هل سيصمد محمود عباس؟

تابعنا على:   16:45 2015-05-24

عبد الرحمن صالحة

أسباب كثيرة عطلت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و" إسرائيل" منها فشل جون كيري في التوصل لاتفاق إطار خلال العام الماضي 2014م، وتوجه السلطة الفلسطينية نتيجة فشل المفاوضات مع "إسرائيل" بخطوة فلسطينية داخلية تمخض عنها توقيع اتفاق الشاطئ الذي أثار حفيظة " إسرائيل" مما دفعها إلى تعليق المفاوضات مع السلطة و"معاقبتها" اقتصادياً وسياساً بعد ابرامها اتفاق المصالحة مع حماس واغرقت بذلك العملية السلمية التي ترعاها واشنطن في أزمة وبدأت بحملة دولية ضد محمود عباس، ومن ثم عاقبت " إسرائيل" غزة عسكرياً من خلال شنها حربا علي القطاع في صيف 2014م، وكان من بين أهداف "إسرائيل" في الحرب  نسف اتفاق الشاطئ وملف المصالحة بشكل كامل.

وكذلك من أسباب تعطيل المفاوضات تلويح السلطة الفلسطينية ببعض الخيارات الشكلية فارغة المضمون التي لا تحمل أي شيء من الجدية، كتلويح السلطة الفلسطينية بالتوجه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكة "إسرائيل" على ما ارتكبت من جرائم خلال عدوانها الأخيرة على قطاع غزة، وتلويح الرئيس محمود عباس بوقف التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، رغم تأكيد المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير على وقف التنسيق الأمني، إلا أن ذلك لم يحدث ولم يطبق، كذلك تلويح محمود عباس بحل السلطة لم يحدث ولم يطبق، وبالتالي الإجراءات و"الفرقعات" الإعلامية للسلطة الفلسطينية التي كانت تطلق بين فترة وأخرى كان الهدف منها مناورة  "إسرائيل" للضغط عليها لكي تجلس على طاولة المفاوضات، لكن في المقابل أعتبر بنيامين نتانياهو تلك الخيارات والإجراءات الفلسطينية السابقة هي إجراءات أحادية الجانب تنفيذها يأزم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبموازاة ذلك كان ومازال الاستيطان الإسرائيلي يلتهم الضفة الغربية ضارباً بعرض الحائض التوصل لاتفاق أو عدم التوصل لاتفاق بين الجانبين.

إن انشغال الحكومة الإسرائيلية بخلافاتها الداخلية خاصة التي كانت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان الذي طالب بضرورة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإعادة تشكيل حكومة ائتلافية جديدة كان لهذه الخلافات دور كبير في توقف عملية المفاوضات، كذلك انشغال الراعي الأمريكي للمفاوضات بقضايا إقليمية ودولية، يعتبرها الأمريكان قضايا أكثر أهمية لهم، كانشغالهم بملف المفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ومعالجة الأزمة السورية.

بعد ما تقدم من أسباب أدت لتعطيل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتشكيل بنيامين نتانياهو حكومة إسرائيلية جديدة، فإن ثمة سؤالا بارزا يتوجب طرحه هذه المرة: هل سيصمد محمود عباس أمام تعطل المفاوضات مع "إسرائيل" خلال الفترة القادمة؟

 أعتقد أن محمود عباس الآن أمام احتمالين، الاحتمال الأول وهو الاندفاع نحو المفاوضات مع إسرائيل كما كانت تجري في العادة وبوتيرة طبيعية سواء كان سبب الاندفاع تلقائية الرئيس محمود عباس ورغبته في استئناف المفاوضات أو نتيجة تدخل أوروبي ضاغط، خاصة أن تحريك ملف المفاوضات في الوقت الحالي يعد مطلب أوروبي وتحديداً فرنسي، خاصة وأن فرنسا قدمت مبادرة لاستئناف المفاوضات بين الجانبين، وهذا الاحتمال وارد ومرجح وبقوة نتيجة مجموعة من العوامل وهي حالة الاحباط السياسي التي تسود داخل محمود عباس وداخل قيادات السلطة الفلسطينية بسبب حالة تهميش غير مسبوقة تعيشها القضية الفلسطينية، والضغوط التي تمارس من أجل تجميد أي تحركات وانشطة سياسية جديدة، في ظل الوضع الذي تعيشه المنطقة، وتجاهل الولايات المتحدة الامريكية للملف الفلسطيني على حساب ملفات أخرى، كذلك فشل المصالحة الوطنية وانسداد افق انهاء الانقسام الفلسطيني، وصولاً للمرونة العالية لمحمود عباس التي أظهرها لشمعون بيريس خلال مؤتمر " المنتدى الاقتصادي العالمي" المنعقد في عمان، وخلال المنتدى وجه بيريس نصيحة لمحمود عباس يقول فيها "انطباعي هو الخروج من الأزمة و هناك حاجة ملحة للعودة إلى طاولة المفاوضات دعونا نعود إلى طاولة المفاوضات اخلع كل شروط مسبقة، هو أفضل نصيحة أستطيع أن أعطي لكم"، وقابل عباس نصيحة بيرس  بقوله:" أنا مهتم بالسلام واريد العودة للمفاوضات".

الاحتمال الثاني استمرار تمسك محمود عباس بالشروط المتمثلة بوقف النشاطات الاستيطانية، وإطلاق سراح الأسرى وخاصة الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ومفاوضات لمدة عام ينتج عنها تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام 2017م، من أجل العوة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكن هذا الاحتمال ضعيف جداً لأن " إسرائيل" ترفض هذه الشروط أو العودة للمفاوضات بشروط مسبقة، وبالتالي هذا الاحتمال يعني استمرار الجمود بين الجانبين وبقاء الوضع كما هو الحال عليه دون التأثير على سير اللقاءات التي تعقد بين قيادات السلطة الفلسطينية  والقيادات الإسرائيلية العسكرية والمدنية خلف الستار دون أصداء.

اخر الأخبار