ذكرى رحيل المفكر الدكتور ادوارد وديع سعيد (1935م – 2003م)

تابعنا على:   00:19 2016-09-25

لواء ركن/ عرابي كلوب

الدكتور/ إدوارد وديع سعيد مفكر ومثقف وأديب فلسطيني وأستاذاً جامعياً للغة الانجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية وكان مدافعاً عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، ومن أكثر الأصوات فعالية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني سابقاً وحاملاً للجنسية الأمريكية ومن الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب.

ولد/ إدوارد سعيد في الأول من نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1935م في مدينة القدس من والده بروتستانتية تنتمي إلى عائلة ميسورة وتاجر فلسطيني مسيحي ثرى حصل على الجنسية الأمريكية.

عاش إداورد وديع سعيد حتى عمر الثانية عشر متنقلاً بين القاهرة والقدس وقد التحق بالمدرسة الانجليكية ومدرسة المطران في القدس عام 1947م، هاجر مع أسرته على خلفية نكبة عام 1948م التي حلت بالشعب الفلسطيني إلى القاهرة، حيث أصبحت عائلته من اللاجئين لرفض اسرائيل عودتهم إلى البلاد التي ولدوا فيها، بعد أن تم مصادرة املاك العائلة في القدس.

التحق الطالب إدوارد سعيد بكلية فكتوريا في الاسكندرية وما لبث أن تم فصله من الكلية، ليرسله والده إلى مدرسة داخلية نخبوية في الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية (ماساتشوستس) حيث ما لبث إدوارد سعيد أن أدار نفسه بشكل جيد ويحسن صنيعاً في المدرسة ليحوز الترتيب الأول أو الثاني على مائة وستين طالباً، وقد أثرت هذه السنة على حياته المستقبلية لمقابلته أناس من ثقافات عدة للتشابك، ويتولد الإحساس لديه بخارج المكان، ثم تابع دراسة الفن وحاز على إجازة فيها من جامعة (برنستون) عام 1957م وماجستير بالفن عام 1960م، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة الانجليزية والأدب المقارن عام 1964م من جامعة (هارفرد) وقد كان إدوارد سعيد يتقن اللغة العربية والانجليزية والفرنسية بطلاقة.

إنضم إدوارد سعيد عام 1963م إلى جامعة كولومبيا قسم اللغة الانجليزية والأدب المقارن حيث أستمر عمله حتى وفاته عام 2003م.

عمل الدكتور/ إدوارد سعيد كأستاذ زائر للأدب المقارن في جامعة هارفرد عام 1974م، وفي عام (1975-1976) أصبح زميل لمركز الدراسات المتقدم للعلوم السلوكية التابع لجامعة ستانفورد، وكذلك أصبح عام 1977م أستاذاً مساعداً للغة الانجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، فيما بعد أصبح الدكتور/ إدوارد سعيد أستاذ للسلطنات القديمة وتأسيس حقوق الإنسان، كما عمل عام 1979م، كأستاذ زائر في جامعة (جونزهو بكيتر)، وكذلك عمل كأستاذ زائر في جامعة (بيل) وحاضر في أكثر من مائة جامعة، عام 1992م، حصل الدكتور/ إدوارد سعيد على منصب أستاذ جامعي وهي أعلى درجة علمية أكاديمية في جامعة كولومبيا.

عمل الدكتور/ إدوارد سعيد كرئيس لجمعية اللغة الحديثة، ومحرر في فصليه دراسات عربية، كما كان عضواً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم وعضو تنفيذي في نادي القلم الدولي والأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب والجمعية الملكية للأدب والجمعية الأمريكية للفلسفة.

عام 1993م دعي الدكتور/ إدوارد سعيد لإلقاء محاضرات في البرنامج الإذاعي السنوي لدى (B.B.C)، كما كان ينشر بشكل دوري مقالات في العديد من الصحف الأجنبية والعربية بشكل دائم.

تم ترجمت كتاباته إلى ست وعشرين لغة وشملت كتاباته أمور سياسية وأدبية وشؤون الشرق الأوسط والموسيقي والثقافة.

الدكتور/ إدوار وديع سعيد أستاذ مقتدر في مادته وهي الأدب المقارن ولديه كفاءة تسابقت جامعات أمريكا إلى طلبها وطلبة ليكون من علمائها وإعلامها وقد سبقت إليه جامعة كولومبيا، والتي أصبح فيها الأستاذ المرموق، والنجم الساطع.

عبر الدكتور/ إدوارد سعيد عن اهتماماته الموسيقية من خلال كتاب (متتاليات موسيقية عام 1991م) فكان قادراً على ربط الموسيقي ببعدها الثقافي والسياسي.

