة شبه مستقلة لها شبكة واسعة من المنتسبين والمتعاونين من الفلسطينيين والعرب في معظم دول العالم .

أصبح جهاز الرصد الثوري متكاملاً بصورة جيدة ومسلحاً بقوة ضاربة وامتلك سمعة قوية للغاية خصوصاً وإنه استطاع أن يحقق إنجازات مخابراتية جديدة في فترة زمنية قصيرة ضد إسرائيل .

من مميزات القائد / صلاح خلف ( أبو إياد ) التي ساعدته على تصدر المسؤوليات الثورية ووصفه برجل المهمات الصعبة أنه كان خطيباً مفوهاً ، وكاتبا ناجحاً ، وإنساناً صلباً جريئاً ، ومتعدد المواهب والقدرات ، ومفاوض قدير ، ومحاور مقنع ، طويل النفس ، صبور ، معتد بكرامته ، ووطني صادق ، متفانٍ في أداء رسالته الوطنية على حساب زوجته وأسرته وأولاده الستة إلى جانب والديه وأخوته الذين لا يراهم إلا نادراً ، وخلال فترات متباعدة وعندما تسمح له ظروفه بزيارة القاهرة حيث يقيمون .

صاغ صلاح خلف في شهر أكتوبر عام 1968م الهدف الاستراتيجي للمقاومة وهو العمل باتجاه تحويل فلسطين إلى دولة ديمقراطية ، يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات .

بدأ اسم القائد / صلاح خلف ( أبو إياد ) يبرز كعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الرصد الثوري ثم مفوضاً لجهاز الأمن الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث تعرض لأكثر من عملية اغتيال سواء من الإسرائيليين أم من بعض الأنظمة العربية .

في عام 1970م رافق القائد / ياسر عرفات في زيارة تاريخية إلى الصين الشعبية ، وقوبلا هناك باستقبال رسمي وشعبي بكل ود وتقدير .

أحداث أيلول واعتقال أبو إياد عام 1970م .

لقد وصلت العلاقات بين الثورة الفلسطينية والسلطات الأردنية حد الاشتباك المسلح وذلك في شهر أيلول عام 1970م حيث تم اعتقال " أبو إياد " وبعض رفاقه القياديين في هذه الأحداث ، ثم دعي إلى القصر الملكي في عمان للقاء الوفد العربي الذي جاء إلى الأردن مكلفاً للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإنهاء المعارك بين الطرفين ، وقد سافر " أبو إياد " من عمان إلى القاهرة على نفس طائرة الوفد العربي حيث قدم شرحاً مفصلاً عن أحداث الأردن للزعيم الراحل / جمال عبد الناصر ، انتهى وجود المقاومة الفلسطينية في الأردن في صيف عام 1971م بعد اشتباكات دامية حيث طويت صفحة من تاريخ الثورة الفلسطينية في الساحة الأردنية .

بعد خروج الثورة من الأردن انتقلت القيادة الفلسطينية إلى لبنان ، وبعد أحداث أيلول 1970م وتموز 1971م تعرض الجهاز وقيادته عموماً لنقد عنيف ، فترك القائد صلاح خلف الجهاز وتسلم الجهاز بصفة مؤقتة (محمود عباس"أبو مازن") ، وبعد المؤتمر الثالث للحركة الذي عقد صيف عام 1971م في دمشق تسلم مسؤولية الجهاز الشهيد القائد / " أبو يوسف النجار" وعين نائباً له حمد العايدي " أبو رمزي " لانشغال أبو يوسف النجار بعمل اللجنة السياسية العليا للفلسطينيين في لبنان وتوليه رئاسة الدائرة السياسية لـ م.ت.ف .

تولى القائد صلاح خلف مهمة جهاز شؤون الأردن من عام 1971-1973م ، وبعد استشهاد القادة الثلاثة في عملية فردان عام 1973م توجهت حركة فتح لإعادة ترتيب أولوياتها فتم إنشاء جهاز الأمن المركزي والذي تسلمه هايل عبد الحميد وتم تأسيس جهاز الأمن الموحد في نفس العام وترأسه صلاح خلف بتكليف من اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بغرض توحيد الأجهزة الاستخبارية للمنظمة .

جاء تأسيس جهاز الأمن الموحد ليكون جهازاً أمنياً يعتمد على وسائل علمية وإدارية متطورة واعتماداً على كفاءات أمنية وعسكرية من خيرة أبناء الثورة الفلسطينية الذين قاموا بنقل تراكم الخبرات النضالية لديهم على مدى سنوات طويلة .

كرس القائد / أبو إياد جهده وعلاقاته وصلاته الخاصة لتعزيز عمليات جمع المعلومات الأمنية و الاستخبارية وأقام شبكة علاقات مهمة مع عدة جهات استخبارية في العالم وتحديداً دول المنظومة الاشتراكية في إطار النضال الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية .

كان القائد / صلاح خلف من القلة التي عرفت بعض الخفايا التي سبقت حرب أكتوبر 1973م وما رافقها وأعقبها ، حيث أسر الرئيس أنور السادات له طالباً إحضار عدد من الفدائيين الفلسطينيين للاشتراك في المعركة وتم إبلاغ ياسر عرفات بذلك ، وحضر أبو إياد إدارة غرفة عمليات المعركة مع الرئيس السادات ، وبعد حرب أكتوبر تبنى صلاح خلف مشروع إقامة الدولة على جزء من فلسطين وصولاً إلى إقامة دولة ديمقراطية على كامل فلسطين تضم الفلسطينيين والمسيحيين واليهود.

أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان عام 1975م كان لأبي إياد دوراً بارزاً إبان تلك الحرب ، فقد كان أحد قادة المقاومة المكلف بعملية المفاوضات المعقدة بين الفصائل اللبنانية مع بعضها من جهة والفصائل اللبنانية والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى ، وشارك في الإعداد لإتفاقية شتورا عام 1977م التي نظمت هذه العلاقة .

أبو إياد كان عاشقاً للكتابة ، فقد ألف مسرحيتين الأولى بعنوان ( أيام مجيدة ) تحكي قصة رحيله وأسرته عن مدينة يافا بحراً عام 1948م ، والثانية تندد ضمنياً بمواقف الدول العربية من قضية فلسطين .

صدر كتاب ( فلسطيني بلا هوية ) عام 1978م للصحفي الفرنسي إريك رولو على شكل سلسلة من اللقاءات .

يعتبر القائد أبو إياد ضمير الثورة الفلسطينية وصمام الأمان للوحدة الوطنية وصديق أحرار العالم ، وكذلك يعتبر أحد أهم منظري الفكر الثوري لحركة فتح .

أبو إياد هو درع الثورة ، هو المفكر والمثقف والسياسي الكبير ، والموحد الذي يجمع الساحة الفلسطينية على موقف واحد ، وعلى موقف إنساني واحد ، وبالتالي فهو الرجل الكبير الناصع .

أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م لعب القائد / صلاح خلف بجانب أعضاء القيادة الفلسطينية دوراً هاماً ومميزاً في تأمين ظهور المقاتلين وفي المفاوضات التي شهدتها الساحة آنذاك حتى تم الخروج بعد مفاوضات شاقة وعسيرة وصمود أسطوري لمدة ثلاثة أشهر متواصلة ، انتقلت بعدها قيادة المنظمة إلى تونس الشقيقة .

