عن المقبل فى الشرق الأوسط «1» ... «بوتين» صاحب الحضور الأقوى فى المنطقة خلال 2017

تابعنا على:   15:00 2016-12-06

كتب أحمد الطاهرى

فيما يُلملم عام 2016 أوراقه، تذهب كل المؤشرات إلى عالم جديد فى العام الجديد.. عالم لم يولد نظامه أو توازناته صدفة، لكن نتيجة تفاعلات مختلفة، كان فيها الشرق الأوسط هو المختبر لتجارب مريرة وحروب بالوكالة وصراع دولى يسعى لأمر واقع مغاير.. حطمت إدارة «أوباما» إرث الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى المنطقة منذ السبعينات، ونجح «بوتين» فى إعادة تمركز روسيا إقليمياً بعد فترة من الترنّح للدور الروسى، لكنه استفاد من كل الخسائر الأمريكية.. وهو الإرث الذى ستحمله الإدارة الأمريكية الجديدة لدونالد ترامب، التى ما زال التقارب المصرى الواضح منها مصدر إزعاج كبير لعدد من الباحثين فى واشنطن.. الذين سقطت عن أوراقهم البحثية أبعاد الموضوعية وفضيلة المصداقية فى العرض والتناول والاستنتاج.. هذه المعطيات تجعل من عام 2017 نقطة تحول فارقة فى مصير الشرق الأوسط، أغلب الظن أن موسكو سيكون لها الحضور الأكثر تأثيراً، إلى أن تعيد الولايات المتحدة ترتيب أوراقها وهضم الواقع الكارثى الذى سبّبته إدارة «أوباما» فى المنطقة.. قراءة العام الجديد فى الشرق الأوسط تستدعى النظر إلى الوضع الخاص بالكيانات الإقليمية الرئيسية والدول الكبرى فى المنطقة، وأعنى هنا «مصر وتركيا وإيران والسعودية»، ولا يغفل فى ذلك التوازنات الخاصة بإسرائيل التى تتمتّع بوضع استراتيجى هو الأفضل منذ تأسيسها بعد ما سُمى بثورات الربيع العربى.

 

التفاصيل الكاملة لصراع الوجود العسكرى بين «موسكو» و«واشنطن»

 

1- الوجود العسكرى الروسى مدخل نفوذ موسكو فى العام الجديد

قبل الدخول فى تفاصيل الوجود العسكرى الروسى، الذى رصدته ورقة بحثية أعدها جيرمى فوجان، ضابط بحرى، بالتعاون مع الباحثة آنا بورشفسكيا.. تحضرنى واقعة جرت فى ولاية فلوريدا عام 2012 فى خضم تفاعلات ما سُمى بالربيع العربى، كنت حينها برفقة عدد من الزملاء الصحفيين العرب، وإذ بالمحاضر يتغنى بالدور الذى لعبته إدارة «أوباما» فى دعم الثورات، وكان من حظى أننى حصلت على الكلمة وعرضت حينها وجهة نظرى بأن الولايات المتحدة خسرت حلفاءها فى الوقت الذى قدّمت فيه روسيا نموذجاً للحليف الموثوق به، وهذا الأمر ستدفع ثمنه أمريكا من دورها مستقبلاً فى الشرق الأوسط، وهو ما دفع المحاضر للانفعال، وأتذكر مقولته جيداً، وكانت تحمل تحذيراً: «حذار أن تراهن ضد أمريكا». وبدورى رفضت السياق وأسلوب الحديث وأجبرته على الاعتذار.

 

أتذكر هذه الواقعة الآن عندما أستعرض ورقة بحثية حول الوجود العسكرى الروسى فى الشرق الأوسط، الذى تنامى بشكل قوى خلال عام 2016، وسيكون أساس الدور السياسى الروسى فى العام الجديد.

وحسب نص الورقة.. أرسلت «موسكو» فى أكتوبر الفائت حاملة الطائرات الوحيدة لديها «الأميرال كوزنستوف»، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. واستناداً إلى (الشركة الاستشارية لإدارة الأعمال) «آى إتش إس جاينز»، ترافق حاملة الطائرات «السفينة الحربية (بيوتر فيليكى)، والسفينتان الكبيرتان المضادتان للغواصات (سفيرومورسك) و(فايس أميرال كولاكوف)، إلى جانب سفن دعم». وكان المسئولون الروس قد أعلنوا للمرة الأولى عن هذه الخطة فى 21 سبتمبر، بإشارتهم إلى أنه سيتم اللجوء إلى «كوزنستوف» لضرب أهداف فى سوريا.

