"ملاك السلام"

تابعنا على:   15:52 2015-05-27

غازي السعدي

وسط استياء إسرائيلي من قرار الفاتيكان، الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً، استقبل قداسة البابا فرنسيس بتاريخ 16-5-2015، الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بعناق حار، وأطلق عليه لقب "ملاك السلام"، ومنحه ميدالية السلام، مما أثار حفيظة إسرائيل وأزعج قادتها وسبق ذلك، توقيع مسودة اتفاقية بين الطرفين، بعد أن ناقشا الوضع في المنطقة، ودعا قداسة البابا كل من إسرائيل والفلسطينيين، لاتخاذ قرارات شجاعة من أجل التوصل لاتفاقية سلام، وأضحكني تعليق سفيرة إسرائيل في الفاتيكان حين علقت على هذا الحدث التاريخي، بأنه مؤسف، متهمة "أبو مازن"، بـأنه يستغل هيئات دولية لمهاجمة إسرائيل، في الوقت الذي يمتنع فيه عن العودة إلى طاولة المفاوضات-حسب قولها- فماذا تريد هذه السفيرة .. أن تستمر المفاوضات للأبد؟ فعلاً تصريحاتها أضحكتني، إذ أن إسرائيل تحاول جعل كل ما هو مصلحة فلسطينية في قائمة الاستغلال، فماذا عن ألاعيب إسرائيل وممارساتها واحتلالها واستيطانها في كل مكان أيضاً؟ وماذا عن استغلال إسرائيل والحركة الصهيونية لقضية المحارق النازية، التي لا علاقة للفلسطينيين والعرب بها، لا من قريب ولا من بعيد، من أجل إقامة الدولة الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية، وما زالت تستغل كل ما يخدمها، في تغيير معالم القدس خاصة، وفلسطين، عامة، إنه يسجل للرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، نجاحه في محاصرة إسرائيل دولياً، وتعريته عنصرية إسرائيل عالمياً، ومخالفاتها لجميع قرارات الشرعية الدولية في فلسطين، فإن رسالة فلسطين المقنعة إلى العالم التي يقودها الرئيس الفلسطيني، أدت إلى تغيير في المواقف الدولية انتصاراً للشعب الفلسطيني، وهذه السياسة المعتدلة أدت إلى اعتراف مجلس الأمن بفلسطين كعضو مراقب، وحصلت على عضوية كاملة باليونيسكو، وعضو في محكمة جرائم الحرب في "لاهاي"، توجت بما أطلقه قداسة البابا بوصفه الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بـ "ملاك السلام"، وهي رسالة قوية لإسرائيل بأن هناك رجلاً قادراً على صنع السلام، وتدحض التشكيك بقدرة الرئيس "عباس" على صنع السلام، وقول "نتنياهو" أنه ليس شريكاً في صنع السلام، الأمر الذي أدى إلى شعور الحكومة اليمينية العنصرية المتطرفة بخيبة الأمل، وبشكل خاص جراء استخدام الفاتيكان لمصطلح الدولة الفلسطينية، عشية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، قبل حلف يمين الولاء وأن الضغوط على إسرائيل ستتصاعد.

في خطابه أمام الكنيست للحصول على الثقة بحكومته، قال "نتنياهو" أنها ستعمل من أجل التوصل إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين، قوله هذا أثار الضحك بين معظم أعضاء الكنيست، الذين يعرفون بأن "نتنياهو" ليس جاداً في صنع السلام، وكل من استمع إلى خطابه خارج الكنيست اعتبر أقوال "نتنياهو" عن السلام مجرد نكتة، فلا أحد من الإسرائيليين صدقها، حتى أن الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، علق على خطاب "نتنياهو" من قمة الخليج في كامب ديفيد، ووصف أقوال "نتنياهو" بالجديدة، لكنها مستبعدة لعدم جدية "نتنياهو"، وانتهز سكرتير عام الأمم المتحدة "بان كي مون"، تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ليصدر بياناً، يشجب فيه إسرائيل بشدة، جراء ما تقوم به في الضفة الغربية والقدس، مؤكداً أن الاستيطان غير مشروع، وفقاً للقانون الدولي، طالباً من إسرائيل التوقف عن مثل هذه المسلكيات، مؤكداً أن المجتمع الدولي لن يعترف بأية أعمال من جانب واحد، وأن مكانة القدس سيتم تحديدها فقط عبر المفاوضات، والملاحظ أن بيان السكرتير العام، جاء أكثر حدة تجاه إسرائيل، في مواجهة حكومة "نتنياهو" الجديدة، من البيانات السابقة.