حضر القائد أبو إياد إلى دمشق بعد الخروج من بيروت وذهب إلى البقاع اللبناني عدة مرات لزيارة القوات الفلسطينية هناك .

القائد / صلاح خلف الذي حاز لقب الرجل الثاني في حركة فتح بشخصيته المؤثرة وقدرته على الحركة ونفوذه السياسي الواسع وصوته الهادر ، لم يكن يوماً قائداً فلسطينيناً فحسب ، بل كان أهم الأسلحة التكتيكية للحركة والثورة الفلسطينية في كل معاركها الداخلية والخارجية ومخزون الحجة ، والمناورة السياسية الذي لا ينضب ، والمجلس العاكس لكل توترات فتح الداخلية حين تنهال الحركة على بعضها ، مستمع من الطراز الأول ، يجذب إليه المثقفون والمبدعون .

استطاع أبو إياد أن يحكم سيطرته على جهاز الأمن الموحد بأسلوبه الثوري الناقد والمعارض لأخطاء القيادة .

احتفظ أبو إياد بمسافة جيدة ميزت شخصيته الطاغية وأسلوبه اللاذع وهجوميته وجرأته التي شكلت منه قطباً جاذباً للجميع ، بمن فيهم أطراف المعارضة المختلفة سواء في حركة فتح أو التنظيمات الفلسطينية الأخرى ، بحيث استطاع تليين أو إقناع أو تهديد أو التفاهم مع هذه المعارضة بما لا يؤدي للتمرد أو الاقتتال .

كان الهاجس الأكبر الذي يشغل ذهن القائد / صلاح خلف ذي الرؤية السياسية البعيدة والعقلية الأمنية والحرص التنظيمي البعيد الوحدوي والمرونة المحسوبة هو أن يتيح المجال لكافة الأفكار والآراء والتيارات لكي تعبر عن نفسها بديمقراطية ، كان يهرع إليه الغاضبون والحالمون ، لم يتردد يوماً في التصدي لما كان يراه خطأ .

يعتبر القائد / صلاح خلف بصراحته المعهودة وجرأته المتناهية بأن الثورة الفلسطينية قد حققت إنجازات وخطوات إيجابية كبيرة ولا يمكن تجاهلها ، إلا أنه في نفس الوقت ذاته يقر و يعترف بأن الثورة ارتكبت أخطاء فادحة في عقد تحالفات مع بعض الأنظمة العربية .

أما في حركة فتح يرى القائد / صلاح خلف أن غياب المحاسبة قد أدى إلى ضعف الالتزام والانضباط وإشاعة الفوضى وانتشار الفساد لاسيما بين أولئك الذين لم ينتظموا في صفوف التنظيم ولم يتعلموا مبادئها وأهدافها وسلوكها .

لقد أدرك هذا القائد الجسور أن الرحيل المر عن معاقل المقاومة في لبنان قد أفقدته بصورة خاصة عصاه التي كان يرفعها في وجه الظالم أو المتخاذل ، فتنحني له الرقاب صاغرة ، ولهذا فقد عاش أبو إياد بقية حياته يتجرع ذكريات الماضي يوم كانت الثورة في قمة شموخها وعنفوانها وفي مقدمة ثورات العالم التحررية .

قام أبو إياد بزيارة العديد من الدول العربية والأوروبية والاشتراكية على رأس وفود رسمية حيث أقام علاقات جيدة مع هذه الدول لصالح الثورة .

لقد ظل القائد / صلاح خلف وفياً لعهد الثورة ... أميناً على أهدافها ومبادئها .. حيث كان من الرواد الأوائل ، لقد كان أنموذجاً عجيباً ، تتمثل فيه فضائل وأحوال قلما تجتمع معاً في شخص آخر ، فهو على عناده في الحق والدفاع عنه وتصلبه في العقيدة الوطنية إنسان لطيف المعشر ليس في مقدور أحد أن لا يحبه .

كان أبو إياد حائط الصد حيث كان يقف حائلاً وجداراً منيعاً صلباً يحمي القائد العام أبو عمار من سكاكين الغدر والانقسام .

من أقوال الشهيد القائد / صلاح خلف " أبو إياد " :

• هذه الحركة لا تخاف من الكلمات ولا تخاف من الشعارات .

• هذه الحركة تعرف أين مصلحة هذا الشعب وتعرف أين مصلحة هذه الأمة .

• هي تعرف أين أصدقاءها وأين أعداءها وأين تحالفاتها .

• هي تعرف كيف تتعامل معهم وليس عندها عقدة نقص في التعامل مع أي كان في هذا العالم .

• المستقبل الذي ننادي به هو وحدة م . ت . ف وشرعيتها .

• كلمة السر عن القائد الشهيد أبو إياد هي : فلسطين اليوم وغداً ومستقبلاً .

أثناء زيارته الأخيرة إلى العراق في شهر يناير 1991م بناء لطلب الرئيس صدام حسين وقبل استشهاده بأيام قليلة وأثناء المحادثات الثنائية حول الأوضاع التي وصلت إلى حافة الهاوية قال للرئيس صدام حسين إن غزو دولة الكويت كان عملاً خاطئاً ، وإن العرب لديهم القدرة على إيجاد حل للمشكلة سلمياً بدون استخدام القوة لفض النزاع .

كان أبو إياد أحد القادة الفلسطينيين الذين رفضوا هذا الاحتلال وضغطوا لإدانة النظام العراقي ، حيث أكد أن احتلال العراق للكويت كمن يهوى اللعب بالنار ولن نكون يوماً رهن إشارة من صدام حسين .

جريمة الاغتيال :

في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم 14/1/1991م اتصل أبو إياد بــ أبو محمد العمري طالباً منه موافاته إلى منزل أبو الهول لمناقشة تداعيات حرب الخليج ، فرد عليه أبو محمد أن سيارته بها عطل منذ الصباح ولا يستطيع القدوم ، فما كان من أبو إياد إلا أن أرسل له السائق لأخذ السيارة للتصليح ، وأخبره أن أبو إياد سوف يمر عليه بعد قليل لاصطحابه معه ، وبعد نصف ساعة تقريباً حضر أبو إياد إلى منزل أبو محمد العمري واصطحبه في سيارته إلى منزل أبو الهول حيث وصلا إلى هناك فاستقبلهما أبو الهول في صالون منزله بينما بقيت الحراسات والمرافقين في باحة المنزل الخارجية لتأمين الحراسة كما جرت العادة .

بعد جلوسهم في صالون المنزل بفترة دخل المجرم القاتل / حمزة أبو زيد والذي كان يعمل مرافقاً مع أبو الهول إلى داخل المنزل بعد أن قامت الخادمة بفتح الباب له حيث أنه من المرافقين المعروفين حيث توجه إلى الصالة التي كان يتواجد بها القادة الثلاثة ووجه بندقيته إلى أبو إياد مباشرة وأطلق النار بغزارة باتجاهه لتخترق الطلقات جسده وتمزقه ، مما دفع أبو محمد العمري للارتماء على أبو إياد لحمايته فوجه المجرم طلقاته باتجاهه وعلى الأثر أصيب أبو الهول بطلقات نارية بعد رفعه مسدسه ، وظل سائراً على قدميه وخرج من الباب يصرخ لقد قتلنا الجاسوس .