 

ورقة بحثية أمريكية تطالب «ترامب» بتفعيل التعاون العسكرى مع مصر والسعودية لمواجهة الواقع الجديد

وفى حين أن نشر السفن الحربية سيُسهّل على الأرجح العمليات الروسية دفاعاً عن نظام بشار الأسد، فإن نشرها ربما يكتسى أهمية أكبر باعتباره دليلاً على استعادة «موسكو» النفاذ إلى الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. فوجود روسيا المحدود (ولكن المتنامى) مهم بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة، حيث سيواجه الرئيس الأمريكى المقبل منافساً من خارج المنطقة يمكنه تعقيد حرية المناورة التى تمارسها الولايات المتحدة فى المنطقة، لدرجة لم تُعرف منذ نهاية الحرب الباردة. ونتيجة لذلك، ستكون واشنطن بحاجة إلى نشر المزيد من الأصول العسكرية فى المنطقة من أجل تنفيذ المهام نفسها، فى وقت تطالب فيه مناطق أخرى بمطالب أكبر من هيكل القوة الأمريكية المنتشرة بأقصى طاقتها.

 

تصورات حول التطويق الغربى

غالباً ما يُترجِم الرئيس فلاديمير بوتين تصرفات الغرب على أنها محاولات لتطويق روسيا والإطاحة به من السلطة، تمشياً مع يؤمن به بأن الغرب يُنسق تغيير الأنظمة فى جميع أنحاء العالم. وكان ردّ فعله قوياً إزاء هذا الاحتواء المتُصوّر على مدى العقد الماضى، حيث عمل على تعزيز قدرات بلاده العسكرية وأقدم على تنفيذ الكثير من التدخلات فى الخارج. وكان غزو جورجيا فى عام 2008 إيذاناً ببدء الإصلاحات العسكرية الرئيسية، وبحلول عام 2014، بدت القوات الروسية التى وصلت إلى أوكرانيا أكثر استعداداً (للمشاركة فى عمليات عسكرية)، رغم مكانتها كقوات نخبة. وفى الوقت نفسه، جاءت العمليات الغربية فى ليبيا، والخسارة اللاحقة للحليف الروسى معمّر القذافى فى البحر المتوسط فى عام 2011، لتُعزّز ارتياب «بوتين».

ولم يؤدّ اندلاع الحرب فى سوريا سوى إلى تضخيم تصور «بوتين» لهذا الاحتواء فى الوقت الذى عملت فيه الدول الغربية على وقف عمليات نقل الأسلحة الروسية وإمدادها لـ«الأسد». وفى يونيو 2012، قامت بريطانيا بالضغط على شركات التأمين لوقف سفينة تحمل مروحيات «مى - 25» متجهة إلى سوريا، بتطبيقها العقوبات التى أصدرها الاتحاد الأوروبى فى عام 2011، لمنع بيع الأسلحة للنظام. ولم تكن روسيا قادرة على توفير حراسة مسلحة لضمان مرور السفينة المستمر بسبب افتقارها إلى وجود بحرى فى المنطقة. ومع تطوّر الحرب، عزّزت واشنطن ضغوطها الدبلوماسية لتقويض دور روسيا العسكرى المتنامى. وعقب إعلان موسكو فى سبتمبر 2015 بأنها ستُطلق طائرات قتالية من القواعد الروسية لدعم «الأسد»، فاجأ وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى نظيره الروسى سيرجى لافروف، بتحذير من توسيع العمليات العسكرية. وبعدها، حثّت إدارة الرئيس أوباما كلاً من بلغاريا واليونان على إغلاق مجالهما الجوى أمام أى طائرة روسية متوجهة إلى سوريا، وقد وافقت بلغاريا على ذلك.

