مساجلات الاتفاق السري

تابعنا على:   13:03 2016-09-25

عبد الله السناوي

تحت أضواء الكاميرات في مجلس الأمن انطوت مساجلة وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا «جون كيري» و«سيرجي لافروف» على شيء من الحدة غير المعتادة.
في المساجلة صراعات قوة معلنة وحسابات سياسية متضاربة وسيولة زائدة في الأوزان على الأرض، غير أنه لا توجد أية رهانات على حسم الأزمة السورية عسكرياً. أية مساجلة بالسلاح والدبلوماسية تعني بالضبط الصراع على تحديد الأوزان قبل الذهاب الأخير إلى جنيف لتسويتها سياسياً، فلا بديل عن التسوية وفق صيغة جنيف.
خلفيات المساجلة أخطر مما تبدى في مجلس الأمن أو في المؤتمرات الصحفية، وما جرى أمام الكاميرات أقرب إلى إعادة تفاوض على «اتفاق سري» يتضمن إجراءات ميدانية تمهد لتسوية سياسية.
بما هو ظاهر من تصريحات روسية فإنهم حصلوا على مكاسب جوهرية تحدد من يشارك أو لا يشارك بأية سلطة انتقالية مقبلة أو «فصل المعارضة عن التنظيمات الإرهابية»، بتعبير «لافروف».
باعتراف «جون كيري» نفسه: فإن «بعض المجموعات في المعارضة تتحالف مع «النصرة»، و«النصرة» تعني «القاعدة» في سوريا، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها»، غير أن الحقائق السياسية والأخلاقية تتصادم بفداحة مع حسابات المصالح والتوازنات، فإقرار هذا المبدأ يعني إرباك حركة حلفاء الولايات المتحدة وإضعاف وزنهم النسبي، ودفعهم إلى صدام لا يقدرون على تكاليفه مع التنظيمات المتطرفة.
لهذا السبب اعترضت وكالة الاستخبارات الأمريكية وقيادة «البنتاغون» على ما توصلت إليه وزارة الخارجية من «اتفاق سري» مع الروس.
بأي نظر جدي لا يمكن استبعاد أن يكون القصف الأمريكي لوحدات من الجيش السوري بالقرب من دير الزور متعمداً بتوقيته ورسائله، وبعض هذه الرسائل إلى الخارجية الأمريكية نفسها. لا يعني اعتذار «كيري» أن القصف الجوي لم يكن مقصوداً.
بالقدر نفسه فإن اتهام روسيا باستهداف قافلة مساعدات إنسانية للأمم المتحدة ليس محض تهيؤات، فالاحتمال لا يمكن استبعاده كما اتهام الآخرين. في مثل هذا النوع من الحروب كل شيء مستباح بغض النظر عن الاعتذار المتأخر أو النفي المراوغ.
المثير في القصة كلها هذا التعارض شبه المعلن بين رئاسة توشك أن تغادر موقعها بالبيت الأبيض، ومؤسسات قوة تمسك بأسباب النفوذ في ميادين الصراع.
إدارة «باراك أوباما» تسعى إلى حلحلة كبيرة للأزمة السورية، باعتبارها إنجازاً يحسب لها في الحساب الختامي بالحرب ضد الإرهاب.
وفق وزير خارجيته فإن «الرئيس أعطى الأوامر بالاستعداد لبدء التنسيق العملياتي مع روسيا في سوريا، إننا جاهزون الآن».
الرهان على تحديد الملامح الأخيرة ل «الحل السوري» يتداخل مع قرب حسم معركة تحرير الموصل من «داعش» في غضون الأسابيع المقبلة.
غير أن مؤسستي القوة في الاستخبارات و«البنتاغون» تخشيان من عواقب الإضرار البالغة بحلفاء الولايات المتحدة في الإقليم وبالمصالح الأمريكية المستقبلية نفسها.
بالضرورة فإن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» يدرك قيمة ما حصل عليه، وألح مرة بعد أخرى على إعلان نصوص الاتفاق الذي جرى بين وزيري الخارجية.
بحسب ما تسرب على لسان وزير خارجيته فإن روسيا قبلت إدماج «أحرار الشام» وتنظيمات إسلامية أخرى في العملية السياسية الانتقالية مقابل الإقرار النهائي باستبعاد «جبهة النصرة» واعتبارها تنظيماً إرهابياً ك«داعش» لابد من مواجهتها بالاستئصال العسكري.
غير أنه في مساجلة مجلس الأمن أكد أن «بيانات وزارة الدفاع الروسية تؤكد أن أسماء المجموعات التي قدمتها الولايات المتحدة على أنها ملتزمة بالاتفاق انتهكته 300 مرة ومن بينها «أحرار الشام»». كأنه أراد أن يقول إذا ما تراجعت الخارجية الأمريكية تحت ضغط مؤسستي القوة فإن روسيا قد تطلب إعادة النظر في دمج «أحرار الشام» بالعملية السياسية الانتقالية.
بصياغة أخرى هناك معضلتان أمام أية تسوية سياسية محتملة، وكلتاهما موضوع مساجلات السلاح والدبلوماسية.
الأولى، «بشار الأسد» وقد جرت حلحلتها بموازين القوة أو تأجيلها لحين استبانة الحقائق الأخيرة بعد المرحلة الانتقالية. بالنسبة إلى روسيا فهو خيار تكتيكي، وبالنسبة إلى إيران فهو خيار أيديولوجي بتوصيف أمين عام الجامعة العربية السابق «نبيل العربي».
والثانية، «جبهة النصرة»، ولا توجد مشكلة في تصنيفها كجماعة إرهابية غير أن إضعافها بالقصف الروسي هو إضعاف إضافي ل «الجيش السوري الحر»، حيث بعض التحالفات وبعض التمركزات المشتركة. وهذه مشكلة يصعب تجاوزها بسهولة رغم الإقرار المشترك بإرهابية التنظيم.
إلى أقصى حد متصور سوف تسعى روسيا لإظهار «الشريك الأمريكي» بأنه ضالع في دعم التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل «النصرة» و«داعش» نفسها، والتصريحات في هذا الاتجاه متواترة.
في أي مدى منظور لا يمكن لأية إدارة أمريكية مقبلة أن تتعايش مع مثل هذه الاتهامات، فالأعمال الإرهابية تضرب وتروع الحواضر الغربية، وآخرها ما جرى في نيويورك وولايتين أخريين قبل انعقاد أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
رغم تصادم الحسابات والمواقف فإن الخطوط العريضة للاتفاق السري قد يبنى عليها بعد إعادة التفاوض على بعضها.
في التوافقات إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، فالمأساة أكبر من أن يحتملها الضمير الإنساني ولا يوجد طرف دولي واحد مستعد أن يتحمل مسؤولية ما يجري. وقد بدأت المساعدات تتحرك ولو ببطء نسبي رغم كل الشكوك المتبادلة.
لا يستبعد «كيري» التدهور إلى الأسوأ الذي لم يأتِ بعد، رغم فيض الدماء التي سالت، ولا يرى «لافروف» أن هناك جديداً في اجتماعات اللجنة الدولية لدعم سوريا الذي أعقب مساجلة مجلس الأمن.
الأكثر مأساوية أن العالم العربي لا توجد لديه أية تصورات مشتركة قادرة على التأثير في مجريات الحوادث وعمق المساجلات.
عن الخليج

اخر الأخبار