نقل أبو الهول إلى المستشفى إلا أنه فارق الحياة ، هذا وبعد أن تأكد القاتل موت أبو إياد ، أسرع إلى الدرج الداخلي وصعد إلى الطابق العلوي محتجزاً زوجة أبو الهول وابنته لعدة ساعات حيث حضرت قوات الأمن التونسية وحاصرت المكان ، وتم اعتقال القاتل حيث أفاد في اعترافاته أنه مكلف باغتيال القائد / صلاح خلف ، واعترف أنه يعمل مع تنظيم صبري البنا " أبو نضال " ، حيث تبين لاحقاً أن القاتل / حمزة أبو زيد تم تجنيده من قبل الموساد الإسرائيلي أثناء وجوده في أوروبا الشرقية وخلال وجوده في الفلبين تلقى تدريباً مكثفاً من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي وتم تكليفه بالانتماء إلى تنظيم المنشق صبري البنا "أبو نضال" حيث تلتقي مصلحة الطرفين.

مساء ذلك اليوم شهدت ساعات المساء منه حدثاً مأساوياً فلسطينياً على التراب التونسي ، أضيف إلى سلسلة الأحداث التي تعج بالأسى والفجيعة في تاريخ الثورة الفلسطينية ، فقد ارتقى كوكبة من القادة الذين كانوا من أبرز أعمدة العمل الأمني والوطني الفلسطيني ولهم في حركة فتح مكانة الصدارة بين إخوانهم المناضلين .

القائد الشهيد الكبير/صلاح خلف (أبو إياد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الأمن الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية أسهم في انطلاقة حركة فتح وكان عبر مسيرة الكفاح الثوري صمام الوحدة الوطنية والساعي لديمومتها ، رجل القبول الفلسطيني والعربي والدولي ، لم يكن يخشى الموت ، فالشجاعة من أبرز صفاته ، فقد كان يدرك أنه مشروع شهادة ، بعملية الاغتيال الجبانة هذه استطاعت أيدي الغدر والخيانة أن تغتال هؤلاء القادة بيد عربية على أرض عربية ، وكانت تلك اليد العربية هي يد فلسطينية للأسف .

لقد تعرض القائد /صلاح خلف (أبو إياد) لعدة محاولات لاغتياله حيث فشل جهاز الموساد الإسرائيلي سابقاً ، ولكنه نجح يوم 14/1/1991م على يد المجرم /حمزة أبو زيد أحد عملاء صبري البنا " أبو نضال " .

أبو إياد رحلت جسداً طاهراً ولكنك بقيت محفوراً في قلوبنا جميعاً ، سقطت شهيداً مدافعاً عن الوطن ، يا رمز العزة والكرامة ، كنت رجلاً قوياً صابراً صادقاً صدوقاً ، و كنت الأصدق منا جميعاً ، رحلت يا أطهر وأرجل الرجال ، تركت لنا مجداً سيدوم ، فنم قرير العين ، رحلت جسداً وبقيت فكراً ومنهجاً .

ترجل القائد/ صلاح خلف عن فرسه للمرة الأخيرة مبكراً قبل أن تتكحل عيناه برؤية فلسطين محررة وعاصمتها القدس الشريف .

الشهيد القائد / صلاح خلف هو القائد الأفعل والأطول نفساً والأعظم تضحية ، تلك هي عبقرية الشعب الفلسطيني ... وعبقرية الإرادة الفلسطينية .

الشهيد القائد / صلاح خلف كان أحد الإرهاصات البارزة في مولد الثورة الفلسطينية منذ البدايات ، وعندما يسجل التاريخ الفلسطيني تاريخ المخاض في الخمسينات والستينات من القرن الماضي فإن القائد صلاح خلف لا يقل أهمية ومكانة عن قادة سابقين في بداية القرن الماضي .

تمر ذكراك يا سيدي ونحن في أمس الحاجة لحنكتك السياسية التي طالما استطاعت أن تنزع فتيل أزمة أو شقاق سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي ، نستذكرك وساحتنا الفلسطينية منقسمة على نفسها ، وأنت من جسد ورفاقك الأولين معاني الوحدة والوفاق ، فكم نحن بحاجة لصبرك وجراءتك ، كم نحن بحاجة لدبلوماسيتك الناجحة ، كم نحن بحاجة لعقليتك الأمنية .

إننا مطالبون بأن نعلي أسماء قادتنا الشهداء ونحيي سيرتهم العطرة هؤلاء الشهداء الأكرم منا جميعاً ، لأنهم الأنبل والأخلد بيننا ، وهم الأحياء عند ربهم يرزقون .

القائد/صلاح خلف وجميع القادة يستحقون وبكل جدارة طباعة كتب عن سيرتهم ومسيرتهم النضالية العطرة والتي ترصد خبايا قيادتهم في حركة فتح والمنظمة ، ونناشد الأخوة في القيادة بالإسراع في ذلك خاصة وأنهم لم يوثقوا سيرتهم النضالية لا بالكتب ولا بالتسجيل .

لقد صنع الشهداء بدمائهم الزكية تاريخ فلسطين المجيد ، هؤلاء الشهداء كانوا فرسان فلسطين الحقيقيون ، هؤلاء صنعوا تاريخ حركة فتح التاريخ النضالي المشرق ، هذا التاريخ جعل من أولئك القادة رموز للثورة الفلسطينية المعاصرة ، هذا الجيل هو الذي تحمل أعباء التأسيس حيث صنعوا من المعاناة ثورة ومن اللاجئ ثائر .

أيها القائد أحببت أبناء شعبك لأنك من عجينتهم فأحبوك ، فكيف لهم بعد هذا أن ينسوك ، علمت أبناءك الذين ربيت فيهم معاني الحب الصادق للوطن والعمل الجاد المخلص من أجل تأمين حياة كريمة مطمئنة لأبناء شعبك فكيف يمكن لهؤلاء أن يخذلوك .

لقد تركت بيننا عطر سيرتك فواحاً وسمو أخلاقك محلقاً عالياً وطيب عشرتك ملء السمع والبصر ، لقد عبدتم بدمائكم الطاهرة الطريق إلى الوطن .

الرحمة للقائد الوطني الكبير الذي أعطى جل حياته لوطنه وقضيته الماجدة ، وليتغمده الله بواسع رحمته ورضوانه ، ويسكنه فسيح جنانه بجوار الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

هذا وقد حكمت محكمة الثورة الفلسطينية على القاتل /حمزة أبو زيد بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام به بعدما تم نقله إلى اليمن ، وبناءً على رغبة الرئيس اليمني آنذاك بعدم تنفيذ الحكم على الأراضي اليمنية وحتى تتلافى القيادة الفلسطينية مواقف الإحراج فقد تم نقل القاتل بطائرة من صنعاء إلى ميناء الحديدة ومنها إلى سفينة في عرض البحر الأحمر حيث المياه الدولية ليتم تنفيذ حكم الإعدام به رمياً بالرصاص في عرض البحر ، هذا جزاء الخونة والعملاء والمأجورين .

وهنا يبرهن للفلسطينيين أن لا كرامة للإنسان بدون وطن ولا قيمة للفرد بدون هوية ، وعليه فإن الوطن يستحق التضحيات مهما غلت وتهون من أجله الدماء مهما سالت .

على مدار سنوات النضال الطويلة قدم الشعب الفلسطيني الشهيد تلو الشهيد من خيرة أبناءه ليسمع العالم صوته ويشهد لهذا الشعب بالعطاء المستمر والمتواصل من أجل إعادة حقوقه المغتصبة.