 

استعادة النفاذ عبر الاضطلاع بدور قيادى فى سوريا

كثّفت موسكو وجودها الإقليمى خلال الحرب فى سوريا عبر نشر قواتها البحرية مسبقاً فى المنطقة، وتطوير علاقات عسكرية مع حكومات مختلفة، والإمساك بزمام المبادرة بشأن قضية الأسلحة الكيماوية، وبناء قواعد عمليات جديدة. وقد شكّلت إعادة نشر أسطولها فى البحر المتوسط خطوة رئيسية فى هذه العملية. فقد وصلت السفن الأولى إلى شرق البحر الأبيض المتوسط فى عام 2013، مباشرة بعد وقف بريطانيا إرسال مروحيات «مى - 25». وبعد عامين كان الأسطول مكتملاً.

وقد ضمن «بوتين» دوراً لجيشه أيضاً، ومجالاً إضافياً للمناورة عبر التطوّع، للإشراف على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية لـ«الأسد» فى عام 2013. وفى وقت لاحق، ضَمَن حقوق الرسو فى موانئ قبرص لتوفير دعم على الرصيف البحرى لحاملة الطائرات «الأميرال كوزنستوف»، ورتّب أولى التدريبات البحرية المشتركة على الإطلاق بين روسيا ومصر، وأرسل سفناً للتوقّف فى ميناء الإسكندرية للمرة الثانية فقط منذ عام 1992، كما جدّد النفاذ البحرى والمبيعات العسكرية إلى الجزائر. وبحلول منتصف أغسطس عام 2016، كانت روسيا تقوم بشن هجمات جوية فى سوريا، باستعمالها قاذفات القنابل من طراز «تى يو 22 إم 3» التى كانت تُقلع من قاعدة همدان الجوية فى إيران، مما يدل على التزام «بوتين» باستراتيجيته وتقاربه الذى لم يسبق له مثيل من طهران. وبالفعل، قد يعنى تحسّن علاقات «موسكو» مع قبرص وإيران ومصر والجزائر وغيرها من الدول بأنها رسّخت وجودها الإقليمى على المدى الطويل، حيث إن ميناء طرطوس السورى يُمثّل من جديد مركز شبكة لوجيستية يصل امتدادها إلى الإسكندرية، وليماسول، وربما الجزائر العاصمة.

كما أن التحسينات التى تمّ إدخالها إلى الجيش الروسى أسهمت فى توسيع خيارات «بوتين». فقد نفّذت قواته حملة جوية مكثّفة فى سوريا، وشنّت ضربات اعتراضية باستخدامها صواريخ جوالة تمّ إطلاقها من السفن والغواصات، وفرضت سيطرتها على المجال الجوى بواسطة أنظمة قوية مضادة للطيران (صواريخ إس - 300 وإس - 400)، كما استخدمت منظومة الحرب الإلكترونية «كراسوخا - 4» للتضليل على الطائرات الأمريكية دون طيار. ومن جميع النواحى، فإن القوات الروسية التى شقّت طريقها لتشغيل عملياتها فى سوريا تتمتّع بقدرة أكبر بكثير من تلك التى أظهرتها فى جورجيا وأوكرانيا خلال حملات سابقة. ويبدو أن الجيش الروسى قوى حالياً بما فيه الكفاية للحفاظ على موقف «بوتين» الجديد ومكانته فى الشرق الأوسط.

لقد كان بسط السيطرة الجوية مهماً بشكل خاص، حيث إن استحداث فقاعات دفاع جوى إقليمية كبيرة قد سمح لروسيا بتثبيت حريتها فى المناورة بشكل فعّال وتعقيد أى استخدام مستقبلى للقوة الجوية الأمريكية. يُذكر أن المنظومات المتنقلة لـ«إس - 300» موجودة الآن فى عدد من الدول الإقليمية تحت إشراف محلى، فى حين تمّ نشر أحدث منظومات «إس - 400» الخفية المتنقلة فى شبه جزيرة القرم وسوريا تحت سيطرة روسية. وكان نطاق هذه المنظومات وقدراتها المتنامية قد عزّزت المخاطر بالنسبة للعمليات الجوية الأمريكية فى البحر الأسود، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وما يصل إلى 90 بالمائة من منطقة الخليج. وبالفعل، فقد أسفرت فقاعات عدم الوصول/منع الوصول من طراز «إيه 2 إيه دى» عن إنشاء مناطق عازلة افتراضية على طول الحدود الروسية، من البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط. وتتماشى هذه المقاربة مع تاريخ روسيا. فطوال قرون، شعر «الكرملين» بأن التوسّع الروسى يستلزم مناطق عازلة، مما أدّى إلى خلق دائرة ذات استدامة ذاتية: كلما زاد عدد الأراضى التى تستحوذ عليها روسيا، زاد شعورها بعدم الأمان، وزاد سعيها إلى إنشاء مناطق عازلة.

