رحلة إلى بيت النبوة ( أ . محمد عبدالحميد الأسطل أبوالقسم)

تابعنا على:   14:23 2015-06-27

محمد الاسطل (أبو القسم )

ساد الصمت لحظة ، ثم فاجأني عمرو بسؤال بعد أن رمقني بنظره الثاقب :
ما أخبار فارس و الروم ؟ و أين وصلت معاركهما ؟ تناهت الى مسامعنا أخبار كثيرة ، فهل هناك من جديد ؟
نظرت إلى عينيه مباشرة ، فأدركت أنه يريد أن يختبرني ، و تذكرت ذلك الصراع الكبير الذي وقع بين الامبراطوريتين إبان البعثة و ما حدث بعدها حتى انه نزلت سورة بشأن ذلك ، فقلت له و وجهت الكلام بصيغة العارف بالشيء ، 
" لقد أعدوا لبعضهم العدة ، خصوصا بعد المناوشات التي جرت بينهما و بين حلفائهما من الغساسنة والمناذرة ، بيد أن الامور على ما يبدو تتجه نحو معركة فاصلة ، سنسمع عنها قريبا "
ثم قلت في نفسي : 
" هذا عمرو ، و لا مفر منه الا اذا أعدت الدفة إليه ، و حركت في داخله روح المعرفة و المغامرات التي ما انفك يعيشها منذ صغره ، "
فقلت : 
" لقد سمعت عنك و انت احد اهم فتيان قريش و اكثرهم ولعا بالرحلات ، و معرفة بالمدائن ، و انك لا تنفك مسافرا مع ابيك ، ضاربا في البلاد و عارفا بأحوالها ؛ خصوصا الشام و اليمن و الحبشة ، فاني سمعت ان لك صداقة مع كبار القوم و عليتهم ، و ان صيتك وصل الافاق في ذلك ، فانت عارف بأحوالها و اسواقها و باهلها ؛ أليس كذلك ؟ "
أصابت الدهشة جعفر و مصعب ، غير أنها تلاشت بصوت عمرو الذي ابتسم ؛ و اخذ يقص عن مغامراته و زياراته و معرفته بالناس ، و فيم نحن آخذين بأطراف الحديث ؛ إذ بي أبصر سيدا مهيبا خلفه رجل اسود ، فسألت باهتمام :
" من هذا ؟ "
رد مصعب :
" إنه أمية بن خلف "
فقلت :
" اذن من خلفه هو بلال بن رباح ؟"
ضحك فتيان قريش عليّ و مني ، ثم علق عمرو :
" ظنناك تسأل عن السيد فإذا بك تسأل عن المسود ؟"
رمقته بنظري ، ثم قلت في نفسي :
" هى أيام و ستعرفون من السيد و المسود "
ثم أردف عمرو : 
" بلال ، ذاك العبد الحبشي ، لقد نال حظوة لدى سيده أمية ، حتى انه قدمه ، و جعل له مكانة لما رآه فيه من خصال كريمة و خلال طيبة "
ثم نظرت الى الكعبة ، فقلت لهم :
" اذن هذا بيت الله الحرام ، و هى التي يحج اليها العرب من كل مكان ، و هى التي جعلت لقريش تلك المكانة و الصيت ، لقد سمعت ان أبرهة قدم قبل عقود ليهدمها ، فحماها الله بطيور قيل انها رمتهم بحجارة ما سقطت على أحد الا قتلته "
فقال جعفر : " حقا ، لقد أقبل أبرهة بجيش كبير يتقدمه فيل ضخم يقال له محمود ، حيث قصد هدم الكعبة بعد ان بنى كنيسة باليمن قاصدا من ذلك ثني الناس عن الحج لمكة و التحول الى كنيسه ، و ما أن وصل الى مشارف مكة التي خلت من ساكنيها اذ لجأوا الى الجبال بعد أن علموا الا طاقة لهم بجيش أبرهة "
فقال مصعب معقبا :
" و لكنني سمعت أن جدك عبد المطلب و نفر من قريش أمسكوا بحلق البيت و أخذوا يبتهلون لرب البيت بأن يحمي بيته ، فما الا و طيور من السماء تقبل و تضرب جيش أبرهة الذي ولّى فارّا هائما على وجهه ، هلك منهم من هلك و نجا من نجا "
" و لكني أرى البناء جديد ؟ " 
سألت ، و قد انتابتني الدهشة ،
و هنا اعتدل عمرو في جلسته و قال : 
" لقد جرف السيل الكعبة قبل حين ، كما انها لانها غير مسقوفة فقد سطا عليها اللصوص و سرقوا كنزها ، كما تصدعت جدرانها و وهنت أركانها ، لذا فقد قررت قريش إعادة بنائها ، و اشترطوا الا يدخل في ذلك الا طيب ، و كانت قد تناهت الى مسامعنا قبل بضع سنوات ان سفينة رومية قد كسرت في البحر فركبنا اليها و احضرنا خشبها و استخدمناه في عرشها ،"
فاكمل مصعب :
" أجل ، و لكن أذكر أن الامر كاد ان يسوء ، فقد اتفقت القبائل ان تجمع الحجارة من الوادي و كل قبيلة لها جزء ، و يقوم النجار الرومي ( باقوم ) ببناء البيت ، لكن عندما وصلوا الى موضع الركن اختلفوا فيمن يضعه ، و كادوا يتقاتلون ، و توقف البناء بضع ليال ، الى ان اقترح احد الشيوخ بأن يحكم في ذلك أول والج الى المسجد "
فأكمل جعفر و الابتسامة تعلو محياه :
" و هنا دخل محمد ، فقالوا : الامين رضينا به ، ثم دعوه ، فأمر بثوب ، ثم حمل الحجر فوضعه فيه ثم طلب من كل رأس قبيلة أن يمسك بطرف ، ثم مضوا به حتى وصلوا الى موضعه ، فأمرهم برفعه ثم تناوله و وضعه في موضعه ، فرضيت قريش و تم البناء "
فقال عمرو :
" كذلك لا يمكننا ان ننسى خوف الناس من الاقدام على هدم البيت ، و كيف أن الوليد بن المغيرة كان أول من اخذ المعول و مضى قائلا : ان أصابني شيء فأمسكوا ، فلما رأى الناس انه لم يصبه شيء هرعوا فأتموا الهدم "
فأردف مصعب :
" و لقد رفعوا الباب حتى لا يدخله السيل ، و لا يدخلها الا من أرادوا ، و قد ظلوا يبنون حتى رفعوها قرابة الثمانية عشر ذراعا ، اذ كانت قبل ذلك تسعة أذرع "

اخر الأخبار