ففي هذا اليوم الرابع عشر من يناير من كل عام تتجدد الذكرى السنوية حيث ارتفع إلى سماء فلسطين ثلاثة كواكب من قادة ثورتنا الفلسطينية ليضيئوا لنا بدمائهم الزكية فجراً جديداً للحرية .

في مثل هذا اليوم تمر علينا ذكرى استشهاد القائد الكبير / هايل رضا عبد الحميد " أبو الهول " عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض جهاز الأمن والمعلومات ومفوض جهاز شؤون الأرض المحتلة في إطار الجريمة البشعة التي ارتكبها المجرم القاتل / حمزة أبو زيد والتي طالت كذلك الشهيد القائد / صلاح خلف " أبو إياد " والشهيد / فخري العمري " أبو محمد " .

ولأنه يختلف عنا بروحه المرحة وطبيعته التلقائية وحسن خلقه سيبقى ( أبو رضا ) دائماً الحاضر الغائب فينا .

المولد والنشأة :

ولد / هايل رضا عبد الحميد في مدينة صفد بشمال فلسطين عام 1937م وكان ترتيبه الأول بين أخوته الاثنين الآخرين مروان ، و فريال ، كان والده رضا عبد الحميد رجلاً طيباً عمل في التجارة لإعالة أسرته وشارك مع المجاهدين في التصدي للإنجليز والصهاينة خصوصاً في ثورتي 1936 ، 1939 ، إلا أن المرض داهمه وتوفي عام 1942م ، تاركاً أولاده الثلاثة في رعاية والدتهم ، بعد أربع سنوات من وفاة والدته زوج جده لأمه وهو قاضي صفد والدته من الشيخ عمر صوان الذي كان آنذاك رئيساً لبلدية غزة عام 1946م ، فاحتضنهم عمه أبو وائل الذي كان أصغر أعمامه ، ولهذا عاش هايل طفولته وهو يشعر بقسوة اليتم الكامل ويحلم بأمه وحنانها الذي افتقده بشدة سيما وأنه لم يرها إلا مرتين مرة في صفد عام 1947م أي بعد زواجها بعام واحد ، والمرة الثانية إلتقاها وأخوته عام 1955م في عمان ، وفي عام 1958م توفيت والدته في غزة قبل أن يقرر الإقامة معها وبشكل نهائي وأخوته في غزة.

التحق هايل بالمدرسة الابتدائية في صفد وكان طالباً مجتهداً وذكياً وصاحب خلق كريم ، وبعد سقوط مدينة صفد وفشل جيش الإنقاذ في الدفاع عنها وقيام العصابات الصهيونية باقتحام القرى الفلسطينية وارتكاب جرائم بشعة ضد السكان الآمنين المدنيين العزل ، لم يجد سكان صفد أمامهم سوى خيار مغادرة المدينة ، واتجه هايل وأخوته وأسرتهم إلى دمشق حيث عاشوا في كنف عمهم الذي أحاطهم برعايته وعاملهم كأبنائه ، كان هايل يشعر أنه المسؤول عن أخوته رغم صغر سنه ، في المرحلة الثانوية اتسعت مداركه وازدادت قدراته على استيعاب ما يدور حوله من أحداث فالتقى هايل بعدد من أصحابه وناقشوا سبل التحرك والعمل من أجل فلسطين حيث كان يؤمن إيماناً قاطعاً بأن على أبناء فلسطين أن يعيشوا طريقهم بأنفسهم وأن يعتمدوا على سواعدهم في العمل من أجل قضيتهم .

كان هايل عبد الحميد وطنياً مثالياً مقداماً ، صبوراً ، لا يخشى اقتحام المصاعب ، ولا يتردد في التصدي للهموم والمتاعب ، وقد صارح زملاءه المقربين بضرورة إقامة تنظيم سري يضم من يتفقون معهم في توجههم ، وهكذا نجحوا في إقامة تنظيم سري أسموه ( صوت فلسطين ) ووضعوا له نظاماً داخلياً وبرنامج للعمل يعتمد على الكفاح من أجل تحرير الوطن ، وقد تعرض هذا التنظيم للهجوم والتشكيك والاتهام مما دفع هايل ورفاقه إلى إلغاء اسم التنظيم واستبداله باسم(عرب فلسطين ) وبعد أن تم اعتقال أحد قياديي التنظيم أوقفوا نشاطهم .

الساحة الألمانية :

قرر هايل عبد الحميد السفر إلى ألمانيا لإكمال دراسته الجامعية والعمل هناك كي يخفف عن عمه عبء نفقات دراسته الجامعية في دمشق وذلك في العام 1961م ، وكان يرى أن الدراسة هي فرصة للاعتماد على الذات والتعرف على نمط تفكير الغرب واكتساب خبرة مفيدة تساعده على ابتكار وسائل جديدة تعينه على متابعة كفاحه من أجل فلسطين ، بعد أن حصل على القبول في الجامعة بألمانيا انتقل هناك ليدرس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة فرانكفورت ، ولم يضيع وقته فقد عمل ليلاً في مصنع للحلويات ، وفي النهار كان يذهب إلى الجامعة ويواصل نشاطه السياسي في تنظيم العمال والطلاب الفلسطيني حيث أسس اتحاد عمال فلسطين ، كما أسس اتحاد طلاب فلسطين في ألمانيا والذي كان يسمى ( كونفدرالية ألمانيا والنمسا ) والذي انضم إليه كل من الأخوة ( هاني الحسن ، عبد الله الإفرنجي ، أمين الهندي ) ، وخلال اجتماع للاتحاد العام لطلبة فلسطين أعلن تبنيه الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتحرير فلسطين ، وهو ذات المبدأ الذي رفعته حركة فتح والذي انضموا إليها جميعاً في عام 1963م ، لقد شكل هايل عبد الحميد مرآة للمعاناة الفلسطينية والوضع الفلسطيني وكان يعيش الحالة الفلسطينية بكل كيانه وفي داخل نفسه كلها ، ولما كان صادقاً مع نفسه ، فقد كان هايل صادقاً مع إحساسه بأن الفلسطينيين لن يتحرروا إلا إذا اعتمدوا على أنفسهم ومارسوا الكفاح المسلح ، وبهذا تلاقى هايل عبد الحميد مع مفاهيم حركة فتح .

أصبح العمل الوطني يستأثر كل جهده وعلى حساب دراسته الجامعية .

عقد المؤتمر الثالث لاتحاد طلاب فلسطين في غزة عام 1963 :

عام 1963م تم عقد المؤتمر الثالث لاتحاد طلاب فلسطين حيث توجه واحد وعشرون ممثلاً لفروع اتحاد طلبة فلسطين في أوروبا إلى قطاع غزة لحضور المؤتمر الثالث للاتحاد ، كان هايل عبد الحميد ، وهاني الحسن ، وأمين الهندي من بينهم ، انعقد المؤتمر في جو توازنت فيه القوى الحزبية من القوميين العرب والبعثيين .

