المعذبون في الأرض

تابعنا على:   21:21 2015-07-30

صلاح صبحية

تتلاطم الأمواج في بحر السّاحة الفلسطينية ، هذه السّاحة المنتشرة على كل بقاع الأرض ، فحيث يُوجد الفلسطينيون يموج بحرهم ، ويعانون من أمواجهم العاتية ، هذه الأمواج التي تأخذهم في كل الاتجاهات ، وتجعلهم يتلاطمون فيما بينهم لأنهم فقدوا وعيهم لذاتهم ، فحالهم صعب معقد ، وحتى يخرجوا من دائرة ضيقهم وما هم فيه ، راحوا يفتشون خارج فلسطينيتهم عن نجاتهم ، فما وجدوا لذلك سبيلا ، فأصبحوا بين الحياة والموت ، يطلبون الحياة فتهرب منهم ، ويطلبون الموت فينفر منهم ، هم المعذبون في الأرض ، فأين المفر ، دائرة العذاب والآلام تضيق عليهم ، لا يستطيعون الخروج منها ، وإن استطاع بعضهم الخروج منها ، فهو خروج إلى ألم آخر ، فالآلام تتوالد في حياتهم أينما كانوا ، يرجون من غيرهم خلاصهم ، وغيرهم لا يريد لهم إلا الغرق ، لا قبور لهم ولا منافي ، القبر عندهم مزيد من الألم ، والمنافي تأخذ بهم إلى منافٍ جديدة ، لتتسع دائرة المعاناة ، تيهٌ يولد من تيه ، ويصبح عنوانهم لا معنى له ، مجرد حروف وكلمات يرددها البعض ، فلا يجدون لها صدى حيث يجب أن يكون الصدى ، نكبة ومأساة وتيه هي كل حياتهم التي عاشوا وعيها ، ولم تدركهم السّيارة حتى تخرجهم من قاع الجبّ .

ينشد الفلسطينيون حلاً لقضيتهم ، فيراه التائهون في دولتين ، دولة الاحتلال ودولة الوطن الذي تخلى عن العنوان ، فإذا بحل الدولتين إمارة في جنوب البلاد وسلطة في شرقها ، ولأي منهما لا حول ولا قوة ، وما بين الشمال والغرب وتغلغل في الشرق يشمخ الغزاة بكيانهم الذي ينمو على الجبال التي تمتد من الجليل إلى الخليل ، وتصبح القدس لا شيء ، سوى صوت المؤذن من المسجد الأقصى ينادي الله أكبر ، فيهبّ المرابطون بأجسادهم العارية يصدون ريح السّموم ، لكنها الريح تدثر بعباءة أبي لهب وأبل أبي سفيان ، تنكسر أمواج الريح بإيمان المرابطين ، لكنّ الريح تعود في كل يوم من جديد ، والمرابطون هم المرابطون ، وتخرج أصوات من سلطة الشرق ومن إمارة الجنوب تُعيب على الريح فعلها ، وتعدُ المرابطين بمطر يوقف الريح ، ولكنّ ما يأتي من الشرق ومن الجنوب وما بعد بعد الشرق والجنوب غثاءٌ كغثاء السّيل ، فكيف لا تتغلغل دولة الاحتلال في كل مكان ، وتسرق منا كل مكان .

انقسامٌ ، سلطة وإمارة ، فكيف يكون لكليهما وزارة ، وزارة وفاق بلا وفاق ولا اتفاق داخل الوزارة ، وكل صباح تطالعنا أخبار الحارة باستقالة رئيس الوزارة ، فرئيسها مكبّل مصفّد داخل الوزارة ، فلا رأي له لأنه اسماً رئيس وزارة ، وفي كل أسبوع يتم تعديل الوزارة ، فهي كأولاد يلعبون بالحارة ، فبئس ما هي عليه الوزارة ، وأصحاب الإمارة يلعبون الغميضة بالوزارة ، فهم يعلمون سرّ الوزارة ، وأصحاب السلطة والأمارة يلعنون في كل صباح المصالحة ، فهم لا ينشدون سوى المصالح الخاصة ، وتنهال من السلطة والأمارة تصريحات تدير الانقسام والمصالحة ، ويحملون المصاحف على أسنة الرماح ينشدون المصالحة ، وهم نكثوا العهد الذي كان في دمشق والدوحة ومكة والقاهرة ، فكيف تتم المصالحة ؟

لا شيء جديد سيكون ، إذا لم يتغير في الكائن ما هو موجود ، لمن يكون الانتماء لوطن مغتصب ومحاصر ومسلوب ، أم لعرب أضاعوا عربهم وما يملكون ، لننفث ما في داخلنا من سموم ، فنحن لن نكون إلا ما يجب عليه أن نكون ، وذلك لن يكون إلا أن نكون أبناءً لفلسطين كل فلسطين ، فعودوا إلى فلسطينكم فكرا وممارسة ، انتماءً والتزاماً ، فلن يأتينا الترياق من أي مكان ، فنحن المعذبون في الأرض ترياق عذابنا الذي يجب أن يزول .

اخر الأخبار