يعتبر كتاب (جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية الصادرة عام 1966م) أول أعمال ادونارد سعيد وهو امتداد لإطروحته.

بعد هزيمة عام 1967م، أنصرف إدوارد سعيد إلى العمل على شرح قضية شعبه الفلسطيني وما حل به وذلك في الولايات المتحدة.

أصبح الدكتور/ إدوارد وديع سعيد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1977م.

صدر للدكتور/ إدوارد سعيد العشرات من الكتب باللغة الانجليزية والعربية.

عام 1978م صدر له كتاب (الاستشراق) وكان من أبرز كتبه وقد ترجم إلى 26 لغة (العربية، الفرنسية، الاسبانية، اليابانية، التركية، الهولندية، الصربية والكرواتية، النرويجية، البولندية، الايرانية، الايطالية، البرتغالية، اليونانية، السويدية، الألمانية) كما ترجمت كتبه الأخرى إلى معظم هذه اللغات وإلى الصينية والعبرية.

للدكتور/ إدوارد سعيد أهتمام موسيقي واسع، حيث كان متخصصاً فيها، وهو عازف بيانو ماهر، ويمتلك ثقافة موسيقية واسعة وكتب ودراسات موسيقية عديدة وله كتاب عن الموسيقي ترجم إلى عدة لغات.

الدكتور/ إدوارد سعيد متزوج عام 1970م ولد ولدان.

لقد كان الدكتور/ إدوارد سعيد مفخرة علمية وأكاديمية، ليس للفلسطينيين وللعرب فقط، وإنما للإنسانية جمعاء، فالرجل وظف حياته وتجاربه وعلمه الغزير من أجل مكافحة الأستعمار الثقافي بكل أشكاله وألوانه.

لقد عمل الدكتور/ إدوارد سعيد في أرقى جامعات أمريكا، وكان لديه التزام وطني صادق والتزام مثقف أزاء قضية شعب فلسطين.

توفي الكاتب والمفكر الكبير الدكتور/ إدوارد وديع سعيد يوم الخميس الموافق الخامس والعشرين من أيلول عام 2003م بعد صراع طويل مع مرض سرطان الدم (اللوكيميا) الذي أصابه من عشر سنوات وأوهن جسمه لكنه لم يوهن عقله وإرادته وظل حتى وفاته يكتب ويقاوم كعادته، يتقدم الصفوف الأولي.

نال الدكتور/ إدوارد سعيد عشرات الجوائز الأدبية والقي مئات المحاضرات في الجامعات الأمريكية والبريطانية وهو عضو في هيئات أكاديمية ومؤسسات وجمعيات أدبية عديدة.

لقد سطع نجم الدكتور/ إدوارد سعيد في الغرب مع صدور كتابه الاستشراق عام 1978م حيث تناول فيه مصادر الأفكار والانطباعات التي أستنبطها الكتاب الغربيون عن العرب والمسلمون، وفند كيداً من الآراء المسطورة في كتب المستشرقين، حيث لم تكن تخلو من تشوهات كثيرة تعكس أفكار هؤلاء حول الشعوب (الدونية المتخلفة).

لقد أعتبرت وفاة الدكتور/ إدوارد سعيد خسارة فادحة ليس فقط للنقد الأدبي بل أيضاً للقضية الفلسطينية التي كانت راوية الراحل الموضوعية إزاءها تحظى باحترام كبير في كل مكان في العالم.

كان الدكتور/ إدوارد سعيد رجل عمل بكل قواه لحمل العالم أجمع على التعرف على قضيتنا، حيث كان رسول إلى العالم عندما كان يتحدث عن مشاكل الفلسطينيين.

صدر للدكتور/ إدوارد سعيد كتاب (غزة – أريحا) سلام أمريكي عام 1995م.

عارض الدكتور/ إدوارد سعيد سياسات الرئيس الراحل/ ياسر عرفات بشأن توقيع أتفاقية أوسلو.

لقد امتازت شخصية الدكتور/ إدوارد سعيد بكاريزما حولته إلى ظاهرة عالمية فريدة فنادراً ما يجتمع المثقف والنجم في صورة واحدة، كما اجتمعت في إدوارد سعيد الأنيق، البليغ، العميق، الشرس، السلس، المفتون بجماليات الحياة، المحب والمتذوق للموسيقي.

كان الدكتور/ إدوارد وديع سعيد رجلاً نزيها ومتفانياً في سبيل القضية الفلسطينية ولم يكن يتوقف أبداً عن سعيه وراء توفير العدالة للفلسطينيين، كما كان يلقي التقدير الكبير لدى الفلسطينيين.

رحم الله المفكر الكبير الدكتور/ إدوارد وديع سعيد

المجد لله في العلا ... وعلى الأرض السلام ...

اخر الأخبار