إن الضغوط السياسية على إسرائيل بالغة الأهمية، فالموقف الأوروبي في تطور إيجابي مستمر نحو إقامة الدولة الفلسطينية، حتى أن هناك حصار أوروبي على منتجات المستوطنات، والعمل على اتخاذ عقوبات ضد الاستيطان، كما أن هناك تحركات في الجامعات الأوروبية، وبعض الجامعات الأميركية، لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، فالرئيس "أوباما" دعا إلى إعادة التقويم بالشأن الإسرائيلي-الفلسطيني، وأن الرئيس "أوباما" لا يقلل من صعوبات السلام بسبب تركيبة حكومة إسرائيل الجديدة، والتحديات التي يواجهها الرئيس "أبو مازن"، لكنه أكد التزامه بإقامة الدولة الفلسطينية، موضحاً أن الحل الوحيد أمامه "دولتين لشعبين"، فالموضوع لا يتعلق بافتقاد الثقة بين الجانبين، كما قال الرئيس "أوباما"، إلا أن الإستراتيجية الإسرائيلية اليمينية، التي يقودها "نتنياهو"، هي إستراتيجية التوسع، وأن إسرائيل تطمع في كل الأراضي الفلسطينية، ولا وجود للسلام والدولة الفلسطينية في القاموس الإسرائيلي، لكن حسب الرئيس "أوباما"، فإن إسرائيل لن تكون يهودية وديمقراطية، إذا لم تُقم الدولة الفلسطينية، والرئيس "أوباما" أخطأ حين قال أن على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل، فإذا كان "أوباما" يقصد الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، فإن هذا مرفوض، ورفض مراراً وتكراراً.

فرنسا تعتزم التقدم إلى مجلس الأمن الدولي، بمشروع سلام لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، خلال (18) شهراً، وإذا فشل المشروع الفرنسي، ولم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن فرنسا ستعلن عن اعترافها رسمياً بالدولة الفلسطينية، فالمشروع الفرنسي سيعمل على تنفيذ حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، مع حصول عمليات تبادل أراضي بين الجانبين، وتوفير شروط الأمن لإسرائيل، والقدس عاصمة للدولتين، وحل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة صندوق لتعويضات اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن إسرائيل لا ترحب بالمبادرة الفرنسية، أما وزير خارجية النرويج، المؤيد لإقامة الدولة الفلسطينية، فإنه أبلغ "نتنياهو" لدى زيارته لإسرائيل، أن إسرائيل ستتعرض لضغوطات قوية جداً لحل الدولتين، بعد التوقيع على الاتفاق الغربي مع إيران، فـ "نتنياهو" بعد لقائه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بتاريخ 21-5-2015 أعلن أنه ملتزم بحل الدولتين، وهذا كذب وخداع، لشراء الوقت، والتخفيف من الضغوط الدولية التي تتعرض لها إسرائيل، والدليل على خداع "نتنياهو"، أنه لو كان جاداً في حل الدولتين، لأدخل بنداً بذلك في الخطوط العريضة لحكومته الجديدة، التي حصلت على ثقة الكنيست، وفقاً لخطوطها وبرنامجها، حتى أن الرئيس الإسرائيلي السابق "شمعون بيرس"، علق على أقوال "نتنياهو" بحل الدولتين، بأن "نتنياهو" غير معني بالسلام وحل الدولتين، وأن علاقات إسرائيل مع واشنطن متوترة جداً، أما الوزير السابق "عمير بيرتس"، قال أن تصريحات "نتنياهو" عن حل الدولتين، ليست صادقة، وأنه يصدق ما قاله "نتنياهو"، أثناء الحملة الانتخابية، أنه لن تقام دولة فلسطينية أثناء ترؤسه للحكومة.