كان هايل عبد الحميد يعرف معظم القيادات الطلابية القادمة إلى المؤتمر من خارج قطاع غزة ، واستطاع بسرعة مذهلة أن يعقد تحالفات واسعة أدت إلى انتخاب هاني الحسن رئيساً للمؤتمر الذي افتتحه السيد/كمال رفعت ممثلاً للرئيس / جمال عبد الناصر وبحضور جمهور غفير من طلاب قطاع غزة والأهل الذين جاؤوا من كل صوب وحدب ، في هذا المؤتمر يقف الشاب هايل عبد الحميد في القاعة ليقول بأعلى صوته ( أخي رئيس المؤتمر إلى متى سيصبر اللاجئون على منعهم من حمل السلاح؟ وإلى متى سيبقى خليج العقبة مفتوحاً بوجه الملاحة الإسرائيلية ؟ وإلى متى سيبقى الفلسطيني ممنوعاً من حرية التنقل؟ إننا هنا لبحث مستقبل الوطن ، وليس مستقبل الطلبة ) .

في هذا المؤتمر تم انتخاب هايل عبد الحميد عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد ومسؤولاً عن العلاقات الداخلية ، وقد أقر المؤتمر مبدأ الكفاح المسلح كطريق للعودة ، حيث كان الأهل معتزين بأبنائهم الطلبة الجامعيين متلهفين لسماع صوتهم المتمسك بالوطن .

الانتقال إلى الساحة المصرية :

انتقل هايل عبد الحميد عام 1963م من ساحة العمل الوطني الفلسطيني في ألمانيا إلى ساحة أخرى أوسع وأشد تعقيداً وأكبر مسؤولية وأبعد أفقاً .

لقد عمل هايل عبد الحميد من 1963-1965م في قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين حيث كان له الفضل الكبير في تطوير هذا الاتحاد وجعله واحداً من أنشط مؤسسات الثورة وقواها الطليعية.

كلف هايل عبد الحميد بعد الوصول إلى القاهرة بمهمة بناء تنظيم لحركة فتح في مصر التي كانت تحتضن تنظيمات عديدة وتستهوي أفئدة الشباب مثل حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي بشعاراته وتنظيمات فلسطينية واعدة ، إلا أن هايل ببساطته وطول خبرته وتجربته في هذا المجال استطاع استقطاب أعمدة قوية من الشباب ليقوم على أيديها بناء تنظيمي صلب ودون استعداء السلطة المصرية والأحزاب القومية العاملة في الساحة المصرية والقريبة من الزعيم / جمال عبد الناصر .

شغل هايل إلى جانب مهمته التنظيمية منصب نائب رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين لشؤون الإعلام ، وكان هذا القائد يمارس نشاطه التنظيمي والنقابي من خلال مقهى في شارع سليمان باشا ( طلعت حرب ) وقد أصبح هايل يحمل اسم ( أبو الهول ) كاسم حركي حتى تاريخ استشهاده .

جاب هايل عبد الحميد كل محافظات مصر ليلتقي بالتجمعات الطلابية ويناقشهم ويدعوهم إلى الانضمام إلى حركة فتح وأمضى أيام عديدة مع الطلاب المقيمين في مدينة البحوث الإسلامية لمناقشتهم ، تمكن هايل من إنشاء خلايا تنظيمية في أوساط العمال والطلبة الفلسطينيين .

في انتخابات المؤتمر العام الرابع للاتحاد الذي عقد في القاهرة دخل الانتخابات بقائمة من المستقلين الذين نجحوا جميعاً ليتبين بعد ذلك أن الغالبية العظمى منهم ينتمون لحركة فتح ، كما عمل على فتح قنوات مع عدد من المسؤولين والصحفيين المصريين الذين ساعدوا فيما بعد على إنشاء علاقات رسمية بين مصر وحركة فتح ، وكان هايل سعيداً جداً وراضياً نفسياً بما نجح في تحقيقه .

أصبح هايل عبد الحميد معتمداً رسمياً لحركة فتح في القاهرة بعد هزيمة حزيران عام 1967م وذلك بعد إقامة العلاقات الرسمية بين الحركة ومصر .

من خلال وجود هايل عبد الحميد كمعتمد لحركة فتح في مصر استثمر علاقاته مع السلطات المصرية في خدمة حركة فتح وأمد قوات الثورة في الأردن بما يلزمها من سلاح وتدريب ومساندة معلوماتية من قبل السلطات المصرية .

في العاشر من نيسان عام 1968م وعند زيارة الأخ / أبو عمار إلى القاهرة وبحضور كل من هايل عبد الحميد معتمد الحركة في مصر وفؤاد ياسين الأكاديمي اللامع ثم طرح موضوع إنشاء صوت الثورة الفلسطينية ليعبر عن رأيها حتى يصل إلى آذان العالم وضميره ، فقد كان لأبو الهول الدور الأساس في إنجاح هذا الإنجاز الذي تحقق بانطلاقة صوت العاصفة عشية يوم 11/5/1968م حيث وضع كافة الإمكانيات والتسهيلات اللازمة وسخر علاقاته مع السلطات المصرية لإنجاز المطلوب في أقصر مدة من الزمن .

ساهم هايل عبد الحميد في إزالة سوء الفهم بين حركة فتح والرئيس / جمال عبد الناصر بعد قبول مصر مشروع روجرز .

الساحة اللبنانية :

عام 1972م نقل هايل عبد الحميد من الساحة المصرية إلى الساحة اللبنانية وعين معتمد حركة فتح في لبنان ، وبعد استشهاد القادة الثلاثة في عملية فردان عام 1973م ، تم تعيين هايل عبد الحميد عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح وكذلك أسندت إليه مهمة مفوض جهاز الأمن والمعلومات ، حيث كرس " أبو الهول " وقته وجهده وتفكيره لتطوير الجهاز بما يتلاءم مع الإمكانيات المتاحة وليكون قادراً على العمل في مواجهة الأعداء مستعيناً في ذلك بعدد من الكوادر القادرة على الإبداع والابتكار ، وقد اختار القائد / أبو الهول أسلوب عمل يتكيف مع قدرات جهازه وهو الأمن من خلال التنظيم المدعوم جماهيرياً وهذا يتطلب بناء الثقة بين الطرفين ، ومن اجل تعزيز هذا الجهاز بدأ في عام 1974م بتدريب كوادر الجهاز في دورات أمنية متنوعة بالخارج و للتأكيد على أهمية التدريب أنشأ عام 1977م مدرسة للأمن تابعة للجهاز لتزويد الكوادر بالمعرفة المخابراتية .

كان الدور الأمني لأبي الهول دوراً شعبياً وليس بسيطاً أن نقول عن مسؤول أمني أنه يضطلع بدور شعبي ، فالأجهزة الأمنية في العادة لا " شعبية " لها ويعود ذكرها في معرض الشكاية منها على الصعيد الشعبي .

لقد ساهم جهاز الأمن والمعلومات باختراق بعض الأجهزة المعادية للثورة الفلسطينية على الساحة اللبنانية وكذلك كشف الكثيرين من المتعاونين والجواسيس الذين تم تجنيدهم من قبل جهاز الموساد الصهيوني ، وساهم كذلك في حماية الثورة وشعبنا الفلسطيني في مخيماته .

سمي القائد / أبو الهول مفوض للأمن ولكن لم يقطع الجذور الشعبي لتجربته فأتى بها وبحصيلتها إلى الساحة اللبنانية ، وهذه التجربة حافظت على طابعها الشعبي على الرغم أن الصفة التنفيذية الغالبة عليها أصبحت الصفة الأمنية ، وهذا أمر بالغ الأهمية في تجربتنا الفلسطينية – اللبنانية .

