قصة قصيرة ::: المهرج والبهلوان :: عز الدين حسين أبو صفية

تابعنا على:   13:23 2016-12-06

رافقنى أحدهم من الطارئين على علاقتى أثناء ذهابى إلى المسرح الوحيد فى المدينة لحضور العروض البهلوانية وكنت ذاهباً إليه سيراً على الأقدام ، وخلال النصف ساعة من الزمن التى أحتاجها لقطع المسافة للوصول إلى المسرح ، لم يتوقف عن الحديث معى بشكل متواصل لم يُتاح لى خلالها مشاركته الحديث باستثناء بعض الأسئلة التى أُظهر من خلالها تشوقى للإستماع إليه ، كمجاملة له فقط ٠
تحدث فى السياسة والإجتماعيات والإقتصاد وعن الأمراض النفسية والإجتماعية التى أنتشرت فى المدينة لأسباب مختلفة ومتعددة ، وكان يردد وصفها بالمدينة غير الفاضلة ، وأن ليس لها كبير ولا مسؤول عن شؤونها وأحوال شعبها الضائع بين ( حانا ومانا ) على حد تعبيره ٠
وقبل أن نصل إلى مبنى المسرح ، إستوقفنى ليسألنى سؤالاً إستطرادياً عن معرفتى بالعرض البهلوانى الذي أنا ذاهب للمسرح لحضوره ، قلتُ له ، عرضاً بهلوانياً كما الحياة فى المدينة ٠
يعنى أنت هارب من الضغط النفسى وقرف الحياة فى المدينة ، وحابب تغير جو
هو هيك ٠٠٠
هل تعرف عن شو العرض بدو يحكى ٠٠
ليس لديّ أدنى فكرة عن ذلك ٠٠٠
فبدأ يتحدث لى بمصطلحات لم أفهم كثيراً منها ، ولكنها تثير الأهتمام ، ورغم تظاهري له بالمعرفة فى بعض الأحيان ، أخذ يتحدث بأكثر تفصيلاً ليزيل الغموض عن كثيرٍ من الأشياء ، وبدأ يتحدث لى عن المُهرج ، شكله ، ولبسه ، وتاريخ الفن التهريجى ، والذي حسب قوله يعود للعصر الفرعونى والرومانى ، وكذلك للعصر الأموي والعباسي عندما كان الأُمراء يشجعون هذا الفن والذى من خلاله كانوا يستقرؤون أحوال البلاد والعباد والرعية ٠
ثم إستطرد فى مقارنته الماضي بوضعنا الحاضر والحياة وأحوالنا فى هذه الأيام ،
وتناول كثيراً من السلوكيات والشخصيات التى لا تختلف كثيراً فى سلوكها وأدائها عن سلوك وأداء المهرج ، وأخذ يعبر عن ذلك بحركات بهلوانية ليقرب إلى ذهنى شكل وأداء المهرج والذى يمتليء أدائه التعبيري بحركات اليدين والأصابع والإرتفاع والإنخفاض والقفز بجسمه. وبصوت مرتفع تارةً ومنخفض تارةً أخري مع غمزات العيون وحركاتها وإيماءاتها مع فتح الفم لآخر الشدقين وإبراز الأسنان وتضخيم الشفاه وإبرازها بهدف اظهار الرغبة بالتقبيل والتبجيل ، ولم ينسَ حركات الأرجل والقدمين ورفعهما وخفضهما بطريقة بهلوانية والتصفيق لإصدار أصواتاً ونغماً يتناسب مع الموقف
شعرت من خلال ذلك بآنه يحاول أن يمرر فكرةً مُحددةً ، وهي إقناع متابعى العرض بموضوعٍ ما ، قد يكون موضوعاً إجتماعياً أو سياسياً أو حتى موضوعاً جنسياً رخيصاً ومقززاً أو موضوعاً عن الإدمان على المخدرات والمسكرات الممنوعة وتعشقها طبقة إجتماعية محددة كل ذلك كان يؤدى بطريقةٍ فكاهية وتمثيلية ناقدة ٠
أقتربنا من باب المسرح وآخذ يستعد لمفارقتى ، استوقفته وطلبت منه أن يصاحبنى إلى داخل قاعة العرض المسرحى وان يجلس بجانبى لأستفيد منه بشرح رمزية بعض المشاهد البهلوانية والأداء التهريجى ٠
ضحك ،، وقال : لا أستطع ذلك ، ولكنى سأكن معك من على خشبة المسرح ،
كيف لك ذلك ؟ !!
سترى !!
قلت له قبل ان تغادر حدثنى عن البهلوان
ضحك مع حركاتٍ بهلوانية وأخرج من جيبه قطعةً من المطاط حمراء اللون ، وطرطور طويل مزين بمختلف الألوان ٠
وضع الطرطور فوق رأسه وأدار رأسه شمالاً ويمنةً بحركات مستديرة ثم أدار لى ظهره وألصق بأنفه قطفة المطاط حمراء اللون ثم أستدار فظهر بمظهرٍ غريب فبدى متسع العينان وشفتاه يضخمها اللون الأحمر الممتد إلى ما بين الأذنين ، وانساب من عينيه الكحل الأسود وسالت الألوان وكأنها الدموع يلونها اللون الأبض
، وكأن معالمه تغيرت جميعها ٠
إستأذننى برهةً من الزمن وإختفى ، ثم عاد مُرتدياً قميصاً ذو مقاسٍ كبير وأشبه بملابس الشحاتين يصل الى ادنى الركبتين ومرقعاً بقطعْ من القماش مختلفة الأشكال والأحجام والألوان ، وكان مرتدياً ايضاً سروالاً كبيراً فضفاضاً معلقاً بحبلْ فى رقبته وكتفيه ويغطى معظم منطقة صدره حتي أعلى الكعبين ٠
أتانى ضاحكاً متفذلكاً يوكزنى فى خاصرتى وهو يضحك ويطالبنى بالتصفيق والتسحيج كتشجيع له وللتعبير من سرورى وإعجابه به وبأدائه ٠
كان يقفز من مكانٍ لآخر ٠
قلت له من أنت ؟
أنا فُلان ، أنا من صاحبك منذ البداية٠٠٠
إذن أنت فُلان ٠٠٠
أنا فلان ٠٠٠
أنا المَهرج ٠٠٠
وأنا البهلوان ٠٠٠
ضحكنا ، وإنسل من بين الناس المتجمهرين حولنا ، وانطلق إلى خَشبة المسرح ٠٠٠
وصرخ بأعلى صوته وقال :
ليبدأ العرض ،،،،،

اخر الأخبار