إن تعيين "نتنياهو" للوزير "سلفان شالوم"، مسؤولاً عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، تلميح للمجتمع الدولي بأن القضية الفلسطينية ما زالت على جدول الأعمال والاهتمام الإسرائيلي، وأن إسرائيل على استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن عن أية مفاوضات؟ وما مرجعيتها؟ ومن المشكوك فيه بأن يكون للوزير "شالوم" مضمون حقيقي للتفاوض، بل أن تعيينه كي لا تبدو إسرائيل رافضة للسلام، في ظل حكومة يمينية متطرفة، وخطوطها العريضة تتجاهل قضية السلام، بل تؤكد على الاستيطان، وأن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية فتصريحات "نتنياهو" المتكررة بشأن القدس الموحدة، عاصمة إسرائيل الأبدية هو في حقيقة الأمر دلالة على شكه وعدم قناعته في صحة ذلك، وليس أدل على ذلك من أن ولا دولة في العالم، اعترفت بهذا الضم، حتى الولايات المتحدة الأميركية، أما تكليف "سلفان شالوم" بملف المفاوضات، فإن مجرد الاسم لـ "شالوم"، وتعني السلام، هو كل ما ستسفر عنه مهمته التفاوضية.

جهات دولية وأوروبية وأميركية، تدعو لإنقاذ إسرائيل من الجمود السياسي، وترى أنه لا وجود لبرنامج سلام لـ "نتنياهو"،وأنه تملص من حل الدولتين، ويعتبر الإدارة الأميركية تعادي إسرائيل، وأن "عباس" ليس شريكاً، بينما الرئيس الفلسطيني ما زال يؤمن بالسلام، وشروط "عباس" العودة للمفاوضات معروفة ولم تتغير: وقف البناء الاستيطاني، إطلاق سراح الأسرى المتفق عليهم، ووضع جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967.

لقد استهلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة حكمها بقرار الفصل في الحافلات بين الفلسطينيين والمستوطنين، لدلالة على مدى عنصريتها، وما يتبع ذلك بالتراجع عن هذا القرار، إثر ردود الفعل العالمية، وبعض الجهات الإسرائيلية، فالقرار مخجل، وساهم في تدني سمعة إسرائيل إلى الحضيض، وتراجع "نتنياهو" عن هذا القرار بعد ثلاث ساعات من موعد تطبيقه، لتحسين صورته السيئة أمام العالم، لكن موضوع الفصل في الحافلات، ليس جديداً، إذ جرى بحثه من قبل، وجرى تأجيل تطبيقه، وأن التراجع عن التطبيق، لا يعني إلغاءه، بل تأجيله لفرصة أخرى، وأخيراً...إن كل ما يهم "نتنياهو"، ويسعى له، اجتياز الفترة المتبقية من رئاسة "أوباما"، وبأقل الخسائر، على صعيد المشكلة الفلسطينية، بانتظار رئيس أميركي آخر، ربما من الحزب الجمهوري، الذي يرتبط قادته بعلاقات قوية مع إسرائيل، ظهرت من خلال المفاوضات الأميركية-الإيرانية، فالرئيس "أوباما" لن يقوم بخطوات مؤثرة ضد الحكومة الإسرائيلية، بالنسبة للموضوع الفلسطيني، قبل التوقيع على الاتفاق بين الدول العظمى الخمسة زائد واحد، مع الجمهورية الإيرانية، وأن المستقبل سيجيب على مواقف العالم وخاصة الموقف الأميركي، من تنفيذ ما تعهد به الرئيس "أوباما" بحل الدولتين.

اخر الأخبار