أثناء الحصار والصمود في بيروت عام 1982م خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان ترأس القائد / أبو الهول اللجنة الأمنية المشتركة للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية طوال أيام الحصار ، وقاد بجدارة وكفاءة وشجاعة خاصة بعد أن أطبق علينا الحصار وكان الاجتياح قد شمل ضواحي بيروت وأصبحنا ضمن المربع الأضيق في الداخل ولذا أن نتصور ما معنى حفظ الأمن في مربع بهذا الضيق تحتشد فيه هذه الكمية الكبيرة من المواطنين والمقاتلين وحملة البنادق .

الخروج من بيروت والانشقاق :

بعد الخروج من بيروت انتقلت القيادة إلى تونس الشقيقة ، قصد أبو الهول دمشق حيث افتتح له مكتباً في دمشق وقد انغمس في الحوارات المضنية التي دارت بين القيادتين الفلسطينية والسورية في ضوء الخلافات التي أدت إلى انهيار العلاقات بين الجانبين في نهاية المطاف .

لقد كان أبو الهول صبوراً ، جلداً ، أمام المآسي ، حريصاً على سد الثغرات التي تكاثرت حتى صارت خرقاً غير قابلة للترق ، وتمتزج الخلافات مع السوريين بالخلافات مع الذين انتهوا من الانشقاق عن حركة فتح ، وتكثر الأعباء على أبو الهول ، ويتوجب عليه أن يعمل في أكثر من اتجاه معقد ، فعليه أن يصوب جسم حركة فتح ضد الانشقاق ، وعليه أن يتجنب وضع أي مسوغ في يد الخصوم ومؤيديهم ليشددوا هجومهم على الثورة ، وعليه أن يواصل السعي للاحتفاظ بعلاقة موضوعية مع القيادة السورية ، وعليه في نفس الوقت أن يتابع مهامه المألوفة العديدة .

كان أبو الهول صاحب رأي وموقف يجمعان العزيمة والشجاعة وينطلقان من نفس حرة أبية متمردة على كل قيد وطامحة إلى التحرر والتحرير من العبودية أو محاورات الاستعباد والتبعية .

كان أبو الهول صاحب مبادرة .. يمسك بزمامها ويمضي بها إلى آخرها .

عندما دب الخلاف بين القيادة السورية والأخ / أبو عمار جرى استدعاء أبو الهول من قبل الأمن السوري وطلب إليه إقفال مكتبه والامتناع عن القيام بأي نشاط أو اتصال وهنا كان لا بد من مغادرة دمشق .

جاء أبو الهول إلى طرابلس رغم حواجز المنشقين والقوات السورية لأنه أراد أن يكون حيث يتهدد الخطر ثورة شعبه ، كان بإمكان القائد الذي غادر دمشق أن يتوجه إلى أي مكان آخر لكنه آثر المجيء إلى طرابلس ليخوض معركة الدفاع عن الثورة والشرعية ضد من أعدوا للحصار ، وبالرغم من أنه بقي حتى آخر لحظة يتمنى أن لا تقع هذه المعركة .

حوصر القائد / أبو الهول مع القائد / أبو عمار والقائد / أبو جهاد وأعضاء القيادة العسكرية للثورة الفلسطينية في طرابلس من قبل المنشقين والقوات السورية حليفتهم حتى تاريخ 19 ديسمبر 1983م حين تقرر المغادرة عن مدينة طرابلس اللبنانية وانسحاب القوات بحراً إلى تونس .

صفاته :

هايل عبد الحميد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض جهاز الأمن والمعلومات ومن خيرة رجالاتها الذين واكبوا التأسيس ، فاجتمعت فيه صفات القيادة والقدرة على قراءة الحدث والتخطيط ، وهو فوق كل ذلك إنسان بكل معنى الكلمة ، طغت عليه البساطة وطيبة القلب عن وعي وإدراك ، مضافاً لذلك الحس الأمني العميق الذي سخره لحماية حركة فتح والثورة والدفاع عنها ، كان أبو الهول يمتاز بأخلاقه الرفيعة وصداقته للجميع وعطاءه المميز وهدوئه الملفت وحنكته وصبره وحبه للمساعدة وتقديره ظروف الآخرين .

ما جذب الناس إلى القائد / أبو الهول عدا تواضعه ودفء قلبه وعينيه اللتين تلمعان هو تبنيه لقضاياهم والدفاع عنهم ، ولذلك كانت مشاعر الناس من حوله شحنة هائلة له ، تجعله يشعر بتفاؤل هائل وبقدره منه لا يمض عليه شيء تقرر إنجازه .

عاش القائد / أبو الهول حياته بعيداً عن الدعاية ومزاحمة الآخرين في الأضواء ، حتى أنه كان يرفض وبشدة استخدام وسائل الإعلام لإثبات وجوده ، وهذا الذي يفسر لنا كون إنجازاته الرفيعة المستوى لا يدري بتفاصيلها ونسبتها إليه إلا اللصيقون به والقلة المتابعة للأحداث .

حقاً لقد كان القائد / أبو الهول قائداً طلائعياً من الطراز الأول ومن يستطيع أن ينكر ذلك ، أبو الهول عاش حياة شخصية متقشفة وحرم نفسه كإنسان من أشياء كثيرة يتمتع بها نظراؤه ، دون أن يؤاخذهم أحد ، ولم يكن أبو الهول يسمح للرغبات الشخصية أو النزوات بأن تؤثر على حياته ، لقد كرس حياته للهم الوطني وحده وطوع كل شيء في حياته لمتطلبات النشاط العام .

شارك القائد / هايل عبد الحميد في الحوارات مع التنظيمات الفلسطينية عام 1984م في كل من عدن والجزائر وبراغ ، فتشكل وفد حوار من حركة فتح ضم القائدين صلاح خلف و هايل عبد الحميد ، ذهبا إلى الجزائر في يناير 1984م حيث التقيا بعدد من قيادات الجبهتين الشعبية والديمقراطية وعلى رأسهم الرفيق جورج حبش والرفيق نايف حواتمة ، وقد تواصل الحوار الوحدوي لمدة ليست بالقصيرة ، والذي لعب دوراً كبيراً في الوصول إلى اتفاق رسمي في ذلك الوقت " اتفاق عدن – الجزائر " وذلك تمهيداً لانعقاد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان نهاية العام 1984م .

من أقوال القائد أبو الهول :

 ( علينا جميعاً أن نعلم أنه ليس هناك فراغ في هذا الكون ، فالحيز الذي نتركه فارغاً من غير أن نملأه ، يجيء غيرك ويملؤه ، وربما على نحو مضاد مما يقتضيك جهداً مضاعفاً لإزاحة الخصم أو فعله من ذلك الحيز أولاً ومن ثم يملئه ) ..

استلام مسؤولية شؤون الأرض المحتلة :

بعد اغتيال القائد الشهيد / أبو جهاد تسلم القائد / أبو الهول مسؤولية القطاع الغربي المسؤول عن شؤون الأرض المحتلة بمشاركة بعض أعضاء اللجنة المركزية للحركة ، وكانت هذه المهمة شاقة وصعبة للغاية لأنها تتطلب الإحاطة الكاملة بما يدور في الداخل ومعرفة واسعة ممن سيتعامل معهم واكتساب الثقة بين الطرفين ، ولخطورة هذا العمل وتربص جهاز الموساد الإسرائيلي لكل من يطلع بهذه المهمة ومن يساعد على إنجاز مهامها فقد اعتمد أسلوباً مرناً في قيادته وهو استمرار العمل بالنظام القديم والقيام بتطويره وإمداده بالكوادر الجيدة أصحاب الخبرة والموثوق بهم ، ثم عمل على تشكيل لجنة موسعة لقيادة العمل ضمت عدداً كبيراً من الكوادر الواعية الحريصة على أداء رسالتها في سرية تامة .

