"الجماعة" ماتت.. ولكن أكثرهم لا يصدقون !!

تابعنا على:   11:46 2015-05-30

محمد صلاح الزهار

حالة من الانفلات العقلي تدور منذ عدة أيام على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية والصحف التي تعاني من الإفلاس الإخباري والتحليلي، هذه الحالة تدور حول الجماعة إياها ومدي صمودها واستقرارها ! .. وتبارى كثير من المدعين بالقدرات التحليلية والاستقرائية في "إتحافنا" بتحليلات متباينة ومختلفة وغالبيتها "افتكاسات" لا علاقة لها بالواقع وتنم عن عدم إدراك وجهل بما يجري في العلن، فما بالكم بما يجري في السر!

حالة الاستعباط والهبل هذه اشتعلت بعد أن أعلنت الجماعة إياها وفي بيان منسوب لمن يقول إنه المتحدث الإعلامي إن الجماعة قررت أن تبدأ في النهج الثوري ضد "حكومة الانقلاب" في مصر، واستند مصدر البيان إلى ما قال إنه بيان موقَّع من 150 من علماء الأمة، أفتوا فيه بشرعية العمل الثوري ضد الظلم!

البيان، حمل بشكل غير مباشر، ردًا على بيان آخر صدر عن أحد القيادات الهاربة المنتمية للجماعة يقول فيه إن الجماعة ستواصل تمسكها بالسلمية !

كاتب البيان الثوري تباهى بأنه وعلى الرغم من الملاحقات الأمنية تم عقد اجتماع تنظيمي لقيادات الجماعة في شهر فبراير عام 2014 وكان اجتماعًا صحيحًا لائحيًا، تقرر خلاله التأكيد على استمرار مرشد الجماعة النزيل بالسجن حاليًا مرشدًا عامًا للجماعة وأن المجتمعين قرروا انتهاج العمل الثوري بشكله المعروف - ولم يقل ما هو هذا الشكل المعروف للنهج الثوري - وأفاض البيان في "رص" العبارات ذات الصياغات النارية جنبًا إلى جنب موهمًا الناس في شتى بقاع الأرض أن النيران الثورية سوف تشتعل في مصر بعد ربع ساعة من إصدار البيان !

خبراء "الفتة والمكرونة" بعد صدور تلك البيانات "الهايفة" تباروا في تحليل الأوضاع والادعاء بمعرفة ما يجري في الجماعة إياها، فمنهم من قال إن البيانات المتضادة هذه تكشف عن انقسامات داخل الجماعة بين الشباب والقيادات القديمة، ومنهم من استحسن البيانات وقال إنها تكشف عن القوة التي لا تزال تملكها الجماعة، ومنهم طالب المصريين بمراجعة أنفسهم والسعي نحو التصالح مع الجماعة... إلخ !

الحقيقة أن بيان انتهاج الجماعة للسلوك الثوري وكل البيانات التي صدرت عن الجماعة منذ الثلاثين من يونيو، كلها بيانات فارغة من أي مضمون ولا علاقة لها بالواقع، مرورًا ببيانات ما كان يطلق عليه تحالف دعم الشرعية، فقد بشرت تلك البيانات بأن الشعب المصري سوف يخرج ليعيد إلى الجماعة "شرعيتها" التي اختطفت في الثلاثين من يونيو، وسوف يعيد الرئيس المخلوع إلى سدة الحكم مرة أخرى !.. ورغم أن الاستجابة لهذه الدعاوى اقتصرت على بضع مئات وربما آلاف من أعضاء الجماعة ومناصريها، إلا أن بيانات صدرت عن الجماعة تشكر الشعب المصري الذي استجاب لدعاوى التظاهر ! .. وتكررت هذه الهلاوس مئات المرات وبذات السيناريو !