 

دور حاملة الطائرات «كوزنستوف»

قد يبدو للوهلة الأولى أن قرار «بوتين» إرسال حاملة طائراته الوحيدة إلى المنطقة غير مهم من الناحية الاستراتيجية. ففى النهاية «كوزنستوف» قديمة، ومعرّضة لاندلاع النيران على متنها، وبالكاد يمكنها مجاراة حاملات الطائرات الأمريكية العشر الموضوعة فى الخدمة، التى تمّ إعدادها بشكل جيّد للاستخدامات المكثّفة فى كل نزاع دولى تقريباً منذ الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، يكتسى نشرها أهمية كبرى لأسباب رمزية وعسكرية على السواء. فقد أثبت استخدام أمريكا للقوة البحرية أمام العالم أن حاملة الطائرات تُمثّل التجسيد العائم لضمان الوصول والدعم العسكرى للمصالح الوطنية. وكما أظهرت «عملية برق الأوديسا» التى أطلقتها وزارة الدفاع الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» فى ليبيا، فإنه حتى سفينة حربية برمائية واحدة -تحمل طائرات بأعداد أقلّ بقليل من حاملة الطائرات الروسية- يمكن أن توفّر ميزة عسكرية مهمة فى المنطقة. وما إن تبدأ «موسكو» بإصدار أوامر بشن ضربات من على سطح الطيران الصدئ على متن «كوزنستوف»، فسوف تنضمّ إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، باعتبارها جهات العرض الوحيدة فى العالم لقوة كبيرة على الشاطئ منذ نهاية الحرب الباردة.

 

توصيات سياسية

إلى هنا وانتهى العرض البحثى الأمريكى، لكن جاء الختام بتوصيات للإدارة الأمريكية المقبلة وجاءت نصاً:

ليس ثمة حاجة لأن تكون روسيا متساوية مع أمريكا على الصعيد العسكرى أو الاقتصادى، لكى تُشكل تحدياً حقيقياً للمصالح الغربية. كما أن للوجود صلة بالموضوع، فبمجرد وجود روسيا فى سوريا عندما كانت الولايات المتحدة غائبة، أسهم «بوتين» فى تعقيد البيئة العملية فى الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

ولكى تكتسب واشنطن «مكانة فى اتخاذ القرار» فى أى أزمة مستقبلية وتؤمّن مصالحها التى لا تزال كبيرة فى منطقة بالغة الأهمية، ستحتاج إلى تعزيز مبادراتها العسكرية والدبلوماسية الحالية فى المنطقة. ويعنى ذلك إحياء العلاقات الراكدة، وطمأنة الحلفاء، والعمل بشكل حازم للحفاظ على أهميتها فى الواقع الجديد. وتتمثّل إحدى الطرق للقيام بذلك فى تقوية دول حلف شمال الأطلسى والتحالفات الأخرى. وبالنسبة لـ«بوتين»، يشكّل الشرق الأوسط وأوروبا جزءاً من المسرح نفسه، لذا تسير طمأنة الحلفاء الضعفاء فى حلف «الناتو» جنباً إلى جنب مع دعم الحلفاء فى الشرق الأوسط.

وبالطبع، لدى الولايات المتحدة أيضاً هيكلية قوة متينة فى المنطقة تفوق إلى حد كبير كل ما يمكن أن تستطيع روسيا حشده، فلا يحتاج صنّاع السياسة سوى إلى الإرادة السياسية لاستخدامها بحزم أكبر. فعلى سبيل المثال، فى أوج تدخّلها فى سوريا، استخدمت «موسكو» 42 طائرة مقاتلة/ قاذفة قنابل ونحو 5٫000 جندى. وحين تصل حاملة الطائرات «كوزنستوف»، سيتألف أسطول روسيا فى البحر المتوسط من نحو 12 سفينة حربية. وفى المقابل، بلغ عدد سفن البحرية الأمريكية 30 سفينة تقريباً فى الخليج الفارسى وحده، اعتباراً من عام 2014، وتعتزم واشنطن زيادة هذا العدد إلى 40 بحلول عام 2020، بالإضافة إلى ذلك، تنتشر ما بين 100 و125 طائرة قتالية أمريكية (من طراز إف - 16 وإف/ آى - 18 وإف - 15 إى) فى أرجاء المنطقة، إلى جانب أسطول واحد على الأقل من المقاتلات المتقدمة من طراز «إف - 22». ومن شأن هذا العدد أن يزداد إلى نحو 200 طائرة قادرة على شن هجمات لدى وصول حاملة طائرات إلى مسرح الحادث. كما يملك الحلفاء الإقليميون أكثر من 400 مقاتلة حربية حديثة أمريكية الصنع خاصة بهم.