وكان أبو الهول يرى أن تنظيم حركة فتح في الأرض المحتلة هو الضمان الأكيد لاستمرار الانتفاضة الأولى وتطويرها ، لذلك عمل على قيادة القطاع الغربي من مركز القيادة ووحد العمل بين الضفة وقطاع غزة ، وألغى اللجان المتعددة ورفع شعار وحدة حركة فتح في الأرض المحتلة .

بعد عدة اجتماعات متواصلة عام 1990م والتي عقدت في بغداد قام بجمع شمل الجهاز وإصلاحه وإعادة بناءه حيث كان هذا القائد حريصاً بالسير بالعمل التنظيمي جنباً إلى جنب مع العمل العسكري وبعيداً عن الضجيج الإعلامي ، هكذا نجح القائد / أبو الهول في إغلاق جميع الدكاكين المتعددة للقطاع الغربي ، وصهرها في بوتقة واحدة وجعلها قناة مركزية واحدة تجمع الأمن والغربي والتنظيم في جسد موحد ، وامتد عمله الوطني إلى ترتيب الأوضاع في المعسكرات المنتشرة في بغداد وصنعاء والجزائر وليبيا .

منذ تسلم القائد أبو الهول مهام مفوض شؤون الأرض المحتلة وهو يعلم أن جهاز الموساد الإسرائيلي سوف يتتبعه حتى ينال منه ، لأن هذا القطاع يشكل خطورة متناهية على الأمن الإسرائيلي ويسبب له قلقاً وإزعاجاً شديدين .

الاغتيـــــال :

في مساء الرابع عشر من شهر يناير عام 1991م كان القائد / هايل عبد الحميد يستقبل في منزله الكائن في حي المرسي قرطاج في تونس صديقه ورفيق دربه القائد / صلاح خلف " أبو إياد " وبرفقته أبو محمد العمري ، كان في الخارج حارس أبو الهول ويدعى / حمزة أبو زيد البالغ من العمر 27 سنة من قرية السافرية بفلسطين ، تقدم القاتل إلى الفيلا من خلال الممر الضيق وقرع الجرس ففتحت له الخادمة التي تعرفه ويتوجه إلى حجرة الصالون فيفتح الباب ليجد القادة الثلاثة أمامه جالسين ثم يرفع سلاحه ويوجهه مباشرة إلى القائد / صلاح خلف المستهدف الأول ويطلق عليه الرصاص بغزارة فيرديه قتيلاً ثم يطلق الرصاص على فخري العمري الذي ارتمى على أبو إياد ليحميه وأمام المفاجأة المذهلة يحاول القائد / أبو الهول إخراج مسدسه فيطلق عليه القاتل المجرم النار ويحاول النهوض والدماء تنزف منه بغزارة ويتجه إلى باب الفيلا ويخرج صائحاً قتلنا الجاسوس ، ثم يسقط متخبطاً بدمائه وتنقله سيارة الإسعاف إلى أحد المستشفيات التونسية ليلفظ أنفاسه الأخيرة.

جاءت عملية اغتيال القادة الثلاثة في وقت عصيب فقد كان الجميع منشغلاً بما يحدث من تداعيات في دولة الكويت الشقيق حيث بدأت بعد ذلك بيومين حرب الخليج الأولى .

رحل الفلسطيني البسيط ( أبو رضا ) بعد أن استطاع رغم المطاردة والتعب أن يكون ما أراد ، فنجح أن يكون مقاتلاً حتى النهاية ، وسقط في ميدان المعركة رافعاً راية شعبه ، راية الحرية والاستقلال .

هكذا يسدل الستار عن استشهاد القائد الوطني الكبير / هايل رضا عبد الحميد ( أبو الهول ) الذي عاش منذ طفولته لقضيته واستشهد من أجل وطنه وعيناه ترنوا إلى مهد طفولته في مدينة صفد ، غاب عنا هذا القائد وطويت صفحات جهاده ، وبقي القتلة الحقيقيون مجهولون !!!

فنم قرير العين أيها القائد الشهيد / أبو الهول ، فكم من رفاقك الذين سبقوك في الشهادة قد غابوا عن ذاكرتنا ، وأصبحت أجسادهم تراباً .

فليرحمك الله وليجزيك عن أعمالك خير الجزاء وليسكنك الله فسيح جنانه إلى جوار النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .

فلتطمئن يا ( أبا رضا ) يا شهيدنا القائد أن الذين أحبوك عاهدوك على المضي قدماً في الطريق الذي اخترته حتى ينالوا أحد الحسنيين إما الشهادة أو النصر بإذن الله تعالى .

هذا وقد منح الرئيس / محمود عباس ( أبو مازن ) الشهيد القائد / هايل عبد الحميد " أبو الهول " وسام نجمة الشرف من الدرجة الأولى حيث تسلمت هذا الوسام زوجته السيدة / نادرة الشخشير .

بل أربع وعشرون عاماً اغتيل القائد/ فخري علي محمود العمري على يد المجرم/ حمزة أبو زيد مع القادة الشهداء/ صلاح خلف، وهايل عبد الحميد في تونس مساء يوم 14/1/1991م أثناء وجودهم في منزل القائد/ هايل عبد الحميد أبو الهول.

فخري العمري من مواليد حي العجمي في مدينة يافا عام 1936م وكان ترتيبه الثالث بين الأخوة الذكور حيث يكبره أخيه محمود، وربحي ويليه كل من شوقي وفوزي وأحمد بالإضافة إلى أختين، عمل والده الحاج أبو محمود العمري في تجارة الحمضيات حيث كان يسكن حي العجمي اليافاري المعروف، ترعرع فخري العمري في أسرة مناضلة كثيراً ما كانت تدعم ثورة ألـ 36 وجماعة الشيخ حسن سلامة في منطقة يافا والقرى المحيطة بها، وأثره نكبة عام 1948 هاجرت أسرته عبر مرفأ يافا هربً من المجازر الصهيونية التي كانت ترتكب بحق أهلنا واستقر بالأسرة الحال في مدينة بورسعيد المصرية، حيث سكنت الأسرة في خيمة باليه في أرض غريبة عن وطنهم ينتظرون توزيع الطعام عليهم وهم الذين كانوا أعزاء في وطنهم، لهذا لم يدم بقائهم كثيراً في هذا المخيم فقد قرر الأب العودة إلى فلسطين مهما كلف الأمر حيث رفضت الأسرة هذا الوضع وعليه فقد غادرت الأسرة إلى قطاع غزة حيث استقر بهم الحال جميعاً في مخيم البريج للاجئين.

بعد أن استقرت الأسرة في مخيم البريج كان لابد من توفير مصدر رزق لها التي فقدت كل ما تملك في يافا، وعليه فقد عمل الأخوان محمود وربحي لتأمين إعاشة الأسرة فيما تم إلحاق كل من الأبناء/ فخري وفوزي وشوقي بالمدارس على أن يعمل كل منهم في أي عمل خلال فترة الإجازة الصيفية ولما كان فخري ذو موهبة كبيرة في الرسم والخط العربي فقد عمل فترات الإجازة في تخطيط اليافطات لواجهات المحلات وهو ما ساعد الأسرة شيئاً ما بالإضافة لعمل إخوته الأمر الذي مكن الأسرة من الانتقال إلى مدينة غزة والسكن في حي الصبرة بالقرب من شارع عمر المختار في منزل مستأجر لعائلة الحسيني.