وبينما كان يتواصل مسلسل هذه البيانات الخايبة، كانت تتواصل حلقات مسلسل الدم والقتل واستهداف الأبرياء، وكان يتواصل، ولا يزال، مسلسل التفجيرات والتخريب والتدمير للمرافق الحيوية ووسائل النقل العام، وتبين أن وراء الكثير من هذه الجرائم منتسبون أو منضمون للجماعة، أو متعاطفون معها أو مأتمرون بأمر بعض قادتها، وفي ذات الوقت حاول بعض قيادات الجماعة استخدام الكفاح الثوري على مواقع الإنترنت وسعى البعض الآخر منهم إلى التفنن في خلق كيانات جديدة للإيحاء بأن رقعة المعارضة للنظام في مصر واسعة وعريضة وتشمل كيانات أخرى بخلاف الجماعة والمتعاطفين معها وظهرت كيانات غريبة، مرة باسم "كتائب حلوان" ومرة باسم "ضنك"، ولم تلبث الأمور أن كشفت أن كل من وراء هذه الكيانات منتمون للجماعة وأعضاء فيها ! .. هذا بالإضافة إلى أن هناك من بين قيادات الجماعة مَن أدار أكبر عملية لترويج الشائعات والحكايات المضروبة، والحقيقة أن كل هذه المحاولات فشلت فشلًا ذريعًا في أن تُعيد للجماعة أي مظهر من مظاهر القوة والوجود في الشارع، وكان هذا الفشل مؤشرًا واضحًا لا لبس فيه ان الجماعة ماتت، ولن تعود إلى الحياة في الزمن المنظور على الأقل!

أنوه بأنني لا أتحامل على الجماعة بلا سند من الواقع أو عدم إلمام بتطورات ما يجري في الجماعة منذ سنوات، وكلها كانت أمورًا معلومة ومعلنة للرأي العام، فالواقع يقول إن الجماعة كانت بدأت الاحتضار قبل ثورة يناير بعام على الأقل، في تلك الفترة انقسمت الجماعة على نفسها، وسيطر الجناح المتشدد على مقاليد الأمور بها، وتم اختيار مرشد جديد وللتمويه على حالة التخبط داخل الجماعة أعلن أن الجماعة ستعود لممارسة العمل الدعوي، أو ما يسمى بـ"العمل السري"، كان الهدف هو النجاة من مطاردات أجهزة أمن مبارك أو هذا ما كان يتردد حينها، وفي أكتوبر 2010 أوشكت الجماعة على تنفيذ صفقة مع نظام مبارك بشأن توزيع مقاعد البرلمان المنتظر، ولكن الاتفاق تبدد بعد تزوير الانتخابات لصالح حزب مبارك ، وشاء القدر أن تأتي ثورة يناير - التي كانت نتائجها مفاجئة للجميع في الداخل والخارج - لتقدم للجماعة قبلة الحياة على طبق من فضة، وللأسف ضعف الكيانات الثورية وانعدام تأثير الأحزاب السياسية ساهم في دفع الجماعة لتصدر المشهد السياسي، فوقعت الجماعة في براثن حالة الطمع والرغبة في الاستحواذ على كل شيء، وحازوا غالبية مقاعد البرلمان بالتعاون مع حزب النور السلفي، كما تحصنت الجماعة بكل رموز الجماعات الإرهابية الثابت بحقهم ارتكاب الجرائم في حق الشعب، ودعمت الجماعة غالبية كل تلك الجماعات وساندتها ماليًا ومعنويًا لتكوين أحزاب تحت لافتات دينية، وخلال سنة حكم الجماعة انبرى قياديوها إلى معاداة كل من سواهم بما فيهم قطاعات كبيرة من الشعب، بما فيهم من كانوا يتعاطفون مع الجماعة، حينها لن تأخذ الجماعة خطوة للوراء للتفكر والتدبر !، وقبيل وأثناء وبعد تطورات الثلاثين من يونيو أصرَّت قيادات الجماعة على التمسك بالغرور والصلف، مدعين أنهم مؤيدون من كل الشعب المصري، وهذا الادعاء كان باطلًا، و لم يشأ أي من قيادات الجماعة أن يفتح عينيه وعقله ليدرك حقيقة أنهم يملكون مساندة بعض وليس كل الشعب المصري، وبعد الثلاثين من يونيو أشعل قيادات الجماعة نيران العنف والدماء في الخفاء ، بينما في العلن يدعون أنهم يتمسكون بالسلمية، وكان من الطبيعي أن تتطاير نيران الدماء هنا وهناك ولا تزال ، بعد كل هذا ، نقرأ ونسمع ان الجماعة لا تزال قادرة على نهج أسلوب ثوري ، ردا على ممارسات السلطة الحاكمة في مصر، ويبقى السؤال المثير: أومال انتوا كنتوا بتهببوا إيه طوال العامين الماضيين ؟!

يا أهل الأرض جميعا، الجماعة ماتت، بفعل خطايا وأخطاء قياداتها، ولن يعيدها للحياة بيان يصدره قيادي بالجماعة هارب أو قيادي آخر متخفي وراء شاشة كمبيوتر !!!

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار