معارك لغوية يهودية.. وإسرائيلية

تابعنا على:   13:11 2016-08-28

خليل علي حيدر

اشتريت كتاباً بعنوان «العبرية من غير معلم» للدكتورة كاميليا أبو جبل، لا لأتعلمها، فالوقت لا يسمح للأسف، بل لأرى حجم التشابه بينها وبين اللغة العربية، بحكم كون اللغتين ولغات شرقية أخرى كالسريانية والآرامية.. من اللغات السامية التي يجمعها أصل واحد. ويظن الكثيرون أن اليهود عبر تاريخهم ولا يزالون يتحدثون «العبرية»، والتي هي اليوم لغة إسرائيل الرسمية، سياسياً وإعلامياً، وفي التعليم والأدب والثقافة. إلا أن هذا الاعتقاد لا يطابق واقع اليهود المعاصرين وحتى الأقدمين، كما يؤكد الباحثون المعروفون، وأبرزهم في الثقافة العربية الراحل د. عبد الوهاب المسيري «1938 - 2008».. ويقول:

لم يتحدث اليهود اللغة التي تعرف بالعبرية إلا لفترة قصيرة للغاية. وكانت العبرية لهجة من اللهجات الكنعانية، ولم يتخذها اليهود لساناً لهم إلا بعد إقامتهم في كنعان ابتداءً من عام 1250 قبل الميلاد. وقد اختفت العبرية بوصفها لغة الحديث بين اليهود مع التهجير البابلي عام 567 قبل الميلاد، وحلت الآرامية تماماً محل العبرية نحو 250 قبل الميلاد.

اللغات التي تكلمها اليهود بعد انتشارهم في العالم، يضيف د. المسيري: «كانت في معظم الأحيان لغة الوطن الذي استقروا فيه وانتموا إليه، أو إحدى اللغات الدولية السائدة. فكان يهود بابل يتحدثون الآرامية، ويهود الإسكندرية في العصر الهيليني يتحدثون اليونانية، كما أن يهود فلسطين كانوا يتكلمون إما الآرامية أو اليونانية، أما يهود الإمبراطورية الرومانية الغربية وأفريقيا وغرب أوروبا، فكانوا يتحدثون اللاتينية، ويبدو أن بعض يهود الإمبراطورية الإيرانية كانوا يتحدثون باللهجات الفارسية المختلفة، وكان يهود العالم العربي يتحدثون العربية».

وفي الماضي كان يهود الأندلس «يتحدثون رطانة تسمى العربية اليهودية، ويهود إسبانيا يتحدثون «اللادينو»، وهي رطانة إسبانية دخلت عليها بضع كلمات من العبرية والتركية واليونانية». أما يهود أوروبا الشرقية، فكانوا يتحدثون «لغة اليديش»، وهي لهجة ألمانية تحولت فيما بعد إلى ما يشبه لغة مستقلة للحديث والكتابة.

وفي القرن السادس عشر كان معظم يهود العالم يتحدثون بهذه اللغة في أوروبا، وبلغة «اللادينو» في الدولة العثمانية. وكان اليهود يستخدمون غالباً الحروف العبرية في كتابة هذه اللغات واللهجات في المعاملات اليومية، مثل الفواتير التجارية، ولم يكتبوا بهذه اللهجات أدباً ذا بال، باستثناء «لغة اليديش» التي عمرت طويلاً، وأصبحت مع القرن التاسع عشر، لغة مستقلة يتحدث بها معظم يهود العالم الغربي الذين كانوا مقيمين في روسيا وبولندا. «التجانس اليهودي والشخصية اليهودية، دار الهلال، القاهرة، 2004، ص 130 - 132».

أدت مذابح الهولوكوست والتصفيات التي تعرض لها اليهود في أوروبا الشرقية وألمانيا إلى تقلص المستخدمين للغة «اليديش» بشكل حاد، وفقدت اللغة قدرتها التنافسية في المجال الثقافي بعد الحرب العالمية الثانية، وهكذا تحول الأدباء اليهود إلى اللغات العالمية المعاصرة كالإنجليزي والفرنسية وغيرها، أو إلى اللغة العبرية بعد قيام إسرائيل.

كتبُ «العهد القديم»، أي التوراة بلغة عبرية قديمة اختفت بعد التهجير البالي، ولذا فالتلمود ثاني كتب اليهود المقدسة، مكتوب بلغة آرامية. وكان المفكرون اليهود في الإسكندرية يؤلفون باللغة اليونانية، وكان «موسى بن ميمون» يكتب بالعربية. ولم يظهر في العصور الوسطى في الغرب مؤلفون يهود كبار حتى القرن 17، حيث ظهر الفيلسوف المنشق على اليهودية «اسبينوزا» الذي كتب مؤلفاته باللاتينية.

