مقاول فاشل

تابعنا على:   18:37 2016-10-26

د. أيمن أبو ناهية

قبل أن أناقش ادعاءات وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنشاء ميناء ومطار لغزة، وقبل أن أتطرق إلى هذيانه في الأيام الأخيرة، أتساءل قليلا؛ ترى هل يعرف ليبرمان أن غزة كان لها ميناء ومطار؟ وإذا كان يعرف هذا حقًا؛ هل يعرف أن جيشه دمرهما وحرم غزة من هاتين الخاصيتين المدنيتين؟ نعم كانت غزة تحظى بميناء قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، كان يتم تصدير الفواكه والحمضيات منه إلى جميع أنحاء العالم واستيراد ما تحتاجه كذلك. وقد تم تشغيل مطار ياسر عرفات لعدة سنوات وقد وضع حجر الأساس فعلًا للميناء على بحر غزة بتمويل من بنك الاستثمار الأوروبي EIB.

إن المطار والميناء كما العلم والشرطة والجهاز البيروقراطي والمنتخب الرياضي من رموز السيادة المهمة ولا يمكن لدولة مشاطئة أن تحرم من امتلاك ميناء ومطار لها. هنالك 30 دولة في العالم ليس لها منفذ على البحر وهي تتمنى أن تمتلك منفذًا على البحر وبقيت "حبيسة". الدول ذات المنفذ البحري لديها مزايا تنافسية عديدة مقارنة بالدول غير المشاطئة "الحبيسة". ميناء غزة ليس ضروريًا لقطاع غزة فقط بل هو أكثر أهمية لمحافظات الضفة الغربية التي تعتمد على موانئنا في أراضينا المحتلة عام 48 في التصدير والاستيراد وما يعنيه ذلك من قيود وإجراءات أمنية وتكاليف وضرائب إضافية. بناء وتشغيل ميناء في غزة سيخلق 50000 فرصة عمل وسيحدث طفرة في الاقتصاد الفلسطيني وسيعمل على توطيد العلاقة الاقتصادية بين محافظات الشمال والجنوب وسيعمل على تطوير هائل في مهارات العمل والصناعة وتعزيز الاحتكاك التقني والمعرفي بين المجتمع الفلسطيني والعالم وسيشكل أحد معالم التحضر والتمدن، آخذًا في الاعتبار الموقع الاستراتيجي لغزة بقربها من أوروبا وقناة السويس، فإن الميناء في غزة سيكون محطة توقف للكثير من البواخر العملاقة في طريقها بين آسيا وأوروبا، يمكن أن يلحق به ميناء جاف وهو عبارة عن مخازن هائلة تستخدمها الشركات الكبرى في تخزين بضائعها مؤقتًا لحين شحنها مرة ثانية باتجاه مقاصدها النهائية كما هي الحال في موانئ دبي، وسنغافورة وهمبورغ وغيرها.

وبالرجوع إلى الشق الآخر من أقوال ليبرمان, ماذا يريد مقابل ميناء ومطار؟ وهو أشبه بالمقاول الفاشل الذي يعرض شيئًا ليس بجديد، فكثيرًا ما طرح هذا الموضوع عبر وسطاء ربما كان أبرزهم في السابق توني بلير إما بصفته ممثلًا عن الرباعية الدولية سابقًا أو مواطنًا صالحًا اكتشف حين بات بلا جدوى ضرورة أن ينعم الفلسطينيون بالقليل من الحياة. كما رشح حديث عن وساطة تركية بين الطرفين تنتهي بإقامة الميناء والمطار وتخفيف الحصار عن قطاع غزة مقابل التزامات بهدنة طويلة المدى... إلخ. بالمحصلة فإن الحديث عن الميناء والمطار بات أكثر ترددًا في النقاشات السياسية المتعلقة بمستقبل القطاع والتعامل معه, فسبق ليبرمان كثير من مسؤولي الاحتلال الإسرائيليين الذين ربطوا الميناء والمطار بالنواحي الأمنية، حيث ظهرت مؤخرًا الكثير من المقترحات التي تتحدث عن بناء جزيرة في عرض البحر تضم المطار والميناء المزعم بناؤهما لغايات نقل البضائع والمسافرين، وبالتالي ربط غزة بالعالم الخارجي وفي نفس الوقت الحفاظ على سيطرة (إسرائيل) الأمنية على أمن الجزيرة، أو ربما انتداب قوات دولية خاصة للإشراف والمراقبة.

إن المطار والميناء هي حقوق فلسطينية لا يجوز ربطها بمسائل أخرى لطالما تعمل على إنهاء الحصار بكافة أشكاله، بل ويساهمان بشكل كبير في تنمية قطاع غزة وجعله مركزًا اقتصاديًا وصناعيًا كبيرًا سيستفيد منه كل الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن امتلاكنا منافذ جوية وبحرية وبرية مستقلة ودون تدخل ودون ابتزاز من قبل الاحتلال هو بداية التحرر الفلسطيني الفعلي وهي خطوات مهمة على طريق التحرير الكامل.

فحديث ليبرمان كلمة حق يراد بها باطل، لأن الحديث لا يدور حول حل سياسي تكون مخرجاته استجابة لحقوق سياسية وسيادية يعترف بها للشعب الفلسطيني، بل حديثه جاء بعد قرار يونسكو الذي أقر بحقوق كثيرة للشعب الفلسطيني، لذا أراد ليبرمان الظهور للعالم من الناحية الإنسانية للتخفيف من النقد الدولي الذي تتعرض له (إسرائيل) بسبب الكوارث الإنسانية التي تحدث في القطاع المحاصر جوًا وبرًا بحرًا. وثمة فروق كبيرة بين "الاتفاق السياسي" و"الاتفاق الإنساني". فحق الفلسطيني لا يمكن أن يكون إنسانيًا بل هو سياسي بامتياز. فالأرض أرضه والبحر بحره والجو جوه، وبالتالي فإن إقامة ميناء ومطار ومعابر برية ليس منة وهبة بل هي حقوق تتعلق بملكية الفلسطينيين لأرضهم.

اخر الأخبار