وبالتالى، على الولايات المتحدة بذل جهود أكبر فى سبيل تحسين علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية عبر التعاون الأمنى. ويجب على البحرية الأمريكية زيادة مجموعة المرافئ التى تزورها فى شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط (مع إيلاء أهمية خاصة إلى حماية القوة). ويتعيّن على الجيش الأمريكى بشكل عام التأكد من مواصلة التدريبات المتعدّدة التى يقوم بها مع دول حليفة مثل مصر والمملكة العربية السعودية.

بإمكان هذه الخطوات أن تُظهر للحلفاء أن الولايات المتحدة ملتزمة بالمنطقة، فى حين تمنح واشنطن نفوذاً للتأثير فى أى نزاعات مستقبلية فى المنطقة.

وفى النهاية، فإن قدرات «بوتين» محدودة، لكنه سيستمر فى اختبار الغرب، إلى أن يقوم هذا الأخير بصدّه. وإذا لم تلعب واشنطن دوراً أكثر نشاطاً فى الحفاظ على علاقاتها الإقليمية، سيواصل «بوتين» الحط من قدرة النفوذ الأمريكى.

 

 2 - العقول التى قدّمت هذه الورقة

مما لا شك فيه أن الورقة البحثية قدّمت سرداً معلوماتياً قُيّم من الناحية الاستراتيجية رغم أنها تعكس فى النهاية التوجه البحثى للكتاب، وهو ما يجعلنا نسلط الضوء على كاتبى هذه الورقة قبل تحليل ما تقدم.

كتب هذه الورقة «آنا بورشفسكيا»، وهى زميلة «آيرا وينر» فى معهد واشنطن.. و«كوماندر جيرمى فوجان»، وهو ضابط فى البحرية الأمريكية وزميل «الجهاز التنفيذى الاتحادى» فى معهد واشنطن، وقد قام بعمليات نشر متعدّدة فى الخليج وزُيّلت الورقة بتوضيح، وهو أن الآراء المعرب عنها هنا هى آراء الكاتبين ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف البحرية الأمريكية، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.

 

3 - الموقف الاستراتيجى لمصر

مما لا شك فيه أن النظر إلى الصورة البانورامية للشرق الأوسط بهذه التطورات تجعلنا الآن نُثمّن الرؤية الاستراتيجية لمصر وللقيادة المصرية، ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى والجهد الذى بذلته مؤسسات الدولة، ليس فقط للحفاظ على الكيان المصرى فى الوقت الذى تحول فيه الإقليم إلى بحيرة من الأسماك المتوحشة، لكن لتثبيت دعائم الدولة المصرية وتعزيز قدراتها، لتكون قادرة على لعب الدور الطبيعى لمصر فى النظام العالمى الجديد وهنا علينا أن نرصد عدداً من النجاحات فى نقاط واضحة:

- نجحت مصر فى الحفاظ على استقلال قرارها الوطنى فى خضم استقطابات مهولة وظروف اقتصادية قاسية.

- نجحت مصر فى تعزيز قدراتها العسكرية بشكل غير مسبوق يُسابق الزمن دون أن تستنزف مقدراتها.

- الربط بين استقلالية القرار وحفاظ مصر على تفوقها العسكرى فى الشرق حفظ لمصر هيبتها الإقليمية، دون استعراض للقوة، على غرار وحدات إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا.

- لم تنغمس مصر فى وحل الدم، سواء فى سوريا أو اليمن، وهو ما يجعلها الطرف الأكثر قوة، وفى الوقت نفسه الأكثر مصداقية ونزاهة وقدرة على الحل.

 

 

الوطن المصرية

اخر الأخبار