وفي مصر كتب «يعقوب صنوع»، المسرحي والصحافي ومدرس اللغات المصري، باللغة العربية، حيث ألّف 36 تمثيلية للمسرح بالعامية، فكان أول من كتب المسرحيات باللهجة المصرية، وقد أُغلق مسرحه بعد فتحه بسنتين، ونفته السلطات، فعاش في باريس حتى توفى عام 1912.

وقد كتب «كارل ماركس» كتبه الشهيرة بالألمانية وبخاصة «رأس المال» Das Capital و«البيان الشيوعي» Communist Manifesto.

ويقول د. المسيري: «كان هرتزل» و«نور دو» وكثير من المفكرين الصهاينة الأوائل، «لا يؤمنون بوجود ما يسمى بالثقافة اليهودية، ولم يكن هرتزل - مؤسس الدولة اليهودية - يتصور أن تكون العبرية هي لغة الوطن القومي الذي يقترحه، إذ كان يرى أن كل مستوطن يهودي سيتحدث بلغته».

وقد نشبت بين المستوطنين في إسرائيل «معركة اللغة» بين دعاة استخدام الألمانية ودعاة استخدام العبرية من يهود شرقي أوروبا.

أما اللغة الأساسية ليهود العالم الآن، فهي الإنجليزية التي يتحدث بها يهود الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا، ممن يشكلون الأغلبية العظمى من يهود العالم.. ثم تأتي العبرية، لغة يهود إسرائيل، في المرتبة الثانية، أما «اليديشية»، فقد اختفت تماماً في أميركا وعلى وشك الاضمحلال في روسيا، ولم يعد هناك من أثر لـ«اللادينو» الإسبانية الأندلسية. ويقول د. المسيري إن اليديشية بالذات «تعرضت لهجوم شديد خصوصاً أن التجار اليهود كانوا يستخدمونها، وهو ما كان يسهل لهم غش الآخرين». وهذا ما يفعله للأسف مهاجرون آخرون، كذلك من الجماعات اللغوية مع من لا يعرف لغتهم في بعض الأحيان. ويقال إن تعدد لغات الجماعات اليهودية في شرق أوروبا كان سبباً أساسياً في أزمة الهوية. «فقد كانت لغتهم المقدسة هي العبرية، ولغتهم القانونية هي الآرامية، ولغة الحديث اليديشية، ولغة المثل الأعلى الاندماجي هي الألمانية أو البولندية أو الروسية ولغة المثل الأعلى الصهيوني هي العبرية». «د. المسيري، ص 136».

ماذا عن كتاب «تعلم العبرية من غير معلم» الذي بدأنا الحديث به؟

الكلمات المتماثلة والمتقاربة بين اللغتين كثيرة بالطبع، وإن كنت أتوقع أن تكون أكثر بكثير!

فالأربعة بالعربية نفسها بالعبرية والعشرة «عسرة»، بينما التسعة «تشعة»، والثمانية «شمونة»، والواحد «ايحاد» والاثنان «شنايم»، والثلاثة «شلوسة».. وهكذا بين تطابق وتعاكس! وثلاثة أرباع بالعبرية «شلوسة ربيعيم». ومن أيام الأسبوع الثلاثاء «شليشي»، والأربعاء «ربيعي»، والخميس «حميسي». أما أسماء الفصول فلا علاقة لها بالعربية، وكذلك أسماء الجهات.

وهناك بعض التشابه في أسماء الأوقات مثل سنة «شنة» وأسبوع «شابوع» وليل «لايل» وأمس «إمش». وكنت أتصور أن أسماء الألوان متقاربة، ولكنني لم أجد إلا اللون الأزرق ويدعى بالعبرية «كاحول».. مثل اللون الكحلي؟ بينما الأبيض «لايان» والأسود «شحور» والأحمر «أدوم»! ويسمى الذهب «زهاف» والألماس «يهلوميم».

ويسمى الزوج «باعال» والزوجة «رعيّاه». ويسمى المر «مار» والعريض «راحاب» والذكي «حاخام»!

ونعم بالعبرية «كين»، ولا «لو»، واليوم «هيوم».

والرجل «إيش» والمرأة «إيشا». وهناك تشابه في أسماء الطيور والحيوانات في حالات قليلة كالعقرب «عكراب»، والجمل «جامال»، والأرنب «أرناب»، والنحلة «دبوراه»، والذبابة «زبوب».

وفي الطبيعة تسمى الأرض «أرتس»، والوادي «فادي»، والشمس «شيمس»، والماء «مايم» والنبع «نبيعاه» والثلج «شيليج». ويسمى البحر «يام» - مثل اليَمّ - والنهر «ناهار»!

وتبقى اللغة العبرية رغم تشابه الكثير من المفردات لغة أخرى مختلفة تماماً. فمثلاً «عيرف طوف» تعني مساء الخير، و«متاي عورخيم هَتَعروخا لَسْفَريم» معناها بلغة الضاد «متى يقام معرض الكتاب؟» هل ستفهم الجواب إن سمعته بالعبرية؟

عن الاتحاد الاماراتية

اخر الأخبار