الأسرى المرضى في سجون الاحتلال:شهيد تلو شهيد.

تابعنا على:   17:52 2016-09-28

د.عقل صلاح*

بعد استشهاد الأسير المريض البطل القائد ياسر حمدوني صباح يوم الأحد الماضي في سجون الاحتلال الإسرائيلي يكون قد وصل عدد الأسرى الذين ارتقوا شهداء في السجون الإسرائيلية إلى 208 شهداء، وثمانية استشهدوا بعد الإفراج عنهم بسبب الإهمال الطبي داخل سجون الاحتلال. وهناك العشرات من الأسرى وضعهم الصحي صعب يعالجون في مستشفيات السجون الإسرائيلية ويعاملون بطريقة لا تليق بأسرى حرب، وإنما يجرون عليهم تجارب خارجة عن كل القوانين والمواثيق الدولية دون مساءلة وعقاب .ولو افترضنا أن الذي حدث مع الشهيد حمدوني حدث مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط أثناء أسره عند المقاومة الإسلامية لقامت الدنيا ولم تقعد.

فالمطلوب من الجهات الفلسطينية الرسمية (السلطة والمنظمة)القيام بواجبها تجاه الأسرى الأبطال على جميع الصعد محليًا وإقليميًا ودوليًا. وعلى السلطة التنفيذية وبالتحديد الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدم الوقوف في طريق المقاومة الفلسطينية التي تؤدي واجبها تجاه تحرير الأسرى، وأقل الإيمان غض الطرف عن أفراد المقاومة. وهنا يسجل لحكومة حماس في غزة أنها حمت ظهر المقاومة في خطف شاليط وما تلاه من عمليات خطف لجنود الاحتلال، وما الذي يمنع حكومة الضفة من تسجيل موقف مشرف في تاريخها بأنها فقط لم تعتقل من يخطط لخطف جنود إسرائيليين لإطلاق سراح الأسرى بما أن السلطة الفلسطينية لم تستطع إجبار إسرائيل على اطلاق سراح الأسرى المرضى والأسيرات والأطفال.

 لم تصل السلطة بعد تجربتها مع إسرائيل بخصوص ملف الأسرى منذ أوسلو لغاية الآن لقناعة تامة بأن إسرائيل لن تفرج عن أسرى المؤبدات -حسب الوصف الإسرائيلي- إلا مقابل تبادل بأسرى إسرائيليين، فإسرائيل لاتريد تحرير الأسرى ولاتريد حل ملفهم، وإنما تستخدم سياسة الباب الدوار(الاعتقال والافراج) لمن ليس لهم قضايا جوهرية، ولعل تملص إسرائيل من إطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ماقبل أوسلو والتي كان من المقرر الإفراج عنهم يوم 29 مارس 2014أكبر دليل على أنها تريد أن تقبض الثمن السياسي دون التزامها بأي اتفاقيات حتى تلك التي فرضتها على السلطة الفلسطينية

إن قادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية من الأسرى الفلسطينيين السابقين في سجون الاحتلال ومن المفترض أن يكون ميلهم وتعاطفهم مع الأسرى والمقاومة وليس العكس.

إن الأجهزة الأمنية وقادتها وضباطها الذين عايشناهم في السجون الإسرائيلية أقدم في ممارسة النضال من زملائهم في الأجهزة الأمنية في القطاع.إن الفارق الوحيد والجوهري بينهم هو "العقيدة"، فعقيدة الأجهزة الأمنية في الضفة مرتبطة بأوسلو البغيض، وفي غزة مرتبطة بنهج المقاومة من أجل تحرير الأسرى.

لقد حصدت حركة حماس تأييداً شعبياً واسعاً من خلال هذا الملف وطريقة التعامل معه وما نتج عنه من إجبار إسرائيل على إبرام صفقة تبادل لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 18 أكتوبر 2011 وتم تسليمه من قبل حماس إلى السلطات المصرية مقابل 1027 أسيراً وأسيرة، ولا أبالغ إن قلت إن صورة الشهيد القائد أحمد الجعبري الذي دفع ثمنها حياته وهو يمسك في شاليط لحظة تسليمه للسلطات المصرية حققت لحماس أضعاف أضعاف ماحققه أوسلو لحركة فتح على مدار العشرين سنة الماضية. ومستقبلًا عندما تقوم حركة حماس بإبرام صفقة جديدة مع الاحتلال وتجبره مرة ثانية على إطلاق سراح الأسرى (المؤبدات)سيكون له مردود كبير، حيث ستظهر نتائجه في صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة.

وفي المقابل لم يحقق التنسيق الأمني للشعب الفلسطيني ولحركة فتح شيئًا بل شكّلَ العامل الأساسي في سُلّم هبوط شعبية حركة فتح وصعد من حدة الغضب الشعبي عليها،حيث عاقبها الشعب في انتخابات عام 2006من خلال عدم التصويت لها، وسوف نشهد العقاب القادم لحركة فتح على استمرارها في التنسيق الأمني وملاحقة المقاومة الفلسطينية وعدم الإيفاء بتعهداتها للأسرى والذين غالبيتهم من أعضائها وقادتها ومن كوادر شهداء الأقصى.

إذا لم تقم المقاومة بتحرير الأسرى بطريقتها، سنفقد الأسرى شهيداً تلو شهيد، ويفقد الأسرى أعمارهم وشبابهم وهم ينتظرون أن يمنّ عليهم الاحتلال بإطلاق سراحهم.

عندما كنت في سجن النقب الصحراوي وذهبت لحضور محكمة العدل العليا بخصوص قرار تجديد الإداري لخمس مرات متتالية وحطّت بنا البوسطة في سجن مستشفى الرملة حيث رأيت الأسرى المرضى في وضع صحيٍّ مأساوي، وكان الأسرى قد حدثوني سابقًا في استفاضة عن وضع الأسرى المرضى وعن الطريقة اللاإنسانية التي تستخدمها إدارة السجون في التعامل معهم والاعتداء عليهم بالضرب والإهمال الطبي وعدم تقديم العلاج المطلوب والكافي لهم.

وهذا ما حصل مع الشهيد حمدوني حيث تعرض في عام 2003 للضرب المبرح من قبل قوات إدارة السجون مما تسبب له بأمراض، ثم تعرض لسياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة سجون الاحتلال، حيث عانى من مشاكل في القلب، وخضع لعملية قسطرة، ولكنه لم يكمل العلاج وحُرم من الأدوية.

فإسرائيل يوميًا تقتل الفلسطينيين في فلسطين وخارجها، ويوميًا تقتل الأسرى الأبطال ونحن نكتفي بعدّ الشهداء ولا نُحرك ساكنًا، فإما سلام يحفظ كرامتنا ويحرر الوطن والأسرى أما غير ذلك فليذهب للجحيم.

فالدولة -أوالحزب أوالثورة أو الحكومة- التي تترك جنودها ومقاتليها وقياداتها في السجون تكون من الدول الفاشلة.

*دكتوراة النظم السياسية المقارنة.

اخر الأخبار