خلال هذه الفترة كان فخري العمري مولعاً بالرياضة حيث كان له دور كبير في مجال الرياضة والفن وكان مع زملاءه يقيمون حفلات بعد حرب عام 1956م وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وسيناء حيث شرع مع زملائه في جمع تبرعات من التجار الفلسطينيين في قطاع غزة وذلك مشاركة في المجهود الحربي.

في تلك الفترة تشكل الوعي السياسي والنضالي عند فخري العمري حيث تعرف على صلاح خلف الذي كان يكبره بثلاثة أعوام وأصبح من أقرب أصدقائه، تلك الصداقة التي دامت عشرات السنين ولمفارقات القدر فقد أبى الصديقين أن يفارق أحدهما الآخر حتى موعدهما مع الموت.

لقد أثر صلاح خلف في فخري العمري تأثيراً كبيراً فقد أسهم أبو إياد إسهاماً كبيراً في نشر الفكر الوطني أثناء عمله مدرساً في غزة قبل سفره إلى الكويت وذلك تمهيداً لتأسيس حركة فتح كما عمل على استقطاب الشباب الوطني ليكونوا نواة التأسيس للحركة الوطنية الفلسطينية.

كان فخري العمري مولعاً بالرياضة والفتوة الأمر الذي مكنه من الالتقاء مع عدد من الشباب الوطني الباحث عن الحرية من خلال النوادي الرياضية.

انتقل فخري العمري عام 1959م إلى المملكة العربية السعودية للعمل والإقامة ولم ينقطع إتصاله مع صلاح خلف الذي أنتقل هو الآخر للعمل في الكويت مدرس.

وعندما تبلورت فكرة حركة فتح التحق فخري العمري بتنظيم الحركة في السعودية وبعد حصول هزيمة حزيران عام 1967م وبدأ التحضير للانطلاقة الثانية للحركة تفرغ فخري العمري للعمل.

بعد معركة الكرامة الشهيرة قام صلاح خلف بإنشاء جهاز للرصد الثوري الذي تشكل حديثاً وتولى مسؤوليته فقام بأختيار مجموعة ضمت عشرة من الرعيل الأول المؤسس للمؤسسة العسكرية والأمنية الفلسطينية. حيث كان هؤلاء الشباب من تنظيم حركة فتح في كل من السعودية ومصر والكويت وسوريا والأردن وكان ضمن هذه المجموعة فخري العمري حيث تم إبفادهم للمشاركة في أول دورة أمنية أوفدتها حركة فتح إلى مصر حيث عقدت هذه الدورة في معهد البحوث الإستراتيجية التابع للمخابرات المصرية والمتخصص في تخريج قادة العمل الأمني والعسكري بعد انتهاء الدورة في القاهرة وعودة الكادر المتخرج منها تم تعيين فخري العمري لقيادة جهاز الرصد في مدينة أربد شمال الأردن.

بعد انتقال الثورة الفلسطينية من الساحة الأردنية إلى الساحة اللبنانية أثر احداث أيلول 1970م وتموز 1971م وانتهاء الوجود الفلسطيني العسكري في الساحة الأردنية، بقى أبو محمد العمري يعمل في جهاز الرصد في بيروت حيث قام بالمشاركة والاعداد والتخطيط لعملية ميونيخ بتاريخ 5/9/1972م في المانيا الغربية وكذلك شارك في التخطيط والاعداد للكثير من عمليات ملاحقة شبكات الموساد الإسرائيلية في أوروبا.

بعد عام 1973م واستشهاد القادة الثلاثة في فردان تم تشكيل جهاز الأمن الموحد بدلاً من الرصد الذي ترأسه صلاح خلف وعين أبو محمد العمري في قيادة الجهاز حيث كان مسؤولاً رفيعاً في جهاز الأمن الموحد في بيروت.

أبو محمد العمري من الكوادر الأساسية والقيادية في أجهزة الأمن الفلسطينية ومن أقرب الأصدقاء للشهيد/ صلاح خلف تلك الصداقة التي أستمرت حتى لحظة الاغتيال.

أبو محمد العمري متزوج وله ثلاثة أبناء.

في مساء يوم 14/1/1991م وحوالي الساعة الثامنة أتصل أبو إياد بأبو محمد العمري طالباً منه موافاته إلى منزل أبو الهول في اجتماع عاجل لمناقشة تداعيات حرب الخليج الأولى على القضية الفلسطينية فقاله أبو محمد أن سيارته بها عطل منذ الصباح ولا يستطيع القدوم، فما كان من أبو اياد إلًّا ان أرسل له السائق لأخذ السيارة للتصليح، وأخبره السائق أن الأخ/ أبو اياد سوف يمر عليك بعد قليل لاصطحابه معه وبعد نصف ساعة تقريباً حضر أبو اياد إلى منزل أبو محمد واصطحبه في سيارته إلى منزل أبو الهول حيث وصلا إلى هناك فأستقبلهما أبو الهول وأجتمع القادة الثلاثة في صالون منزله/ بينما الحراسات بقيت والمرافقين في باحة المنزل الخارجية لتأمين الحراسة كما جرت العادة.

في تلك الليلة دخل المجرم القاتل/ حمزة ابو زيد وهو أحد مرافقي أبو الهول بعد أن طرق الباب وفتحت له الخادمة دخل المنزل وتوجه فوراً إلى الصالون الذي كان يتواجد فيه القادة الثلاثة ووجه بندقيته إلى أبو إياد وأطلق النار عليه بغزارة عندها تقدم أبو محمد العمري وهو يحاول الإمساك بالقاتل ويحمي أبو اياد/ الاَّ انه تلقى حوال ثلاثين رصاصة في جسده فخر على الأرض، في هذه اللحظة قام القاتل بأطلاق النال على أبو الهول الذي أصيب هو الآخر أثناء مروره من أمام النيران وأستمر سائراً على قدميه وخرج من الباب ليقول (قتلنا الجاسوس) بعد أن تأكد المجرم القاتل من موت ابو اياد أسرع إلى باب المنزل الداخلي وصعد الدرج إلى الطابق العلوي كي يتمكن من الهرب أو القفز إلى الشارع حسب قوله في التحقيق.

هكذا أقدم المجرم الآثم العميل على أطلاق رصاصات الغدر والحقد على القادة الثلاثة الشهداء/ صلاح خلف، هايل عبد الحميد، فخري العمري.

بعد القاء القبض عليه افاد القاتل أنه ينتمي لتنظيم صبري البنا (أبو نضال) حيث كلفه أن يقوم باغتيال صلاح خلف، هذا وقد حكمت عليه محكمة الثورة الفلسطينية بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام به بعدما تم نقله إلى اليمن، حيث عقدت هيئة المحكمة جلساتها في مقر قيادة قوات شهداء صبرا وشاتيلا في اليمن وذلك بتاريخ 27/3/1991م، ونفذ الحكم فيه، وحكم كذلك على العميل صبري البنا (أبو نضال) بالإعدام غيابياً.

 

 

اخر الأخبار